«المجلس العالمي للسفر»: السياحة ستشهد انتعاشاً ملموساً الصيف المقبل

جيفارا تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن خطوات تطوير القطاع في السعودية ستجعلها وجهة عالمية قريباً

تطور السياحة السعودية كوجهة عالمية جاذبة... في الإطار غلوريا جيفارا رئيسة المجلس العالمي للسفر والسياحة (الشرق الأوسط)
تطور السياحة السعودية كوجهة عالمية جاذبة... في الإطار غلوريا جيفارا رئيسة المجلس العالمي للسفر والسياحة (الشرق الأوسط)
TT

«المجلس العالمي للسفر»: السياحة ستشهد انتعاشاً ملموساً الصيف المقبل

تطور السياحة السعودية كوجهة عالمية جاذبة... في الإطار غلوريا جيفارا رئيسة المجلس العالمي للسفر والسياحة (الشرق الأوسط)
تطور السياحة السعودية كوجهة عالمية جاذبة... في الإطار غلوريا جيفارا رئيسة المجلس العالمي للسفر والسياحة (الشرق الأوسط)

على الرغم من أن أحدث التقديرات بينت أن تداعيات الجائحة طالت أكثر من 142 مليون وظيفة وفي طريقها للتصاعد إلى أكثر من 174 مليوناً ما لم يتحسن الوضع الصحي العالمي، أكدت غلوريا جيفارا الرئيسة التنفيذية للمجلس العالمي للسفر والسياحة أن القطاع سيعاود الانتعاش مجدداً الصيف المقبل، وسيواصل دوره في دعم اقتصادات الدول، معتقدة أن السعودية ستحقق انتعاشاً أفضل من المتوقع، في وقت أشارت فيه إلى أن القطاع يسهم بنسبة 10.3 في المائة في الناتج الإجمالي العالمي، وسط انتعاش قوي للأنشطة السياحية المختلفة في الصيف.
وقالت جيفارا في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنه على الرغم من التداعيات التي شهدها قطاع السفر والسياحة العالمي جراء تفشي جائحة كورونا، فإن تباشير الانفراج بدأت تلوح في الأفق، مفيدة بأن تقرير المجلس للأثر الاقتصادي لعام 2019 أظهر نمواً بنسبة 14 في المائة، متخطياً المعدل العالمي - البالغ 3.5 في المائة - بأربعة أضعاف، قبل وقوع الجائحة، ما يجعل ترقب مرحلة التعافي متفائلة في القطاع، لافتة إلى أن خطوات السعودية للتنمية السياحية ستجعلها واحدةً من أهم الوجهات في العالم قريباً. مزيد من التفاصيل في الحوار التالي:

> ما توقعاتكم لحجم ونمو قطاع السياحة في العالم، وفي السعودية بشكل خاص خلال 2021؟
- بالرغم من التداعيات التي شهدها قطاع السفر والسياحة العالمي جراء تفشي جائحة فيروس «كوفيد - 19»، فإن تباشير الانفراج بدأت تلوح في الأفق، وأتوقع حدوث انتعاش قوي للقطاع هذا الصيف، بعد أن كشف بحثنا الأخير عن انخفاض أوقات التعافي بعد مثل هذه الأزمات بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، حيث أظهر تقريرنا للأثر الاقتصادي لعام 2020 أن قطاع السفر والسياحة قد حقق في عام 2019 نمواً بنسبة 14 في المائة، متخطياً المعدل العالمي - البالغ 3.5 في المائة - بأربعة أضعاف، وعلاوةً على ذلك، يدعم قطاعنا واحدة من كل 10 وظائف (330 مليون وظيفة) على مستوى العالم، ويسهم بنسبة 10.3 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويولد واحدة من كل أربع وظائف جديدة.
وفيما يخص عام 2021، سيقدم تقريرنا الذي نعمل عليه حالياً رؤى حول التعافي المتوقع. ويبدو جلياً بطبيعة الحال أن القطاع سيعاود الانتعاش مجدداً، وسيواصل دعم اقتصادات الدول حول العالم. ونعتقد أن السعودية ستحقق انتعاشاً أفضل من المتوقع باعتبارها شهدت انتعاشاً محلياً قوياً.
> ما حجم الخسائر التي تكبدتها السياحة العالمية جراء آثار وتفشي جائحة كورونا حتى الآن؟
- يشير أحدث تقديراتنا إلى أن تداعيات الجائحة طالت أكثر من 142 مليون وظيفة بالفعل، وسيرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 174 مليون ما لم يتحسن الوضع.
> هل من إجراءات جديدة في السياحة العالمية تعملون عليها لتواكب متطلبات تقيه من جائحة كورونا؟
- تبعاً للتقييم الذي أجريناه في الأزمات السابقة، أكدنا ضرورة وجود بروتوكولات متسقة لمواجهة الحالات الطارئة، وقد أطلقنا العام الماضي «ختم السفر الآمن» لتمكين المسافرين من تحديد البلدان والوجهات التي طبّقت أفضل بروتوكولات السلامة، حيث حصلت على هذا الختم حتى الآن أكثر من 250 وجهة حول العالم لضمان السفر الآمن. وتضع هذه البلدان بروتوكولات مستندة إلى الحقائق العلمية تماشياً مع معايير القطاع الخاص العالمي، ومن أولى الوجهات والبلدان التي حصلت على «ختم السفر الآمن»؛ السعودية، والبرتغال، وكانكون، وكوينتانا رو، وبرشلونة، وإشبيلية.
اليوم نتبع نهجاً عالمياً متسقاً، يشمل التعاون بين القطاعين العام والخاص، لإنشاء إطار تنقل دولي يسمح بتحرك الأفراد على نحو آمن وإنهاء قيود السفر، وننطلق في ذلك من ضرورة وجود قواعد واضحة حتى يعرف المسافرون الدوليون متى يحتاجون إلى إجراء الاختبارات باستخدام جوازات السفر الرقمية، وما متطلبات التنقل اللازمة لاستئناف السفر، وندعو الحكومات أيضاً إلى تقديم الدعم الضروري للقطاع، حيث قدمت المملكة دعماً ممتازاً لإنقاذ مصالح القطاع الخاص - لا سيما الوظائف والشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد.
> ما أكثر أنواع السياحة تأثراً بالجائحة؟ وما حجم الضرر الذي أصابها؟
- لا شك أن قطاع السفر الدولي تضرر بشدة من آثار الجائحة، وطال هذا الضرر أيضاً السفر الداخلي في كثير من البلدان، ناهيك كذلك بالسفر بغرض العمل والترفيه، حيث تأثر كل جزء من قطاعنا.
> إلى أي مدى استفادت السياحة العالمية من الإجراءات التي اتخذتها قمة العشرين الأخيرة؟
- كانت مجموعة العشرين أول منصة عالمية ناقشت اتباع نهج دولي متسق لدعم قطاع السفر والسياحة، وكان للحكومة السعودية دور جوهري في إدراج السياحة على جدول الأعمال الرسمي لقمة العشرين، حيث أسهم ذلك إلى حد كبير في إعلاء شأن القطاع، ومن المهم للغاية أن نواصل الحوار الذي بدأ في تلك القمة.
السعودية حققت إنجازاً تاريخياً في عام 2020 بدعوتها الرؤساء التنفيذيين لشركات القطاع الخاص، ولأول مرة على الإطلاق، إلى محاورة وزراء السياحة في دول مجموعة العشرين، وانطلقت المملكة في تلك المبادرة من إدراكها التام لأهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص لاستئناف السفر واستعادة ملايين الأشخاص لوظائفهم، وقد طُلب من القطاع الخاص طرح خطة لاسترداد 100 مليون وظيفة، وهو أمر بالغ الأهمية لضمان استمرارية القطاع، وبذلك اضطلعت المملكة بدور عالمي محوري في إدارة الأزمة، ومواجهة تحدياتها، وتحديد المسار الصحيح للمضي قدماً نحو الأمام. ونود بهذه المناسبة أن نعرب للمملكة عن شكرنا للجهود التي بذلتها في هذا السياق.
> ما تقييمكم للاستراتيجية السعودية في تعزيز القطاع السياحي وتمكينه؟ وإلى أي مدى ستسهم في إنعاش السياحة العالمية ككل؟
- قامت المملكة بعمل رائع منذ إطلاقها التأشيرة الإلكترونية السياحية في عام 2019، التي حققت تحولاً مدهشاً وخطوات ملموسة في قطاع السياحة، وتقود وزارة السياحة هذا التوجه الاستراتيجي لتطوير إمكانات السفر المحلي والدولي، وتشكل بذلك نموذجاً يحتذى به للوجهات الأخرى.
ومن المثير للإعجاب حقاً ما قامت به المملكة لتعزيز وتمكين قطاع السياحة والسفر، وكذلك تحديد سبل تنفيذ استراتيجيتها، ولهذا دور حاسم بلا شك في تعافي قطاعها السياحي. تعلمت السعودية بعض الدروس الجيدة، ولديها أمثلة جديرة بالمشاركة مع باقي دول العالم حول كيفية المساهمة في إحياء السياحة العالمية، ونتوقع أن تواصل المملكة دورها العالمي الرائد للمساعدة في الجهود لاستعادة 100 مليون وظيفة تضررت بفعل الجائحة.
> ما تقييمكم لأهمية مشروعات السعودية العملاقة كـ«البحر الأحمر» و«آمالا» و«ذا لاين» في السياحة الجديدة؟
- تساعد هذه المشاريع المبهرة والطموحة في إبراز المكانة الرائدة للمملكة بقطاع السفر والسياحة العالمي، وفي تطوير وتحول الوجهات السياحية، وهي إلى جانب ذلك تسهم في تسريع أجندة الاستدامة والرقمنة على مستوى العالم. هذه المشاريع السعودية العملاقة تستخلص من العالم أفضل خبراته، وتبني عليها لتحقيق إنجازات ملهمة بالفعل. وبذلك تسهم في تحسين ممارسات الأعمال، وإرساء نموذج يحتذى به للعالم، وصنع سمعة السعودية كوجهة عالمية جاذبة في قطاع السفر والسياحة العالمي.
> برأيكم ماذا سيضيف مشروع البحر الأحمر للسياحة السعودية والسياحة العالمية؟
- هذا المشروع مثير للإعجاب حقاً؛ ومع أنه لم تسنح لي الفرصة بعد لزيارته شخصياً، فإنني أعتقد أنه سيكون نموذجاً يحتذى به في مجال الاستدامة مع كل الجهود المبذولة هناك لحماية الشعاب المرجانية.
> ما أهدافك من الزيارة الأخيرة إلى المملكة؟
- زرت السعودية قبل بضعة أسابيع لتحديد المرحلة التالية من شراكتنا المهمة؛ حيث ركزنا خلال عام 2019 على إطلاق التأشيرة وفرص الاستثمار، وتمحور تركيزنا خلال عام 2020 حول قمة العشرين التي لعبت فيها المملكة دوراً قيادياً مهماً في إدارة الأزمة وإرساء أسس التعافي منها، وسيتعاون المجلس العالمي للسفر والسياحة مع المملكة لدعم نموها ومساعيها لتحقيق رؤية 2030.
> من خلال المبادرات التي ترينها في السياحة السعودية، كيف تتوقعين أن تتغير مساهمة السياحة في الاقتصاد المحلي بالسنوات الخمس المقبلة؟
- أعتقد أن المملكة تحظى بموقع جيد حالياً لتحقيق أهدافها في مجال السفر المحلي والدولي، وكذلك على صعيد البنية التحتية وتطوير المنتجات مثل الفنادق الجديدة، ولا شك أن القطاع الخاص العالمي متحمس جداً لاغتنام الفرص المتاحة في السعودية، وسيكون هناك إقبال كبير من المسافرين لاستكشاف المملكة.
وبحسب الانطباع الذي خرجت به خلال زياراتي العديدة إلى السعودية، أعتقد أن قطاع السفر والسياحة هو أكثر القطاعات السعودية الواعدة، وأرتكز في تقييمي هذا على مقومات الثقافة والتاريخ والمأكولات التقليدية وحسن الضيافة، والتي تنم جميعها عن إمكانات هائلة يتمتع بها القطاع هناك.
> ما عناصر الثقافة والتراث السعودي برأيك التي ستجذب السياح الدوليين؟
- السعودية برأيي أشبه بألماسة غير مكتشفة يتوق كثير من الناس إلى مشاهدتها. وهي إلى جانب موقعها الجغرافي الفريد، تحظى بمقومات غنية عبر مجالات الثقافة والتاريخ والمأكولات التقليدية والأنظمة البيئية المتنوعة. وأعتقد لذلك أنها ستصبح واحدةً من أهم الوجهات السياحية في العالم قريباً.
> من منظور سياحي، كيف تعاملت السعودية مع الجائحة؟ وما أهم الخطوات للانفتاح على الزوار الدوليين مرة أخرى؟
- قامت السعودية بعمل مدهش في إدارة أزمة «كوفيد - 19» وتنشيط السياحة المحلية، والدعوة إلى توافق عالمي في مجال السياحة الدولية خلال قمة مجموعة العشرين. وخلال زيارتي الأخيرة إلى المملكة، لمست بنفسي اتباع بروتوكولات عالية المستوى مثل تطبيقات التعقب وارتداء الأقنعة الواقية. ونحن بحاجة إلى مواصلة التعاون الدولي لتحديد التدابير والبروتوكولات اللازمة لاستئناف حركة السفر الدولية وإنقاذ ملايين الوظائف حول العالم.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».