العلا ومدائن صالح تبهران ولي عهد بريطانيا

الدهشة والإعجاب كانا حاضرين بقوة، ومعبرين عما رآه الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا ومرافقوه أثناء زيارتهم لآثار العلا ومدائن صالح، التي وصفها بأنها معالم سياحية مميزة، وتشكل علامة فارقة على خريطة السياحة العالمية.
وكان الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا، زار صباح أمس آثار العلا ومدائن صالح، الواقعة شمال منطقة المدينة المنورة، واستقبله لدى وصوله في مطار الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز في مدينة العلا، بمعية وفد ومرافقين من كبار المسؤولين السعوديين والبريطانيين، الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة بالسعودية، والأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة.
واصطحب الأميران، الأمير تشارلز ومرافقيه في جولة تعريفية شملت المواقع التاريخية والسياحية والتراثية بمحافظة العلا، حيث بدأت الجولة بزيارة لآثار العلا وآثار الخريبة وموقع «دادان» التاريخي، وآثار جبل عكمه، حيث اطلعوا على مكونات الموقع وأعمال البحث الأركيولوجي والأثري فيه، ثم زاروا موقع مدائن صالح، حيث تجول الضيف ومرافقوه على المباني ذات الواجهات النبطية والتاريخية، ثم زاروا سكة حديد وقطار الحجاز في مدائن صالح، وأيضا بعض المواقع السياحية.
وشدد المختصون على أن زيارة ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز لمشاهدة آثار العلا ومدائن صالح، تعكس الشهرة الكبيرة التي احتلتها تلك المواقع، نظرا لما تتمتع به من فرادة وخصوصية إضافة إلى الأهمية التاريخية.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، دكتور تنيضيب الفايدي المؤرخ والباحث التاريخي المهتم بآثار المدينة المنورة إن «مصدر خصوصية آثار العلا ومدائن صالح هو في العراقة التي تمتد للألف السادسة قبل الميلاد، حيث إن وقوع العلا على طريق القوافل والبخور التجاري القديم قد هيأ لنشوء كثير من الحضارات العريقة التي تركت فيها بصمات عريقة ومتميزة».
وفي ذات السياق، قال دكتور محمد الحربي الباحث المهتم بالشأن التاريخي: إن «التنوع الذي تحظى به آثار مدائن صالح والعلا يشكل عنصر جذب سياحيا كبيرا، فالمخزون التراثي والأثري المتفرد في الواجهات الصخرية والزخارف النبطية في مدائن صالح، والشواهد الأثرية في موقع الخريبة والتراث العمراني في البلدة القديمة بالعلا، كلها تشكل عناصر جذب مختلفة».
من جانبه، قال مطلق المطلق الباحث ورئيس فرع جهاز هيئة السياحة بالعلا سابقا إن «الجهود التي بذلتها هيئة السياحة بالسعودية في الحفاظ على آثار العلا ومدائن صالح، والتعريف بها وتسجيلها على قائمة لجنة التراث العالمي في منظمة اليونيسكو قد أسهم في إبرازها بشكل كبير حتى باتت تشكل نقطة جذب سياحي كبير». وتمثل منطقة مدائن صالح (الحجر) قصة جمال خالدة على مر الزمان، إذ إن زائرها يستعيد بذاكرته أناشيد الأماكن التاريخية وملامح صمودها في وجه تصاريف الزمن.. وينجذب لتاريخ ثري حافل بالعراقة المتميزة وبروعة شواهد الأمس البعيد ومعالم العصور الغابرة، حيث تتوقف الأعين أمام حيز مكاني تضاريسي يأبى أن ينكشف للزائر منذ أول وهلة لينجلي رويدا.. رويدا، على مهل وفي استحياء شديد كاشفا في كل مرة من تجلياته عن معالم باهرة ومفاتن جديدة، تشعر الزائر بأنه في مدينة ليست ككل المدن، وأمام معلم استوفى من الأسرار ما لا تكفي معه لأيام ولا لشهور لسبر كنهه أو الغوص في أعماقه واستجلاء أسراره.
وفي موقع الحجر «مدائن صالح» التاريخي، تلتحف أسارير الزمن بشموخ الجبال المتوشحة باللون الزاهي الذي سرعان ما يكتسب ألوانا أكثر زهوا بعد أن تغتسل بأشعة الشمس، تلك الجبال التي تقف بسفوحها لتقص على الناظرين ما سطره إنسان الجزيرة القديم، ولتصور تفرد تلك الحضارة الحافلة بالنبوغ في المناحي العمرانية والثقافية والتجارية فقلما نجد مدينة في كل بقاع الأرض جمعت ما تحتويه الحجر «مدائن صالح» بين ثناياها وفي أنحائها من خصائص متفردة، تمتزج فيها أسرار التاريخ بالإنثربولوجيا، ودهاليز الماضي التليد، وتختلط بخصوصية غرائبية المشاهد وبانورامية الصور.
وتشكل الشواهد الأثرية الماثلة للعيان والمنتشرة في الموقع بكثافة وعلى الأخص الواجهات الصخرية المنحوتة في جبال «مدائن صالح»، مجالا خصبا لأحاديث الناس، وحكاياتهم، ووقودا يحرك الخيال الشعبي، والأساطير، وربما القصص التي تأخذ قالبا خرافيا أيضا، ولا غرابة في ذلك، إذ إن أغلب الناس الذين يجاورون حضارات عريقة وكبيرة، فلا بد وأن تصطبغ وتتداخل مع الذاكرة الشعبية، مخلفة الكثير من القصص والحكايا النابضة، التي تتدثر بالخيال المجنح كنتاج طبيعي لتفاعل الإنسان مع ما يحيط به، لذلك جاءت بعض تسميات المجموعات الصخرية في مدائن صالح من بعض التسميات الشعبية. ومن تلك التسميات: قصر الصانع وقصر البنت، ويعد قصر الصانع ومجموعة قصر البنت من الواجهات النبطية الأثرية الجميلة في «مدائن صالح»، وبخاصة مجموعة قصر البنت التي تعتبر من أجمل المعالم النبطية في مدائن صالح، فهي حافلة بالعناصر الجمالية والفنية التي تشهد لأولئك القوم ببلوغ درجة متقدمة في فنون النحت والأسس المعمارية الراقية، وتقع غرب ما يعرف بـ«الديوان».
وتكتنز مجموعة المقابر، 31 مقبرة نبطية تتوزع على جبلين أحدهما كبير تحتل المقابر الواجهات الغربية والجنوبية والشرقية منه، وفي الجهة الشمالية الغربية منه يقع الجبل الصغير الذي نحتت في واجهته الشرقية مقبرتان متوازيتان، وفي الجهة الغربية من هذه المجموعة توجد مقبرة غير مكتملة، حيث بدأ النحات بنحت الجزء العلوي وهي الشرفات ولم يكمل بقية الواجهة، ولو أكملت هذه الواجهة لكانت أضخم واجهة في الحجر (مدائن صالح)، وذلك لانحدارها المهيب من علو يقترب من سفح الجبل، حيث لا يفصل الشرفة عن قمته سوى أمتار قليلة، كما تنتظم في هذه الجهة 3 واجهات لمقابر متساوية ومتشابهة في سماتها الفنية لتتناغم في مشهد أخاذ وبديع.

وتشكل هذه الواجهة وثيقة حية للدارسين وللبحث الأركيولوجي على نحو خاص، نظير ما تزخر به من نقوش نحتت على مداخل وواجهات المقابر تشير إلى أن أغلب المقابر في هذه المنطقة تميزت بوجود كتابة أعلى المدخل تحمل اسم صاحب المقبرة، ومن يحق لهم الدفن فيها وتاريخ نحتها والنحات الذي نحتها، وتشي هذه النقوش بالكثير من الجوانب التي تعكس حياة الأنباط وممارساتهم وملوكهم وما إلى ذلك.
وعلى الرغم من أن هذه المجموعة ليست الأكثر من حيث عدد المقابر، إلا أنها تختزل الكثير من معالم الجمال النبطي الذي وصل لدرجات متقدمة في فنون النحت، فإلى جانب الشرفة بدرجاتها الخمسة والعارض النبطي يمكن مشاهدة التأنق في تصميم الواجهة المثلثة التي نحت على زواياها آنيتين وفي المنتصف طائر النسر، وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن تلمح نحتا دائريا لوجه بشري يجاوره ثعبانان من جهتيه اليمنى واليسرى، وكذلك نحت لأسدين متحاذيين ومتقابلين تفصلهما عن بعضهما زهرة واحدة إلى جانب الأشكال الزخرفية الأخرى كالتاج النبطي.
والمقابر متفاوتة في حيزها، وتأخذ أبعادا مختلفة أغلبها مربعة الشكل، تحتوي على كوات وأرفف حجرية على عدة طبقات وتتوزع بعض المدافن على أرضيات المقابر، ويلاحظ أن بعض المدافن المحفورة في الصخر عميقة بحيث يجعلنا نرجح أنها حفرت لتتسع لأكثر من ميت، كما أن القبور تختلف في أحجامها أيضا.
أما منطقة قصر الصانع الأثرية فتقع في الجنوب من موقع مدائن صالح، إلى الشمال من منطقة الخريمات، وتسمية المجموعة محلية لا تخضع لأساس علمي، وتتكون من كتلتين صخريتين إحداهما شرقية تحوي 6 مقابر نبطية تنزع إلى البساطة في عملية النحت، أما الكتلة الصخرية الغربية فتتفرد بمقبرة قصر الصانع فقط، التي يعود تاريخها بحسب النقش الموجود عليها إلى شهر أبريل (نيسان) من العام الميلادي الثامن، والواجهة مترعة بعناصر الزخرفة والتصميم الجمالية، وتتوزع المدافن من الداخل على أرضية المقبرة وجوانبها.