العالم يراقب «تسليك» شريان تجارته

مصادر في قناة السويس لـ«الشرق الأوسط»: ثقة دولية واسعة بقدرتنا على التعامل مع «أزمة غير مسبوقة»

رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع خلال متابعة جهود تعويم السفينة الجانحة (إ.ب.أ)
رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع خلال متابعة جهود تعويم السفينة الجانحة (إ.ب.أ)
TT

العالم يراقب «تسليك» شريان تجارته

رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع خلال متابعة جهود تعويم السفينة الجانحة (إ.ب.أ)
رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع خلال متابعة جهود تعويم السفينة الجانحة (إ.ب.أ)

يتابع العالم بترقب الجهود الجارية لفك انسداد أحد أهم شرايين الملاحة الدولية في قناة السويس، جراء جنوح واحدة من أكبر سفن الشحن على مستوى العالم، والتي يراها بعض المراقبين أكبر كارثة تحل بسفينة حاويات دون أن يمسها سوء... ووسط الاهتمام الدولي، يبرز ثقة كثير من المراقبين بجهود وتحركات هيئة قناة السويس لفك الأزمة، لكن تبقى التساؤلات العالقة حول مدة الإجراءات، ومدى تأثيرها على الإمدادات العالمية.
وعلقت مصادر على صلة بالأمر في قناة السويس باقتضاب لـ«الشرق الأوسط»، طالبة عدم تعريفها، أن «العمليات جارية، وهناك مشاركات واسعة من أطراف عالمية كبرى نظرا لأهمية القناة»، مشيرة إلى أن «هناك ثقة كبرى في هيئة القناة بالقدرة على التعامل مع الأزمة غير المسبوقة».
وقالت هيئة القناة الخميس في بيان إنها أوقفت حركة الملاحة في القناة «مؤقتا»، بينما تستمر لليوم الثالث جهود تعويم السفينة الجانحة. وتعمل ثمانية زوارق قطر على تعديل وضعها بعد أن علقت عرضيا في الجزء الجنوبي الذي يسمح بالمرور في اتجاه واحد بالقناة صباح يوم الثلاثاء بسبب رياح قوية وعاصفة ترابية.
وتسببت سفينة حاويات عملاقة جانحة في وقف حركة الملاحة في قناة السويس الأمر الذي كان له تداعياته على التجارة العالمية يوم الخميس إذ منع المسؤولون السفن من دخول المجرى المائي وتوقعت شركة إنقاذ أن يستغرق تحرير السفينة أسابيع.
وتعوق السفينة إيفر جيفن، الآن حركة الملاحة في كلا الاتجاهين في القناة التي تربط بين آسيا وأوروبا وتعد من أكثر ممرات شحن السلع والنفط والحبوب والمنتجات الأخرى ازدحاما في العالم.
واعتذرت شركة شوي كيسن اليابانية التي تملك سفينة الحاويات العالقة في القناة الخميس، وقالت إنها تعمل على حل الموقف. وأضافت الشركة أن عملية تحريك السفينة «بالغة الصعوبة» وتابعت أنه لم يتضح بعد متى يمكن تعويم السفينة.
وقالت مصادر في القطاع إن شركة شوي كيسن وشركات التأمين على السفينة، وهي إحدى أكبر سفن الحاويات في العالم التي تعلق في قناة السويس، تواجه مطالبات بتعويضات تبلغ ملايين الدولارات حتى إذا جرى تعويم السفينة سريعا.
وقالت هيئة قناة السويس في بيان إن جنوح السفينة «يعود بشكل أساسي إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظرا لمرور البلاد بعاصفة ترابية... مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها».
وذكر بيتر بيردوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة بوسكاليس الهولندية التي تحاول تعويم السفينة، أن من السابق لأوانه تحديد المدة التي قد تستغرقها المهمة. وقال بيردوفسكي لبرنامج يبثه التلفزيون الهولندي: «لا يمكننا استبعاد أن تستغرق المسألة أسابيع، حسب الوضع».
ويعقد حجم السفينة الضخم عمليات تعويمها كما قال جان ماري ميوسيك، الأستاذ في جامعة بول فاليري في مونبلييه (جنوب شرقي فرنسا) الاختصاصي في النقل البحري. وأضاف: «لهذه السفن غاطس كبير، خصوصا أنها كانت محملة بكامل طاقاتها. تحت العارضة يكون مستوى الماء ضئيلاً»، مؤكدا أن على السلطات أن تأخذ الوقت الضروري «للتحرك بشكل جيد».
وتابع «يجب الحرص أيضا على عدم إلحاق الضرر ببنية السفينة في المناورات لتعويمها وتوزيع الجهود بعناية على طول هيكلها». وأكد أن «خبرات الخدمات التقنية لهيئة القناة عالية» للقيام بعمليات كهذه.
ويتوقع أن يبطئ الحادث النقل البحري مدة أيام إلا أن التبعات الاقتصادية ستبقى محدودة مبدئيا في حال لم يطل الوضع، على ما أفاد خبراء. وذكر بيورنار تونهوغن من مكتب «رايستاد» أن التبعات على الأسعار ستكون رهن فترة التعطيل، موضحا لوكالة الصحافة الفرنسية أنه «يرجح أن تكون الآثار ضعيفة ومؤقتة». وأضاف «أما إذا استمر التعطيل لأيام قد يكون لذلك آثار أكبر على الأسعار ولفترة أطول».
وقال رانجيث راجا، المسؤول عن الأبحاث النفطية في شركة ريفينيتيف الأميركية للبيانات المالية: «لم نشهد مثيلا لهذا من قبل، لكن من المحتمل أن يستغرق الازدحام عدة أيام أو أسابيع حتى يخف، حيث سيمتد تأثيرها على الشحنات الأخرى والجداول الزمنية والأسواق العالمية...» لكن الأوضاع الاقتصادية الحالية على خلفية الأزمة الصحية والقيود التي تعيق الانتعاش، لن تساهم في ارتفاع الأسعار حاليا.
وتتجمع عند طرفي القناة عشرات السفن، ومنها سفن حاويات كبيرة أخرى وناقلات نفط وغاز وسفن لنقل الحبوب، مما خلق واحدا من أسوأ اختناقات حركة الشحن في سنوات.
وكانت هيئة قناة السويس قد سمحت لبعض السفن بدخول القناة على أمل تحرير السفينة، لكنها أوقفت الآن حركة الملاحة كليا بشكل مؤقت الخميس. وقالت الهيئة في بيان: «تتم عمليات الإنقاذ الحالية من خلال إدارة التحركات بالهيئة وبواسطة 8 قاطرات أبرزها القاطرة بركة 1 بقوة شد 160 طنا، حيث يتم الدفع من جانبي السفينة وتخفيف حمولة مياه الاتزان لتعويم السفينة واستئناف حركة الملاحة بالقناة».
وأضافت الهيئة «حركة الملاحة بالقناة شهدت الأربعاء، عبور 13 سفينة من بورسعيد ضمن قافلة الشمال كان من المستهدف إكمال مسيرتها في القناة... إلا أنه مع تواصل أعمال تعويم السفينة كان لا بد من التحرك وفق السيناريو البديل بالانتظار بمنطقة البحيرات الكبرى لحين استئناف حركة الملاحة بشكل كامل بعد تعويم السفينة بمشيئة الله».
وقال بيردوفسكي إنه تم رفع مقدمة السفينة ومؤخرتها على جانبي القناة. ومضى قائلا: «الأمر يشبه جنوح حوت ضخم على الشاطئ. إنه وزن هائل على الرمال. قد نضطر إلى الجمع (في مهمتنا) بين تقليل الوزن عن طريق نقل الحاويات والزيت والمياه من السفينة بالإضافة إلى زوارق القطر وجرف الرمال».
ويمر نحو 30 في المائة من حركة نقل الحاويات في العالم يوميا عبر قناة السويس البالغ طولها 193 كيلومترا، ونحو 12 في المائة من إجمالي التجارة العالمية لجميع السلع.
ويقول خبراء شحن إنه إذا لم يحل الاختناق في حركة الملاحة بالقناة خلال 24 إلى 48 ساعة، فقد تضطر بعض شركات الشحن إلى تحويل مسار سفنها لتسلك طريق رأس الرجاء الصالح حول جنوب قارة أفريقيا، وهو ما يطيل مدة الرحلة أسبوعا تقريبا.
وقالت شركة الاستشارات وود ماكينزي إن الأثر الأكبر يقع على حركة شحن الحاويات، لكن هناك أيضا 16 ناقلة تحمل النفط الخام والمنتجات البترولية من المقرر أن تمر عبر القناة وتعطلت بسبب الحادث. وقالت الشركة إن حمولة هذه الناقلات تبلغ 870 ألف طن من الخام و670 ألف طن منتجات النفط مثل البنزين والنافتا والديزل.
ووفقا لشركة فورتيكسا للتحليلات، فإن روسيا والسعودية هما أكبر دولتين تصدران النفط عبر القناة، بينما تعد الهند والصين أكبر المستوردين من هذا المسار.
وقالت شركة برنارد شولت شيب مانجمنت (بي إس إم)، التي تتولى الإدارة الفنية للسفينة إيفر جيفن، إن جرافات تعمل على إزالة الرمال والطين من حول السفينة لتعويمها بينما تعمل زوارق القطر مع الرافعات الموجودة على السفينة لتحريكها.


مقالات ذات صلة

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

شمال افريقيا مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

تنعكس أي زيادة في سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري بصورة مباشرة على زيادة أسعار السلع والخدمات، في ظل اعتماد مصر على مواد مستورَدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد عمليات تطوير وإنشاء مبانٍ حديثة بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

القطاع الخاص المصري يواصل الانكماش رغم ارتفاعه في أكتوبر

واصل أداء القطاع الخاص غير النفطي في مصر تراجعه في أكتوبر، وذلك في وقت تسببت ضغوط التكلفة المرتفعة في كبح أحجام الطلبيات الجديدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا والوفد المرافق (رئاسة الجمهورية)

مصر: المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد تبدأ الثلاثاء

قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، اليوم (الأحد)، إن المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولي مع البلاد ستبدأ يوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد (أرشيفية - رويترز)

السيسي يدعو مديرة صندوق النقد إلى «مراعاة التحديات»

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تطلع بلاده لاستكمال التعاون مع صندوق النقد الدولي، والبناء على ما تَحقَّق «بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

«فيتش» ترفع تصنيف مصر إلى «بي» لأول مرة منذ 5 سنوات

رفعت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، للمرة الأولى منذ مارس (آذار) عام 2019، تصنيف الديون طويلة الأجل لمصر بدرجة واحدة من «B -» إلى«B»، مشيدة بعدد من التحسينات.


الأسواق تتفاعل بقوة مع فوز ترمب... الأسهم والسندات والبتكوين تسجل ارتفاعات قوية

مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب يصل لإلقاء كلمة خلال حدث ليلة الانتخابات بمركز مؤتمرات بالم بيتش (أ.ف.ب)
مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب يصل لإلقاء كلمة خلال حدث ليلة الانتخابات بمركز مؤتمرات بالم بيتش (أ.ف.ب)
TT

الأسواق تتفاعل بقوة مع فوز ترمب... الأسهم والسندات والبتكوين تسجل ارتفاعات قوية

مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب يصل لإلقاء كلمة خلال حدث ليلة الانتخابات بمركز مؤتمرات بالم بيتش (أ.ف.ب)
مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة دونالد ترمب يصل لإلقاء كلمة خلال حدث ليلة الانتخابات بمركز مؤتمرات بالم بيتش (أ.ف.ب)

شهدت الأسواق العالمية، الأربعاء، ردود فعل متسارعة، عقب فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، مما أضاف مزيداً من الزخم وعدم اليقين إلى المشهد الاقتصادي الدولي. وتتسارع الأسواق المالية؛ من الأسهم والسندات، إلى العملات والسلع، في الاستجابة لعودة ترمب إلى البيت الأبيض، وسط توقعات بإجراءات سياسية جديدة قد تُحدث تحولات كبرى في سياسات التجارة، والتعاملات الاقتصادية مع الحلفاء والمنافسين الدوليين. وفي ظل هذا التغير، بات المستثمرون يسعون لتحليل مواقف الإدارة الجديدة بشأن السياسات النقدية والضريبية، إضافةً إلى احتمالات فرض رسوم جمركية جديدة، أو تعزيز الحماية التجارية، مما قد يؤثر بعمق على سلاسل التوريد العالمية، ويدفع الشركات نحو إعادة تقييم استراتيجياتها.

وارتفعت أسعار الأسهم وعوائد السندات، في وقتٍ كان فيه الحزب الجمهوري يحقق انتصارات كبيرة في انتخابات الكونغرس. وارتفعت العقود الآجلة لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 1.7 في المائة، وزاد مؤشر «داو جونز» الصناعي بنسبة 1.8 في المائة، بينما سجل مؤشر «ناسداك المركب» ارتفاعاً بنسبة 1.8 في المائة. كما شهدت عملة البتكوين قفزة بنسبة 7.7 في المائة لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 75.345 دولار، حيث راهن المستثمرون على فوز ترمب، الذي تعهّد بدعم العملات المشفرة. في الوقت نفسه، ارتفعت عوائد سندات الخزانة، حيث وصل العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.4 في المائة، من 4.28 في المائة يوم الثلاثاء.

من جانب آخر، سجلت أسواق الأسهم الآسيوية تداولات متباينة. فبينما ارتفع مؤشر «نيكاي 225» الياباني بنسبة 2.6 في المائة إلى 39.480.67 نقطة، انخفض مؤشر «هانغ سنغ» في هونغ كونغ بنسبة 2.6 في المائة ليغلق عند 20.475.39 نقطة، بعد موجة صعود دامت ثلاثة أيام. وفي الصين، ارتفع مؤشر «شنغهاي المركب» بنسبة 0.1 في المائة إلى 3.388.70 نقطة.