هناء عبد السلام لـ («الشرق الأوسط»): العالمية سبيلي للأعمال الخيرية

التونسية التي ردت الاعتبار للعارضات العربيات

في عرض ستيفان رولان
في عرض ستيفان رولان
TT

هناء عبد السلام لـ («الشرق الأوسط»): العالمية سبيلي للأعمال الخيرية

في عرض ستيفان رولان
في عرض ستيفان رولان

«كنت في حالة غريبة لا أصدق فيها ما يجري.. شعرت بأنني في حلم قد أفيق منه في أي لحظة. كانت دقات قلبي تتسارع وأنا أرى الأضواء تنبعث من كشافات ضخمة معلقة على السقف، مسلطة الضوء على ديكور فخم وصفوف من المقاعد مصطفة بشكل دائري. لحسن حظي أن الأمر لم يكن حلما، بل واقعا انتظرته لسنوات». بهذا استهلت العارضة التونسية الأصل هناء بن عبد السلام حديثها مع «الشرق الأوسط» وهي تتحدث عن بدايتها في عالم الموضة وطموحاتها، وكيف تنوي توظيف شهرتها في أعمال خيرية هادفة في مسقط رأسها تونس على أن تتوسع إلى العالم. كان العرض الذي تتحدث عنه لـ«شانيل - هوت كوتير». قبله كانت هناك محاولات كثيرة لاختراق مجال ظل مغلقا بالأقفال أمام وجه العارضات العربيات خصوصا. تؤكد هناء أن قبل ذلك العرض، لم يكن الطريق مفروشا بالورود، إذ تعرضت لعدة إحباطات، وقوبلت الكثير من محاولاتها بالرفض في السابق؛ فالمنافسة كانت شرسة، والغلبة دائما للأقوى والأجمل. لكن بمجرد أن مشت في عرض «شانيل» بخيلاء ورأسها مرفوع، تغير الوضع. تقول: «كنت وأنا أمشي على المنصة، أطمئن نفسي بأنني سيدة شانيل، وبأن الكل ينظر إليَّ بإعجاب، حتى أستطيع أن أكتسب الثقة وأقوم بدوري على أحسن وجه».
تستغرب هناك كيف أن سنوات من طرق الأبواب والبحث عن فرصة، لم تكن تحتاج سوى لبضع دقائق لكي يتغير الوضع تماما «أصبحت بين ليلة وضحاها نجمة يتبعني الباباراتزي، وينتظرونني على ناصية الشوارع على أمل التقاط صورة لي وهم ينادون باسمي». كان الأمر غريبا بالنسبة لها في البداية، لكنها سرعان ما تعلمت اللعبة. تعلمت مثلا كيف تبتسم وتتوقف عن السير لمسايرتهم ومنحهم فرصة لالتقاط صورة قد تجد لها مكانا في مجلة براقة، وباتت تعرف كيف تجيب عن أسئلتهم حول ماركة الحذاء الذي تلبسه أو حقيبة اليد التي تحملها بكل أريحية.
تعود هناء بذاكرتها إلى الوراء لتقول إن حلمها بأن تصبح عارضة أزياء، أو نجمة معروفة، قديم جدا، عندما كان عمرها لا يتعدى 5 سنوات، وكانت تمشي على أصابع أقدامها حتى تبدو أطول. كانت تشعر دائما بأنها مختلفة عن نظيراتها، في المدينة الساحلية، نابل، حيث ولدت وترعرعت. لم تكن مثلهن تميل إلى اللعب والركض، وكانت تهتم بمظهرها أكثر منهن، وعندما التحق أخوها الأكبر بمعهد الفنون والتمثيل والموسيقى، فتحت عينيها على عالم آخر وأعجبها ما يقوم به. أخوها بدوره انتبه إلى ميولها وشجعها أن تكتشف عالم الفنون واستعماله كوسيلة للتعبير عن نفسها. والطريف أنه عندما أتيحت لها فرصة للتعبير عن نفسها والكشف عما تميل إليه، اكتشفت أن حبها للموضة أقوى من كل الفنون. تشرح: «لم تكن المدينة الساحلية معروفة بالموضة، لكن كانت بعض الجارات بين الفينة والأخرى يجلبن مجلات من أوروبا. ما إن أعرف بالأمر حتى أدق على أبوابهن وأطلب أن ألقي نظرة على هذه المجلات وأنا مبهورة. وعندما تم إطلاق قناة فرنسية في تونس، كنت أجلس متسمرة أمام الشاشة كلما عرض برنامج عن الموضة. كان هناك سؤال يدور بخلدي دائما هو: «لماذا ليست هناك عارضات أزياء عربيات بمستوى عالمي، ولماذا تكتسح الغربيات الساحة؟». من هنا زرعت البذرة في وجدانها هناك بأن تكون من الرائدات في هذا المجال في الوطن العربي.
وبما أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فإن الخطوة الأولى بالنسبة لها كانت المشاركة في برنامج واقع لبناني عن عرض الأزياء، فازت فيه بالمرتبة الثانية. لكن ما إن انتهى البرنامج، حتى عادت إلى تونس لدراسة الهندسة والحصول على شهادة مضمونة، كما يتوقع منها المجتمع والأسرة، لا سيما أنه لم تكن أمامها فرصة لدراسة الأزياء، لأنه لم يكن يُنظر إلى العاملين في هذا المجال في الوطن العربي بالنظرة نفسها التي ينظر إليها بها في الغرب.
ورغم أن عرض «شانيل» لـ«هوت كوتير» في عام 2009، كان نقلة مهمة في مسيرتها المهنية، فإنه لم يكن نقطة التحول، فهذه حصلت بالصدفة إثر لقائها بسيدة أعمال سعودية، اقتنعت بها وبإمكاناتها، فساعدتها على تحقيق حلمها القديم. وبالفعل حصلت على عدة عقود، أشهرها عقدها مع شركة «لانكوم»، كما شاركت في عدة عروض أثارت إليها الانتباه؛ تقول: «كانت هناك الكثير من المطبات والتحديات، لكن بالصبر والمثابرة حققت جزءا من أحلامي. ويمكنني القول إنني فخورة الآن لأني شاركت في عروض مهمة في كل عواصم الموضة العالمية، أذكر منها عروض فيفيان ويستوود، جون بول غوتييه، أوسكار دي لارونتا، جيفنشي، توم فورد، جيامباتيستا فالي، ستيفان رولان، هيرميس، هاكان، رالف لورين، راف أند روسو، وغيرهم. عملت أيضا مع أشهر المصورين في هذا الميدان، وتصدرت صوري أغلفة مجلات مهمة، منها مجلة (فوغ)، التي ظهرت في 15 غلافا من أغلفتها العالمية المختلفة».
كلما تعمق الحديث مع هناك، تكتشف أن جمالها لا يكمن في وجهها أو في مقاييس جسمها المثالية، بل في ثقافتها وشخصيتها، وفي كونها لا تأخذ نفسها بجدية على أنها نجمة حققت كل شيء ترغب فيه في حياتها؛ فهي لا تزال تحلم، وتعمل إلى حد كبير، بأن توظف شهرتها لصالح أعمال خيرية في العالم العربي خصوصا؛ فكونها نموذجا تحتذي به الفتيات الصغيرات، وتحت الأضواء، يساعدانها على تسليط بعض من هذا الضوء على قضايا اجتماعية. «صحيح أني كونت صورة عالمية وبات كثير من الناس يعرفونني، لا سيما في أوساط الموضة، لكن المهم بالنسبة لي حاليا هو أن أستغل هذه الشهرة لمساعدة الغير. وبالفعل، بدأت العمل مع منظمات في تونس تتعلق بالصحة وإعطاء فرص لتطوير الشباب لكي يحسنوا أوضاعهم واكتشاف قدراتهم، على أمل أن أتوسع فيما بعد إلى أماكن أخرى من العالم». وتتابع: «أذكر نفسي دائما بأني محظوظة، لأني حصلت على فرصتي في الحياة، وحققت حلمي، لهذا أتمنى أن أساهم في تحقيق أحلام غيري ومنحهم فرصا يتوقون إليها ولا يعرفون كيف يصلون إليها».
لن تتوقف هناء عن ممارسة عرض الأزياء، فقد وصلت إلى مرحلة لا يمكن أن تفرط فيها، لكنها لا تريد أن تنسى أن الحياة أكبر وأوسع من خشبة مسرح تُختزل فيها أعمال مبدعين يعملون وراء الكواليس ومصففي شعر وفناني ماكياج في 10 دقائق. فهي كما تؤكد لا تريد أن تنسى «الأهم في الحياة، ألا وهو حب الأسرة والوطن. سمعت كثيرا من يقول لي إن الأحلام عموما يجب أن تكون كبيرة، وأن تصوب إليها أنظارك بكل قوتك، وأنا أقول إن أحلامي كبيرة، أنظر إليها وأمشي صوبها بثقة».



الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
TT

الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)

اهتمام الملك تشارلز الثالث بالموضة، وبكل ما يتعلق بالبيئة، أمر يعرفه الجميع منذ أن كان ولياً للعهد. لهذا لم يكن غريباً أن يستقبل في قصر سانت جيمس حديثاً مؤتمراً نظّمه «تحالف الاقتصاد الحيوي الدائري (CBA)»، ليؤكد أنه لا يزال متمسكاً بمبادئه. فالمشروع الذي نُظّم المؤتمر من أجله يستهدف تسريع التحوّل نحو اقتصاد مستدام، وتعزيز التقدّم في المشروع الإنساني.

وتُعدّ هذه دورته الثانية، التي جاءت تحت عنوان «مختبر الأزياء المتجددة في جبال الهيمالايا»، علماً بأن من يقف وراءه أسماء مهمة في عالم المال والأعمال ومجال الإبداع على حد سواء، نذكر منها جيورجيو أرماني وبرونيللو كوتشينللي.

ريكاردو ستيفانيللي مع الملك تشارلز الثالث في المؤتمر (برونيللو كوتشينللي)

المشروع ثمرة تعاون بين فرق معنيّة بالموضة، في إطار «مبادرة الأسواق المستدامة»، التي أطلقها الملك تشارلز الثالث -عندما كان ولياً للعهد- وشركة «برونيللو كوتشينللي (S.p.A)» و«تحالف الاقتصاد الحيوي الدائري». وتأسس لدعم القضايا المرتبطة بالمناخ العالمي وغيرها من المسائل الحيوية التي تُؤثّر على البشرية. وهي قضايا يشدد الملك تشارلز الثالث على أنها تحتاج إلى تكاثف كل القوى لإنجاحها.

حضر المؤتمر باحثون وعلماء وروّاد أعمال وقادة مجتمعات محلية (برونيللو كوتشينللي)

حضر المؤتمر، إلى جانب الملك البريطاني، نحو 100 مشارك، من بينهم باحثون وعلماء وروّاد أعمال، ومستثمرون، وقادة مجتمعات محلية.

كان للموضة نصيب الأسد في هذا المؤتمر، إذ شارك فيه فيديريكو ماركيتي، رئيس فرقة العمل المعنيّة بالموضة، وجوزيبي مارسوتشي، ممثل عن دار «جورجيو أرماني»، وبرونيللو كوتشينللي، الرئيس التنفيذي لشركة «برونيللو كوتشينللي». وتحدَّث هذا الأخير عن التقدّم الذي أحرزته الشركة الإيطالية حتى الآن في إطار دعم قيم الاقتصاد الدائري، وحماية البيئة، فضلاً عن تعزيز مفاهيم الأزياء والسياحة المستدامة، مستشهداً بدفعات أولية من «باشمينا»، استخدمت فيها مواد خام من مناطق واقعة في جبال الهيمالايا.

ويُعدّ مشروع الهيمالايا، الذي وُلد من رؤية مشتركة بين «برونيللو كوتشينللي» و«فيديريكو ماركيتي»، من المشروعات التي تحرص على ضمان إنتاج يُعنى برفاهية الإنسان، من دون أي تأثيرات سلبية على الطبيعة والبيئة. وحتى الآن يُحقق المشروع نتائج إيجابية مهمة، لكن دعم الملك تشارلز الثالث له يُضفي عليه زخماً لا يستهان به.