انتقادات لتقديم باسيل نفسه «رئيساً للحكومة من خارجها»

تفعيل «المستقيلة» يتطلب تعديل الدستور لا تفسيره

عون لدى استقباله السفيرة الأميركية قبل أيام (الرئاسة اللبنانية)
عون لدى استقباله السفيرة الأميركية قبل أيام (الرئاسة اللبنانية)
TT

انتقادات لتقديم باسيل نفسه «رئيساً للحكومة من خارجها»

عون لدى استقباله السفيرة الأميركية قبل أيام (الرئاسة اللبنانية)
عون لدى استقباله السفيرة الأميركية قبل أيام (الرئاسة اللبنانية)

قال مصدر نيابي لبناني بارز -في معرض تعليقه على البيان «الناري» الذي أصدره «التيار الوطني الحر»، واتهم فيه الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري بافتعال أزمة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، والفريق السياسي المؤيد له، بانتهاجه منحى إقصائياً بتسمية الوزراء المسيحيين ليكون له النصف زائداً واحداً في الحكومة- إن رئيسه النائب جبران باسيل يقصد من وراء اتهاماته هذه تمرير رسالة إلى السفراء الأجانب والعرب الذين يدعون عون إلى إسقاط شروطه، ليكون ذلك أساساً للتوصل إلى تسوية سياسية تدفع باتجاه تسهيل تأليف الحكومة، في محاولة منه للالتفاف على دورهم لإخراج التشكيلة الوزارية من التأزم.
ولفت المصدر النيابي إلى أن باسيل يحاول أن يرمي المشكلة التي أوقع فيها «العهد القوي» عن سابق تصور وتصميم على الحريري، لعله يتمكن من الإفلات من الحصار المفروض عليه دولياً وعربياً. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه يحق للرئيس المكلف الإصرار على رفضه إعطاء الثلث المعطل لأي طرف، لئلا تولد حكومته معطوبة من الداخل، وتتحول إلى جُزر أمنية وسياسية يعوزها الحد الأدنى من الانسجام، وتبقى عاجزة عن استعادتها ثقة اللبنانيين، ومن خلالها المجتمع الدولي.
ورأى أن باسيل في إصراره على الثلث الضامن -كما يقول عدد من الوسطاء الذين سعوا إلى إنقاذ عملية تأليف الحكومة- كان وراء حشر عون في الزاوية، وإلا ماذا يقول للسفيرة الأميركية دوروثي شيا، بدعوتها من قصر بعبدا إلى إسقاط الشروط، والدخول فوراً في تسوية لتسريع ولادة الحكومة، فيما تلوذ بالصمت بعد لقاءاتها مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف؟
وعد أن إصرار باسيل على الثلث المعطل، كما يتهمه خصومه، يكمن في أنه يريد أن ينصب نفسه رئيساً ثانياً للحكومة من خارج التشكيلة الوزارية، ليكون في وسعه تعطيلها من جهة، والتحسب لكل طارئ يترتب على تعذر إجراء الانتخابات النيابية العامة في موعدها، التي يمكن أن تنسحب على إحداث فراغ في سدة الرئاسة الأولى، خصوصاً بعدما أخفق في تأليب الشارع المسيحي ضد الحريري، وبات أسير شعارات شعبوية غير قابلة للتنفيذ.
وأكد المصدر نفسه أن المجيء بحكومة على قياس الطموحات الرئاسية لباسيل لن تلقى أي دعم دولي وعربي لوقف انهيار البلد الذي يقف حالياً على عتبة الزوال. وكشف أن الرئيس بري، وإن كان يدرس معاودة تدخله بين عون والحريري لإصلاح ذات البين بينهما، فإنه سرعان ما عدل عن التدخل بعد البيان «الاتهامي» الصادر عن «التيار الوطني» ضد الرئيس المكلف الذي يُفهم منه أنه ماضٍ في تعطيل تشكيل الحكومة لدفع الحريري، بالتفاهم مع عون، إلى الاعتذار، على الرغم من أن باسيل يدرك سلفاً أنه من سابع المستحيلات.
وتوقع أن يكون للرئيس بري مداخلة في مستهل الجلسة التشريعية، اليوم (الاثنين)، يرد فيها على طريقته على مطالبة رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب بتفسير الدستور لتحديد سقف لتصريف الأعمال، بتأكيده أن مطالبته تستدعي تعديلاً للدستور، وهذا ما أُحيط دياب علماً به، إضافة إلى وجود رأيين في خصوص إقرار الموازنة للعام الحالي.
وأضاف المصدر أن دياب ليس في وارد طلب توسيع نطاق تصريف الأعمال، لكنه يحاول أن يرمي المسؤولية على عاتق البرلمان، وإلا لماذا يستنكف عن ممارسة الحد الأدنى من تصريفه للأعمال، ويفضل الاعتكاف في منزله، ولا يحضر إلى مكتبه إلا في الحالات الضرورية القصوى؟
وفي هذا السياق، كشف مصدر سياسي أن دياب سيكون محرجاً بطلبه توسيع نطاق تصريف الأعمال لئلا يُتهم بأنه قرر الاستجابة لطلب الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، الذي دعاه إلى تفعيل العمل الحكومي، وقال إن الإساءات التي ألحقها عون بالحريري، وإن كانت لم تفعل فعلها في جره للاعتذار، باتت تحول دون رفع الحظر عن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، لئلا يُتهم بأن موافقته تجعل منه ضالعاً في تعطيل تشكيل الحكومة، مع أنه يدرك سلفاً أن البرلمان ليس في وارد تعويم حكومته بتجديد ثقته بها.
كذلك فإن دياب ليس في وارد التفريط بما لديه من رصيد في الشارع الإسلامي، وتحديداً السني منه، بعد تضامن رؤساء الحكومات السابقين معه احتجاجاً على الادعاء الذي استهدفه في ملف تفجير مرفأ بيروت، والذي فتح له نافذة للتواصل مع بعضهم.
وفي المقابل، فإن آخر ما يهم عون إعادة تعويم الحكومة، ليس لأن بري يقاتل لمصلحة تشكيل حكومة جديدة فحسب، ويرى في تعويمها إشارة إلى تعطيل تأليفها، وهذا ما لا يريده حرصاً منه على عدم تعريض العلاقات بين السنة والشيعة إلى اهتزاز لا مبرر له، وإنما لأن عون يتصرف بارتياح من خلال تقديم نفسه على أنه الحاكم بأمره بترؤسه لاجتماعات مجلس الدفاع الأعلى. فعون يحتجز التشكيلة الوزارية، ولن يفرج عنها إلا في حال مقايضتها بتعويم باسيل، وهذا ما دفع بلسان المصدر السياسي إلى سؤاله عن الأسباب الكامنة وراء عدم إعلانه التعبئة السياسية، بالتلازم مع التعبئة الصحية لمكافحة انتشار فيروس «كورونا»، للضغط لتأليف الحكومة، بدلاً من أن يطلق يد صهره للتمرد على المجتمع الدولي؟
ورأى المصدر أن ترؤس عون لاجتماعات مجلس الدفاع غير كافٍ، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يملك الوكالة الدستورية والقانونية ليحل مكان حكومة أصيلة كاملة الأوصاف لتقوم بواجباتها على أكمل وجه في الظروف الاستثنائية، لأن ما يتقرر في اجتماعاته يبقى في حدود رفع التوصيات التي يعود للحكومة إصدارها في قرارات تنفيذية.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.