نظم الذكاء الصناعي... لكل مناحي الحياة

تتميز بالبراعة وتشبك خيوطها البرّاقة مع الإنسان

نظم الذكاء الصناعي... لكل مناحي الحياة
TT

نظم الذكاء الصناعي... لكل مناحي الحياة

نظم الذكاء الصناعي... لكل مناحي الحياة

يعيش كثير منّا اليوم مع نظم الذكاء الصناعي في المنزل، ويرجّح الباحثون أنّ التفاعل مع هذه التقنية سيطغى عليه الطابع الشخصي أكثر فأكثر.
ها أنا أستيقظ في منتصف الليل وأشعر ببرودة الجوّ. أقف في الظلام وأقول: «مرحباً غوغل، ما درجة الحرارة في المنطقة رقم 2؟»، فيجيبني صوتٌ دون جسد: «درجة الحرارة في المنطقة 2 تبلغ 52 درجة فهرنهايت» (11.1 مئوية)، فأطلبُ منه أن يضبطها على درجة 68 (20 مئوية)، وأختم حديثي معه بطلب إطفاء الأضواء.
يعيش كثير منّا اليوم في المنزل نفسه مع جهاز الذكاء الصناعي الذي يصمم بخوارزميات غير مرئية تتحكّم بأجهزتنا المتصلة بالإنترنت... من الهواتف الذكية إلى الكاميرات الأمنية والسيارات التي تدفأ مقاعدها قبل خروج سائقها من المنزل في صباح يومٍ بارد.
براعة النظم الذكية
نشهد اليوم على براعة الذكاء الصناعي، ولكنّنا لم نعِش بعد مرحلة تألّقه الحقيقي. ويشبّه الباحثون الوضع الحالي لهذه التقنية بوضع الهواتف الخلوية في التسعينات: مفيدة ولكن بسيطة وبطيئة. وتسخّر هذه التقنية أكبر نماذج التعلّم الآلي وأكثرها قوّة وتضعها في برامج خفيفة قادرة على تشغيل أصغر الأجهزة وأكثر تطوّراً كأدوات المطبخ والأجهزة القابلة للارتداء، ما يشير إلى أنّ حياتنا تتداخل تدريجياً مع خيوطٍ برّاقة من الذكاء الصناعي.
سينطبع تفاعلنا مع هذه التقنية بمزيد من السمات الشخصية. على سبيل المثال، تتّسم ربوتات المحادثة الشهيرة بـ«تشات بوت» (Chatbots) اليوم بالغباء والأداء المستفز، لكنّها ستصبح في النهاية قادرة على إجراء محادثات حقيقية وعلى تعلّم الكثير حول عاداتنا وشحصياتنا، حتّى إنها قد تطوّر شخصية خاصّة بها. ولكن لا تقلقوا لأنّ حمّى حلم سيطرة الآلات خارقة الذكاء التي شاهدناها في فيلم «2001: ملحمة الفضاء» ستبقى خيالاً علمياً لوقتٍ طويل، لأنّ الإدراك والوعي الذاتي والإرادة الحرّة في الآلات لا تزال بعيدة جداً عن القدرات العلمية المتوفرة في زمننا هذا.
الخصوصية والتشفير
وتبقى أيضاً مسألة الخصوصية لأنّ الذكاء الصناعي يتطلّب بيانات لتعلّم الأنماط واتخاذ القرارات. ولكنّ الباحثين يعملون اليوم على تطوير وسائل لاستخدام بياناتنا دون رؤيتها فيما يعرف بـ«التعلّم المركزي» أو عبر تشفيرها بطريقة لا يمكن اختراقها.
يوماً بعد يوم، ستزداد مراقبة بيوتنا وسيّاراتنا من قبل أجهزة الاستشعار العاملة بالذكاء الصناعي، لا سيما أن بعض الكاميرات الأمنية تعتمد اليوم على برامج التعرف على الوجه لتحديد هوية الزوار المألوفين ورصد الغرباء. ولكن في وقتٍ قريب، سنشهد إقامة شبكات من الكاميرات وأجهزة الاستشعار التي ستتكامل مع بعضها لإنشاء شبكة واحدة كبيرة من «الذكاء المحيط» القادر على مراقبتنا جميعاً طوال الوقت إذا رغبنا. يستطيع الذكاء المحيط التعرف على التغيرات السلوكية ومساعدة كبار السن وعائلاتهم.
ترى في في لي، أستاذة محاضرة بعلوم الكومبيوتر في جامعة ستانفورد ومديرة مساعدة لمعهد ستانفورد للذكاء الصناعي المتمحور حول البشر والذي يعد محرّكاً أساسياً في إشعال شرارة ثورة الذكاء الصناعي الحالية، أنّ «الأنظمة الذكية ستصبح قادرة على فهم أنماط النشاط اليومي لكبار السن الذين يعيشون وحدهم ورصد الأنماط الأولية للمعلومات المرتبطة بصحتهم». تؤكد لي أن معالجة مخاوف الخصوصية لا تزال بحاجة إلى كثير من الجهود، ولكن هذه الأنظمة ستكون قادرة على رصد إشارات الخرف واضطرابات النوم والعزلة الاجتماعية والسقطات وسوء التغذية، بالإضافة إلى إعلام الأشخاص الذين يعتنون بهؤلاء الكبار بكل ما سبق.
ترفيه وموسيقى
تعتمد خدمات التدفق الإنترنتي الشهيرة كـ«نتفليكس» و«سبوتيفاي» على الذكاء الصناعي في عملها لتحديد تفضيلات مستخدميها وتزويدهم بنظام متواصل من الترفيه الجذّاب، بينما يستخدم «غوغل بلاي» الذكاء الصناعي لتقديم توصيات موسيقية تناسب المزاج والوقت والطقس.
علاوةً على ذلك، يُستخدم الذكاء الصناعي اليوم لاستعادة الأفلام القديمة إلى الواجهة وبث الألوان في الأبيض والأسود، وحتى إضافة الأصوات إلى الأفلام الصامتة، بالإضافة إلى تحسين سرعة التدفق وتماسكه. وقريباً.
بدورها، ستعتمد الوسائط أكثر فأكثر على الذكاء الصناعي. أنشأ مشروع «ماجينتا» (Magenta project) المفتوح المصدر من «غوغل» مجموعة من التطبيقات التي تجعل التمييز بين الموسيقى الآلية والمؤلفين والعازفين البشر مهمة مستحيلة.
وطوّر المعهد البحثي «أوبن إي آي» تطبيق «ميوز نت» الذي يستخدم الذكاء الصناعي لمزج أساليب موسيقية متنوعة في مؤلفات جديدة. كما قدّم المعهد «صندوقاً موسيقياً» يؤلف أغاني جديدة عندما يزوده المستخدم بنوع موسيقي واسم فنان وكلمات يشارك الذكاء الصناعي أحياناً في تأليفها.
ولا تزال هذه الجهود مجرد البداية التي تحققت عبر تغذية ملايين الأغاني في شبكات الأعصاب الصناعية المصنوعة من رموز كومبيوترية لتصبح قادرة على استيعاب أنماط اللحن والانسجام وعلى ابتكار صوت الآلات والأصوات الغنائية.
العاطفة والتعليم
الذكاء الصناعي بتكوينه هو عبارة عن تقنية مكتوبة برموز الكومبيوتر، ولكن معظم الناس يتخيلونه على شكل إنسانٍ آلي. إن الشخصيات الرمزية التي ينتجها الذكاء الصناعي تفبرك محادثات وتنشد أغاني وحتّى تعلّم أطفالنا بالاعتماد على التقنية نفسها. ولن ننسى طبعاً فيديوهات الـ«ديب فيكس» المزيفة التي يتم فيها إسقاط وجه وصوت شخص على شخص آخر. وتجدر الإشارة إلى أن العالم شهد أيضاً على ابتكار الذكاء الصناعي لوجوه أشخاص غير موجودين في الحقيقة.
يعمل الباحثون اليوم على دمج التقنيات لابتكار شخصيات افتراضية ثنائية الأبعاد لأشخاص قادرين على التفاعل في الوقت الحقيقي مع إظهار مشاعر وإيماءات مرتبطة بالسياق. قدّمت شركة «نيون» التابعة لـ«سامسونغ» نسخة أولية من شخصيات مشابهة، ولكن هذه التقنية لا تزال بعيدة جداً عن الاستخدام العملي.
يساعد هذا النوع من الشخصيات على إحداث ثورة في عالم التعليم، لا سيما أن باحثي الذكاء الصناعي بدأوا بتطوير أنظمة تعليم خاص تعتمد على الذكاء الصناعي قادرة على تتبع سلوك الطلاب وتوقع أدائهم وتوصيل المحتوى والاستراتيجيات، بهدف تحسين الأداء ومنع خسارة الطلاب لحماسهم. يعد أساتذة التعليم الخصوصي المدعومين بالذكاء الصناعي بتقديم تعليم يناسب كل طالب حسب شخصيته وبتوفيره لأي شخصٍ في العالم يملك جهازاً متصلاً بالإنترنت، شرط أن يكون هذا الشخص مستعداً للتنازل عن بعض الخصوصية.
من جهته، يرى يوشوا بنجيو، أستاذ في جامعة مونتريال ومؤسّس معهد «ميلا» المتخصص بأبحاث الذكاء الصناعي في توفر التفاعل البصري مع وجهٍ بملامح عاطفية تعبر عن الدعم أمراً مهماً جداً للمعلمين. بدأت شركتا «كوربيت» التي أسسها جوليان سربان، أحد طلاب بنجيو، و«ريد» في كوريا الجنوبية، باستخدام هذه التقنية في التعليم، إلا أن بنجيو يرى أنها لا تزال على بعد عقود وربما أكثر من الوصول إلى مستوى تزويد المعلمين بسلاسة لغوية طبيعية ودلالاتٍ لفظية مفهومة.
أجهزة المستقبل
بدأ الذكاء الصناعي بملامسة حياتنا بطرقٍ لا تعد ولا تحصى من استكشاف المواد الجديد إلى صناعة الأدوية. تلعب هذه التقنية دوراً مهماً في تطوير لقاحات «كوفيد - 19» من خلال حصر احتمالات البحث أمام العلماء وفي اختيار الفواكه التي نتناولها وتصنيف القمامة التي نرميها دون أن ننسى أنّ السيارات الآلية أصبحت حقيقة، ولكنها تنتظر القوانين التي تنظم عملها.
* خدمة «نيويورك تايمز»

كما بدأ الذكاء الصناعي بإعداد البرامج الرقمية، وقد يتوصل أخيراً إلى صناعة نظم ذكاء صناعي أكثر تعقيداً بنفسه. تملك شركة «ديف بلو» الناشئة التابعة لجامعة أكسفورد نظام ذكاء صناعياً مهمّته أتمتة إعداد اختبارات البرامج الرقمية، هذه المهمّة التي تستحوذ على ثلث وقت المطوّرين في أيّ مشروع. يتصوّر جاستن غوتشليتش الذي يدير مجموعة بحثية لبرمجة الآلات في مختبرات إنتل، يوماً يستطيع فيه أيّ شخص ابتكار برنامج بمجرّد تزويد نظام ذكاء صناعي بطلب يوضح مهمّة هذا البرنامج. ويقول: «أستطيع أنّ أتخيّل أناساً كوالدتي يصنعون البرامج الرقمية على الرغم من أنّها لا تسطيع كتابة سطرٍ واحدٍ من الرموز».


مقالات ذات صلة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

تكنولوجيا «غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة لتعزيز الخصوصية ومشاركة البيانات الصحية (غوغل)

«غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة

أطلقت «غوغل» النسخة التجريبية الأولية من آندرويد 16 للمطورين، وهي خطوة تمهد الطريق للتحديثات الكبيرة المقبلة في هذا النظام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا «أبل» تؤكد مشكلة اختفاء الملاحظات بسبب خلل بمزامنة (iCloud) وتوضح خطوات استعادتها مع توقع تحديث (iOS) قريب (أبل)

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

وفقاً لتقرير رسمي من «أبل»، فإن المشكلة تتعلق بإعدادات مزامنة الآيكلاود (iCloud).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تمكنك «دورا» من تصميم مواقع ثلاثية الأبعاد مذهلة بسهولة تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لأي معرفة برمجية (دورا)

صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود»

تتيح «دورا» للمستخدمين إنشاء مواقع مخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر إدخال وصف نصي بسيط.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص يحول الذكاء الاصطناعي الطابعات من مجرد خدمة بسيطة إلى أداة أكثر ذكاءً واستجابة لحاجات المستخدمين (أدوبي)

خاص كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟

تلتقي «الشرق الأوسط» الرئيسة العامة ومديرة قسم الطباعة المنزلية في شركة «إتش بي» (HP) لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على عمل الطابعات ومستقبلها.

نسيم رمضان (بالو ألتو - كاليفورنيا)

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)
غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)
TT

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)
غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)

أكدت دراسة جديدة أن غالبية القُرّاء يرون أن قصائد الشعر التي تكتب بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي أفضل من تلك التي يكتبها البشر.

وبحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد أُجريت الدراسة بواسطة باحثين من جامعة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا، وشملت عدداً من المشاركين الذين عُرضت عليهم قصائد كتبها 10 شعراء مشهورين باللغة الإنجليزية، إلى جانب قصائد تم إنشاؤها بواسطة برنامج «تشات جي بي تي 3.5» المدعوم بالذكاء الاصطناعي.

ومن بين الشعراء الذين عُرض شعرُهم على المشاركين جيفري تشوسر، وويليام شكسبير، وصامويل بتلر، واللورد بايرون، ووال ويتمان، وإميلي ديكنسون، وتي إس إليوت، وألين جينسبيرغ، وسيلفيا بلاث، ودوروثيا لاسكي.

ووجد الباحثون أن 75 في المائة من المشاركين كانوا أكثر ميلاً إلى الحكم على القصائد التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي على أنها من تأليف البشر مقارنة بالقصائد التي كتبها البشر بالفعل.

وعلى النقيض من الأبحاث السابقة، وجدت الدراسة أيضاً أن المشاركين صَنَّفوا القصائد التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي أعلى من حيث الجودة الإجمالية من القصائد التي كتبها البشر.

ويقترح المؤلفون أن القُرَّاء العاديين، غير الخبراء في مجال الشعر، يفضِّلون القصائد التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي؛ لأنهم يجدونها أكثر وضوحاً وسهولة.

وأضافوا أن «التعقيد والغموض» في الشعر المكتوب بواسطة البشر، «من الأسباب الرئيسية للتقليل من جاذبية القصائد بالنسبة للقارئ العادي».

وقالت الشاعرة جويل تايلور، الحائزة جائزة «تي إس إليوت» للشعر، رداً على نتائج الدراسة: «بينما ليس لدي أدنى شك في أن الذكاء الاصطناعي يمكنه توليد الشعر بواسطة خوارزمياته. فإن الإنسانية هي جوهر القصيدة».

وأضافت: «القصيدة أكثر من مجرد خوارزمية. إنها معنى وعاطفة وأفكار ومنطق».

وتأتي هذه الدراسة بالتزامن مع أخرى أكدت أن روبوت الدردشة الذكي الشهير «تشات جي بي تي» يتفوق على الأطباء في تشخيص الأمراض.

وبحسب الدراسة، حقَّق روبوت الدردشة، متوسط ​​درجات بلغ 90 في المائة عند تشخيص المشكلات الطبية، في حين حصل الأطباء الذين شخَّصوا الحالات بمفردهم على متوسط ​​درجات بلغ 74 في المائة.