«الناتو» يفعّل «الدفاع المشترك» ويتعهد التصدي لـ«عدوانية» روسيا والصين

أنعش وزراء الخارجية للدول الـ30 الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، الناتو، المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية للتحالف، مجددين التزامهم الدفاع عن بعضهم البعض ضد أي هجوم خارجي، ومشددين على قوة الروابط بين أميركا الشمالية وأوروبا بعد فترة سادها التشكيك والقلق خلال السنوات الأربع من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وسط جهود لتنسيق الرد على السلوك «العدواني» لكل من الصين وروسيا.
وخلال الاجتماعات التي عقدت في بروكسل بمشاركة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، قال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ: «نحن نفتح الآن فصلاً جديداً في علاقتنا عبر الأطلسي». وأصدر الوزراء بياناً رسمياً مشتركاً بدا وكأنه يطوي صفحة التوتر في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، قالوا فيه: «نجتمع في بروكسل لإعادة التأكيد على الروابط الدائمة عبر المحيط الأطلسي بين أوروبا وأميركا الشمالية، وفي صلبها حلف الناتو»، مشددين على التزامهم المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية للحلف التي تعتبر أن أي هجوم على أحد الأعضاء يعد هجوماً ضد كل أعضاء الحلف. وجرى تفعيل هذه المادة مرة واحدة فقط بعد هجمات 11سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة. وتعهدوا بأن يواصل الناتو التكيف في مواجهة «التهديدات المتزايدة والمنافسة المنهجية» في ضوء «الإجراءات العدوانية لروسيا التي تشكل تهديداً للأمن الأوروبي الأطلسي».
وكان بلينكن أكد أن الولايات المتحدة، وهي العضو الأكبر والأكثر نفوذاً في الحلف «مصممة على تنشيط تحالفاتنا، وتنشيط شراكاتنا، بدءاً بالناتو». وقال: «عندما ننظر فعلياً إلى كل التحديات التي نواجهها كدولة والتي ستؤثر في الواقع على حياة مواطنينا، فلا يمكن التعامل مع أي منها بشكل فعال من قبل أي دولة تعمل بمفردها، حتى الولايات المتحدة بكل الموارد التي لدينا».
في السياق ذاته، تكثفت المشاورات بين المشاركين لتنسيق الرد على السلوك «العدواني والقمعي» من الصين. وقال بلينكن إنه يريد العمل مع شركاء الولايات المتحدة حول «كيفية تعزيز مصالحنا الاقتصادية المشتركة ومواجهة بعض الإجراءات العدوانية والقمعية للصين، فضلاً عن إخفاقاتها، على الأقل في الماضي، في الوفاء بالتزاماتها الدولية». وأضاف أنه «عندما نتصرف سويّة، نكون أقوى بكثير وأكثر فاعلية بكثير مما لو كان أي فرد منا يفعل ذلك بمفرده»، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تمثل حوالي 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولكن ما يصل إلى 60 في المائة مع حلفائها في أوروبا وآسيا، ولذلك «من الصعب على بكين تجاهل ذلك».
وقال ستولتنبرغ إن التحالف العسكري «لا يعتبر الصين خصماً، لكن بالطبع صعود الصين له عواقب مباشرة على أمننا»، مشيراً إلى حجم الاقتصاد الصيني واستثماراتها الضخمة في المعدات العسكرية، بما في ذلك الصواريخ ذات القدرة النووية. وأكد أن الأهم يكمن «في الطريقة التي يتعاملون بها مع الاحتجاجات الديمقراطية في هونغ كونغ، وكيف يقومون بقمع الأقليات في بلادهم، الأويغور، وكيف يحاولون فعلياً تقويض النظام الدولي القائم على القواعد».
ولدى سؤاله عن تركيا العضو في الحلف، أقر ستولتنبرغ بوجود خلافات بين الحلفاء في شأن قرار أنقرة شراء صواريخ روسية مضادة للطائرات أو سلوكها العدواني في شرق البحر الأبيض المتوسط، ولا سيما المواجهة مع اليونان وقبرص حول التنقيب عن مصادر الطاقة في هذه المنطقة. وكذلك أفاد بلينكن بأنه على رغم خلافات الولايات المتحدة مع تركيا، فلا تزال «حليفاً قديماً وقيماً» في حلف شمال الأطلسي، الناتو. وعلى أثر اجتماعه مع نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو، كرر بلينكن أنه «ليس سراً أن لدينا خلافات مع تركيا، بما في ذلك سلوك تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط»، ولكن في الوقت ذاته «ليس سراً أيضاً أن تركيا حليف طويل الأمد وقيِم»، مضيفاً أن «لدينا مصلحة قوية في الحفاظ على ارتباطنا بحلف الناتو». وإذ أشار إلى أن ذلك «يصب أيضاً في مصلحة تركيا»، رأى أن «الناتو أظهر أخيراً فعاليته في التعامل مع بعض مجالات الخلاف، وبخاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يعمل كوسيلة لفك النزاع ولخفض التصعيد ولإيجاد طريق للمضي إلى الأمام»، معتبراً أن «هذا مثال إيجابي للغاية (...) علينا أن نحافظ عليه». وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس في بيان أنه خلال اجتماعهما في بروكسل ناقش بلينكن وتشاويش أوغلو «الأهمية البعيدة للتعاون الأمني بين الولايات المتحدة وتركيا»، مشيراً إلى «مصالحنا المشتركة في سوريا وأفغانستان».
وعبر الوزير الأميركي عن «دعمه للمحادثات الاستكشافية الجارية بين حليفي الناتو تركيا واليونان»، داعياً أنقرة إلى «عدم الاحتفاظ بنظام الدفاع الجوي الروسي أس 400». وكذلك عبر بلينكن عن «قلقه» من انسحاب تركيا من اتفاق إسطنبول لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، مشدداً على «أهمية المؤسسات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان».