إدارة بايدن تواجه أزمة تفاقم الهجرة عند الحدود الأميركية

وجهت تحذيرات بعدم السماح للوافدين بالدخول

طفل مهاجر يغادر حافلة في تكساس استعدادا لترحيله إلى المكسيك السبت (أ.ب)
طفل مهاجر يغادر حافلة في تكساس استعدادا لترحيله إلى المكسيك السبت (أ.ب)
TT

إدارة بايدن تواجه أزمة تفاقم الهجرة عند الحدود الأميركية

طفل مهاجر يغادر حافلة في تكساس استعدادا لترحيله إلى المكسيك السبت (أ.ب)
طفل مهاجر يغادر حافلة في تكساس استعدادا لترحيله إلى المكسيك السبت (أ.ب)

كانت ولا تزال قضية اللاجئين والمهاجرين هي «العنوان الساخن» في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، كما هي الحدث الأساسي الذي يختبر الإدارات الأميركية المتعاقبة على السلطة، وأخيراً أصبحت أزمة كبيرة تواجه الحكومة الفيدرالية والمشرّعين في الكونغرس على حدٍ سواء، بعد أن ورثت إدارة جو بايدن «تركة ثقيلة» من إدارة دونالد ترمب، الذي عُرف بسياساته الرامية لتقليص أعداد المهاجرين، والحد من قدومهم.
أنهى بايدن في الأسابيع الأولى من رئاسته العمل ببعض السياسات الحدودية الأكثر تشدداً، التي أقرها سلفه ترمب، واقترح طريقاً للحصول على الجنسية الأميركية للأشخاص الموجودين في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، كما وعد بـ«إنشاء نظام لجوء إنساني». لكنه في المقابل لم يوضح النهج الجديد لسياسات اللجوء، أو متى سيتم الكشف عنه، مما خلق فراغاً أدى إلى انتشار شائعات بأنه سيسمح للمهاجرين على الحدود بالدخول، وسط تدفقات الهجرة المتزايدة بشكل حاد على الحدود الأميركية الجنوبية. وما زاد من حالة الارتباك والتشكيك في سياسات الهجرة التي ستعتمدها هذه الإدارة، هو قول بايدن: «إنه ليس وقت القدوم إلى الحدود».
ونقلت وسائل الإعلام الأميركية عن تقارير حكومية أن السلطات الأميركية أوقفت على الحدود الجنوبية أكثر من 100 ألف شخص مهاجر في شهر فبراير (شباط) الماضي، كانوا يرغبون في القدوم إلى أميركا، ولوحظ زيادة في عدد العائلات والأطفال الذين يسافرون بمفردهم، والذين يتمتعون بمزيد من الحماية القانونية.
في الوقت ذاته، قالت المتحدثة الرسمية للبيت الأبيض جين ساكي، الأسبوع الماضي، إن الإدارة الأميركية «تعمل على إصلاح ما كان نظاماً غير جاهز ومفككاً»، في إشارة إلى السياسات المتبعة من قبل الإدارة السابقة، «وأن ذلك سيستغرق بعض الوقت». وأعادت إدارة بايدن فتح مرافق الإيواء التي استحدثتها إدارة ترمب في ولاية تكساس، لإيوائهم.
وفي مقابلة تلفزيونية، الأسبوع الماضي، قال بايدن إن رسالته إلى المهاجرين كانت: «لا تترك بلدتك أو مدينتك أو مجتمعك»، ولاحظ المساعدون أن معظم الأشخاص الذين تصادفهم حرس الحدود يتم طردهم سريعاً من الولايات المتحدة، وذلك بموجب سلطات متعلقة بالوباء تحرم من فرصة طلب اللجوء، وهو ما أكدته لاحقاً جين ساكي في المؤتمرات الصحافية، وقالت إن «سياستنا ستستمر في التأكد من أننا نعمل من خلال قوانيننا، وأن الحدود ليست مفتوحة».
واستخدمت إدارة بايدن الإجراءات التنفيذية للبدء في التراجع عن كثير من السياسات، وهو ما أكدته الخطة الشاملة التي أعلن عنها بايدن في يومه الأول عند تنصيبه، لإعادة تشكيل نظام الهجرة المتعطل في الكونغرس. وأقر مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، مشروعي قانون على نطاق أصغر، يوم الخميس الماضي، يمهدان الطريق أمام عملية الحصول على الجنسية الأميركية للمهاجرين الذين تم إحضارهم إلى البلاد بشكل غير قانوني، كالأطفال، وتحسين الوضع القانوني لعمال المزارع وعائلاتهم.
وحازت كلتا المبادرتين على بعض دعم الحزب الجمهوري، لكن الجمهوريين أشاروا أيضاً إلى أنهم يرون أن الاستمرار في انتقاد سياسات بايدن بشأن القضايا الحدودية هي الطريقة الناجحة للفوز في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022.
وفي جلسة استماع يوم الأربعاء الماضي بالكونغرس، اتهم أليخاندرو مايوركاس، وزير الأمن الداخلي، الإدارة الأميركية السابقة بأنها كانت تطرد الأطفال غير المصحوبين بذويهم خارج البلاد، وبعضهم من الفتيات دون سن 12 عاماً، معلناً أن الإدارة الحالية أنهت هذه الممارسة.
وانتهت ممارسة طرد الأطفال غير المصحوبين بذويهم بفضل حكم محكمة فيدرالية قبل أن يتولى بايدن منصبه، رغم أن إدارته رفضت استئناف عمليات الطرد، عندما قررت محكمة الاستئناف أنها تستطيع القيام بذلك، مستشهدة بخطر فيروس «كورونا»، واستخدام قانون طوارئ الصحة العامة.
إلى ذلك، تواجه الملاجئ التي تؤوي المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء مشكلة طاقة استيعابية، خاصة أنها لا تعمل بمعدل إشغال كامل خلال الجائحة، إذ خفض مكتب اللاجئين السعة إلى 40 في المائة على الأقل للامتثال لبروتوكولات مواجهة فيروس «كورونا»، قبل العودة إلى الإشغال الكامل هذا الشهر مع زيادة عدد الأطفال. وأقر متحدث باسم البيت الأبيض، أن الحد الأقصى لعدد الأسرة «نظرياً» بلغ 13 ألف سريراً في عهد الرئيس ترمب، لكنه أكد أن الإدارة السابقة لم تتخذ أي خطوات للتخفيف من انخفاض سعة الإشغال، أو النقص في عدد الموظفين الذي تسبب فيه هذا التخفيض لعدد الأسرّة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟