معرض القاهرة للكتاب يجتاز حواجز الأمن والطقس.. ويقف أمام «الأسعار»

«عم أمين» نجم المعرض.. والقعيد: اهتمامات الناس تغيرت

معرض القاهرة للكتاب يجتاز حواجز الأمن والطقس.. ويقف أمام «الأسعار»
TT

معرض القاهرة للكتاب يجتاز حواجز الأمن والطقس.. ويقف أمام «الأسعار»

معرض القاهرة للكتاب يجتاز حواجز الأمن والطقس.. ويقف أمام «الأسعار»

قبل ساعات من إسدال الستار على فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب لهذا العام، أبرز الروائي المصري يوسف القعيد ملاحظاته ومشاهدته لهذه الدورة الـ46 من تاريخ المعرض، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تعتبر هذه الدورة أفضل دورة لمعرض الكتاب منذ زمن بعيد، على الرغم من تعثر المعرض منذ عام 2011 وعدم إقامته في موعده أو تأجيله لأجل غير مسمى للأسباب التي يعرفها الجميع من تغيرات في الأوضاع السياسية والأمنية في مصر.. إلا أن الطوابير الكثيفة التي وقفت أمام بوابات أرض المعارض هذا العام، تعد رسالة واضحة وصريحة للعالم أجمع بأن المصريين ضد الإرهاب ويقدسون الحياة بكل مآسيها وتقلباتها».
وعن الملابسات الخارجية التي أثرت بشكل ما على معرض الكتاب، يقول القعيد: «إن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثرت بشكل مباشر على الوجود الجماهيري لفعاليات المعرض، لأنه كان من متطلبات الأجهزة الأمنية تأمين مداخل ومخارج مختلف الطرق العامة في محيط الزيارة الرئاسية. وكذلك التقلبات الجوية التي ضربت القاهرة خلال أيام المعرض الأخيرة، وتلك العواصف الترابية التي حبست المصريين في بيوتهم خوفا من الخروج فيها. وتبقى تلك الملابسات - رغم تأثيرها على الإقبال والوجود - إلا إننا لا نستطيع أن نقف أمامها أو ضدها».
وعن المميز في المعرض هذا العام يقول القعيد: «أعجبت بشدة بخدمة (عم أمين) التي صممها مجموعة من شباب المطورين والمبرمجين كتطبيق جديد للهواتف الذكية، ليكون همزة وصل بين المنظمين والناشرين والقراء، فالزائر يستطيع من خلالها معرفة الخريطة الداخلية لأماكن الناشرين ودور العرض والمقهى الثقافي والندوات والأنشطة الثقافية والفنية الأخرى التي تقام على هامش المعرض. وكذلك يستطيع أن يعرف الكتاب الذي يريده في أي مكان، وهل تتوافر منه نسخ وكم سعره، وهذه جميعها أسئلة كانت تضع الزائرين في حيرة من أمرهم قبل توافر الخدمة والتطبيق».
ويوضح القعيد أن من بين المميزات كذلك دور النشر والمكتبات المهتمة فقط بالتسويق والتوزيع، مثل مكتبة تنمية والشركة العربية للمعلومات على سبيل المثال، فنسبة كبيرة من الكتاب يغفلون فكرة التوزيع ويقف دورهم عند نهاية العمل فقط. وتابع: «أتمنى أن يتطور الأمر وأن تتوافر خدمات أخرى إلكترونية للشراء والتوصيل وإضافة الخدمات المتطورة التي نشاهدها في البلدان الأخرى مثل الأتوبيسات العامة التي توفر خدمة القراءة والكتب بداخلها».
لكن الأديب المصري يأخذ على المعرض هذا العام الأسعار المبالغ فيها من قبل دور النشر، راجيا أن يطبع كل ناشر سعر كتابه على الغلاف، حتى يعرف القارئ نسبة التخفيض التي حصل عليها حقيقة فعلا أم لا.
أما عن أكثر ما لفت نظره في المعرض هذا العام، فكان فكرة أن حضور الندوات تأثرت بشكل بالغ، قائلا: «وهذا يجعلنا نٌعيد نحن أبناء جيلي من الروائيين والكتاب والشعراء النظر نحن الكتاب في المكلمات التي نطرحها على الناس، وبينما نقدمه لهم، لأني أشعر أن اهتمامات الناس تغيرات فيما مضى، ولم يعد لديهم صبر وطاقة للجلوس بالساعات يناقشون تفاصيل رواية أو مغزى شاعر من بيت كتبه!».
ومن جهة أخرى، يرى القعيد أن سور الأزبكية (الذي يضم باعة الكتب القديمة)، ما زال الأكثر شهرة وإقبالا في كل المعارض. بل إنه يزداد إقبالا سنة بعد سنة. ويقول: «كثيرا ما أثار سور الأزبكية اندهاشي، فهل نحن أمة حضارة متأخرة؛ أي إننا نقدس الماضي أكثر من المستقبل، أم إننا نبحث دائما عن الأصل والجذور.. هل الإقبال هنا لرخص الأسعار أم لندرة الكتب والمجلدات؟ هل الماضي هو الجنة المفقودة للمصريين؟».
وعن ظاهرة انتشار الكُتاب الجدد، الذين ينشرون أعمالهم لأول مرة في المعرض، فيجد القعيد الأمر له وجهان. الوجه الإيجابي أن هذا حراك جيد ورائع، ودفعة قوية إلى انعطافة جديدة في المحتوى الثقافي في مصر، ويضيف: «لكن أكثر ما أثار غضبي، أني كلما سألت كاتبا جديدا عن ظروف نشره لأعماله يقول إنه دفع مبلغا ماليا ما لدار النشر حتى يصدر كتابه! وهذا أمر أراه يقلل من قيمة المؤلف وجودة النشر».
أما الوجه السلبي، فهو بحسب القعيد: «دوافع بعض الهواة فقيري الموهبة إلى إصدار كتب لا أعرف كيف تصنف، ونجد لها جمهورا غفيرا من المراهقين والشباب.. وهذا يجعلنا نتأمل في المشهد قليلا، بأن جغرافيا الاهتمامات الثقافية تغيرت في مصر بالفعل، ربما لأن هؤلاء ليس لديهم انشغال بالهموم المجتمعية من حولهم».



مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
TT

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)

«زهوري اليانعة في داخل خميلة»... كلمات للشاعر الجاغريو، وهي نفسها الكلمات التي اختارها الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر، لوصف السنوات التي قضاها في مصر، والأعمال الإبداعية التي قدّمها خلالها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار».

تنقل المر خلال 15 عاماً قضاها في مصر ما بين حواري الحسين، ومقاهي وسط البلد، وحارات السبتية، ودروب الأحياء العتيقة، متأثراً بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي المولوية، وبائعي التحف، ونجوم السينما والمسرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها المعرض سرداً بصرياً يعبّر عن ولعه بالبلد الذي احتضنه منذ توجهه إليه.

لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول المر لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال هذا المعرض هي تعبير صادق عن امتناني وشكري البالغين لمصر، ويوضح: «جاءت فكرة المعرض عندما وقعت عقد تعاون مع إحدى الغاليريهات المعروفة في الولايات المتحدة، وبموجب هذا العقد لن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخرى، ومنها مصر التي عشت فيها أجمل السنوات، أردت قبل بدء الموعد الرسمي لتفعيل هذا الاتفاق أن أقول لها شكراً وأعبّر عن تقديري لأصحاب صالات العرض الذين فتحوا أبوابهم لأعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، والمبدعين الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى للأشخاص العاديين الذين التقيت بهم مصادفة».

اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق الأوسط)

استلهم الفنان 25 لوحة بخامة ألوان الأكريلك والأعمال الورقية من مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كارد» المصرية القديمة، التي تعكس بدورها روعة الحياة المصرية اليومية، ودفء المشاعر والترابط المجتمعي فيها وفق المر: «لدي نحو 5 آلاف صورة مصرية، جمعتها من (الاستوديوهات) وتجار الروبابكيا، ومتاجر الأنتيكات، ومنا استلهمت لوحاتي».

ويضيف: «مصر غنية جداً باستوديوهات التصوير منذ عشرات السنين، ولديها قدراً ضخماً من الصور النادرة المُلهمة، التي تحكي الكثير عن تاريخها الاجتماعي».

الفنان صلاح المر (الشرق الأوسط)

يستطيع زائر المعرض أن يتعرف على الصور الأصلية التي ألهمت الفنان في أعماله؛ حيث حرص المر على أن يضع بجوار اللوحات داخل القاعة الصور المرتبطة بها، ولكن لن يعثر المتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «لا أقدم نسخة منها ولا أحاكيها، إنما أرسم الحالة التي تضعني فيها الصورة، مجسداً انفعالي بها، وتأثري بها، عبر أسلوبي الخاص».

لوحة مأخوذة عن صورة لطفل مصري مع لعبة الحصان (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الأعمال كجزء من مشروع فني كبير بدأه الفنان منذ سنوات طويلة، وهو المزج ما بين التجريد التصويري والموضوعات ذات الطابع العائلي، مع الاحتفاء بالجماليات الهندسية، والرموز التراثية، والاستلهام من الصور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثراً بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه.

يقول: «بدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حين عثرت ذات يوم على كنز من الصور في مجموعة صناديق كانت تحتفظ به الأسرة في مخزن داخل المنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها».

لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق الأوسط)

هذا «الكنز» الذي عثر عليه المر شكّل جزءاً مهماً من ذاكرته البصرية ومؤثراً وملهماً حقيقياً في أعماله، والمدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي لأول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بالسودان، وأن يبرز دور والده في مشواره الفني عبر هذا المعرض؛ حيث يحتضن جدران الغاليري مجسماً ضخماً لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الذي افتتحه والده في الستينات من القرن الماضي.

لوحة تعكس تفاصيل مصرية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقنع والدي جدي، بإنشاء استوديو تصوير بمحل الحلاقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز الاستوديو مع غرفة مظلمة من الخشب للتحميض، وذلك في الجزء الخلفي من الدكان».

وجوه مصرية (الشرق الأوسط)

وداخل المجسم تدفع المقتنيات الخاصة المتلقي للتفاعل مع ذكريات المر، والمؤثر الفني الذي شكل أعماله؛ ما يجعله أكثر تواصلاً، وتأثراً بلوحات المعرض؛ فالمتلقي هنا يستكشف تفاصيل تجربة الوالد في التصوير، بل يمكنه التقاط صور لنفسه داخل محله القديم!

وأثناء ذلك أيضاً يتعرف على جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث المعدات، وهي عبارة عن الكاميرا YASHIKA التي تستخدم أفلام مقاس 621 وEnlarger والستارة التي تعمل كخلفية وأدوات أخرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «استمر العمل لمدة سنة تقريباً، وأغلق الاستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة».

مجسم لاستوديو والد الفنان في الغاليري (الشرق الأوسط)

«احتفالية القرد والحمار» هو اسم «بوستال كارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبابكيا، ويجسد مشهداً كان موجوداً في الشارع المصري قديماً؛ حيث يقدم أحد الفنانين البسطاء عرضاً احتفالياً بطلاه هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا الملصق؛ وجعلت اسمه عنواناً لمعرضي؛ لأنه يجمع ما بين ملامح الجمال الخفي في مصر ما بين الفن الفطري، والسعادة لأكثر الأسباب بساطة، وصخب المدن التي لا تنام».