نشر الشعر أصبح «مغامرة»

في يومه العالمي

TT

نشر الشعر أصبح «مغامرة»

«ليس للشعر سوق»، هذا الجواب المعتاد الذي يسمعه الشعراء، حتى المعروفون منهم، من أغلب الناشرين. وهذا يعني ضمنياً، أنك تستطيع أن تنشر مجموعتك الشعرية، ولكن عليك أن تدفع، أن تغطي كلفة الطبع، والتوزيع أيضاً. تتسلم 200 نسخة من مجموعتك، في أحسن الأحوال هذا إذا طبع منها 1000 نسخة، مقابل ما دفعت. وهكذا تتحول من شاعر إلى موزّع. ما مصير الـ800 نسخة المتبقية؟ لا أحد يعلم، إذ إنك لا ترى أي نسخة منها في أي معرض أو مكتبة، ولا الناشر يكلف نفسه أن يبلغك أين ذهبت.
هنا ردود ناشرين من المغرب وبيروت والقاهرة على سؤالنا: لماذا لا تنشرون الشعر؟

- دار «أغورا»: لا سوق للشعر
جواباً عن سؤال «هل هناك سوق للشعر؟»، يتأسف الناشر المغربي يوسف كرماح، وهو صاحب دار النشر «أغورا»، التي أُنشئت بمدينة طنجة في ذروة جائحة «كورونا»، لوضعية سوق الشعر، ويرى أن «سوق الشعر تعيش ركوداً»، مشدداً على أن الشعر «لم يعد يحظى بالمكانة التي تحظى بها الرواية، مثلاً».
ويثير كرماح قضية «تهرب» كثير من دور النشر من نشر الشعر، قبل أن يستعرض تجربته الشخصية واختياره الذهاب عكس التيار، حيث يقول: «صحيح أن كثيراً من دور النشر أصبحت تهرب من نشر الشعر، ولكن نحن في (أغورا) نحرص على نشر الشعر الذي يستحق النشر، ونوليه الأهمية ذاتها التي تمنح للرواية. وقد نشرنا في ظرف شهرين 5 مجامع شعرية».
يربط كرماح بين أوضاع الشعر على صعيد التسويق، مؤكداً عدداً من الآراء عبر العالم التي تشير إلى أن الشعر لا يباع بشكل جيد، فيقول: «صحيح... الشعر لا يباع، لا سيما في غياب الأنشطة الثقافية والمعارض».
يختم كرماح وجهة نظره بالإشارة إلى أن نشر الشعر في ظل الظروف والتحولات التي يمر منها العالم، يعد «مجازفة»، غير أنه يضيف: «ولكن لا يجب تهميشه».

- «دار النهضة» اللبنانية ومغامرتها الشعرية
من لبنان، تقول الناشرة لينة كريدية: «منذ عام 2005 دخلت (دار النهضة) مغامرة لافتة. فقد أخذت على عاتقها إصدار سلسلة دواوين شعرية، مع علمها المسبق أن المشروع خاسر. من وقتها عشرات الدواوين أبصرت النور». لينة كريدية مديرة الدار تتحدث عن هذا المشروع وتقول: «كنا نعرف سلفاً أن المبيع قليل، لكن هدفنا لم يكن تجارياً. كان المشروع ثقافياً بالكامل. أردنا إعادة النهضة من لبنان، للشعر والثقافة، بنكهة خارجة عن الروتين العادي، لنطل على المستقبل برؤية جديدة».
حين انطلقنا لم يكن الشعر في عليائه، كان قد هبط إلى دوامة العولمة والتجارة، حاولنا أن نحميه، وأن ننتقي الأفضل والأكثر قدرة على الصمود.
في السنوات العشر الأولى، بقينا نجرب، ولم نتوقف رغم عدم الربح، لكن الثورات العربية أخذتنا إلى مكان لم يكن متوقعاً. ومع ذلك، لم نتوقف، وإنما خفضنا عدد نسخ الدواوين التي نصدرها. كان رهاننا في مكانه، ربح ثلاثة من شعراء الدار جائزة «الأركانة» وهم محمد بن طلحة، ووديع سعادة، ومن أسبوعين فقط ربحها محمد الأشعري.
هذا أمر مشجع ويدعو إلى الاستمرار. «دار النهضة» راهنت على الشعر، وهي تخوض معركة ثقافية، ولا تلتفت إلى اسم الشاعر الذي تطبع له، أو تجربته السابقة أو جنسيته أو عمره، جل ما يعنينا هو النص نفسه، ومدى جماليته وشعريته، وقدرته على الوصول إلى وجدان القارئ. كانت ثمة سنوات الإصدارات فيها خجولة، بسبب الأوضاع التي مرت بها بلدان كثيرة. ومؤخراً نظراً لوباء «كورونا» وأسعار الورق، والظروف في لبنان، بدأنا نذهب نحو طبعات إلكترونية، مواكبة للعصر.
أطلقنا سلسلة جديدة تحمل اسم «أصوات» مطلع العام الحالي. وهو مشروع يعني بالتجارب الشعرية اليانعة. فنحن ننشر الديوان الأول للشاعر مثلاً. ننظر فعلاً لنصوص ذات نكهة جديدة ومتقدمة، إن من حيث الرؤى أو اللغة، ونجحنا إلى حد كبير.
قدمنا لغاية الآن ثمانية دواوين، ولا تزال اللجنة المعنية تتجنب الأعمال التي سنستكمل صدورها في الأشهر المقبلة. هذه الدواوين تصدر إلكترونياً في الوقت الحالي، بانتظار أن نتمكن من طبعها ورقياً، مع زوال الجائحة. نحن في هذا المهرجان الثقافي في غاية الرضا عما نفعل. دار النشر بالنسبة لنا، ليست بياعة كتب، بل يجب أن يكون لها دور تنويري تثقيفي، ومن أولوياتها نشر الفكر والعلم.
وأتصور أن هذا ما نحققه من مشروعنا. وألفت إلى أن شاعراً شاباً موهوباً هو محمود وهبه يساعدني في هذه المهمة، ستصدر مجموعته الشعرية ضمن «أصوات».
ومن مصر، يقول الناشر محمد هاشم مدير دار «ميريت» للنشر والتوزيع المصرية، إنه واحد من أكثر الناشرين اهتماماً بالشعر وطباعته، فقد قامت الدار خلال العام الماضي مثلاً بطباعة عدد كبير من الدواوين لشعراء كبار في مصر، مثل جمال القصاص «تحت جناحي عصفور»، وإبراهيم داود «كن شجاعاً هذه المرة»، وياسر الزيات «طفولتي الموجزة»، وأحمد يماني «الوداع في مثلث صغير»، وعبد الحفيظ طايل «عائلة يموت أفرادها فجأة». وهناك دواوين لشعراء آخرين قامت الدار بتبني كتاباتهم، مثل نسرين لطفي الزيات التي قامت الدار بإصدار ديوانها الأول «كوب فارغ من القرفة المطحونة»، كما صدر منذ أكثر من عامين «كتاب المشاهدة» للراحلة حنان كمال، وقد كان الديوان الشعري الأول لها في ذلك الوقت.
وذكر هاشم أن الكتب الشعرية مثل غيرها من المطبوعات، لا تلقى رواجاً في مصر بسبب ظروف كثيرة، يعرفها الجميع، لكن الدار تهتم به (الشعر) وتدافع عن وجوده بوصفه واحداً من الأنواع الأدبية المهمة، التي يجب أن نحافظ عليها مثله مثل الرواية والقصص، والكتب النقدية والمترجمة والمؤلفات الفكرية والسياسية، من هنا تحافظ الدار على طباعة الشعر مثل محافظتها على الوجود الإنساني نفسه.

- شاعر يرأس دار نشر
أما الدكتور فارس خضر مدير دار «الأدهم»، فيذكر أن الشعراء يتوقعون أنه حين يتولى شاعر إدارة دار نشر أن يكون انحيازه حتماً لنشر الشعر دون غيره، لهذا تحفل قائمة الإصدارات بما يزيد على ثلاثين ديواناً سنوياً. ويقول خضر إنه لا يلوم الناشرين ممن يسعون خلف الربح، على عدم نشر الشعر، لأن أهدافهم واضحة، ودور النشر الكبيرة أشبه بمؤسسات تجارية أكثر منها كيانات تهتم بنشر الثقافة والمعرفة.
وأشار خضر إلى أن دور النشر الخاصة صارت ملجأ لضحايا المؤسسات الثقافية التي تراجع دورها في النشر عموماً، حتى صار الشاعر مضطراً للوقوف على الأبواب الكالحة بالسنوات في انتظار دوره وحتى يرى كتابه مطبوعاً.

- الوعي بدوره مفتقد ونشره مغامرة
من جهته، قال محمد البعلي مدير دار «صفصافة» للنشر والتوزيع، إن موضوع نشر الشعر في مصر مسألة معقدة بعض الشيء، ففي أي سوق طبيعية للكتاب يكون الجمهور الأوسع من القراء هو الذي يبحث عن الكتب المسلية والأكثر بساطة، مثل روايات الرعب والقصص الرومانسية ومذكرات المشاهير، وهذا هو المعتاد عموماً.
وذكر البعلي أنه «إذا قمنا بتطبيق هذه الرؤية على سوق النشر في مصر نجد دائماً أن الكتب التي تسير في هذا الاتجاه، هي التي تكون على قمة المبيعات، وبعدها تأتي في القائمة أنواع مختلفة من الكتب، وحين نتابعها نصل في نهايتها إلى الكتاب الأكاديمي والعلمي ودواوين الشعر التي تتضمن قصائد النثر، وهي بالطبع لا يتعاطى معها أو يقرأها سوى نخب النخب من النقاد والشعراء والمبدعين، وهذه الدواوين بالتحديد تأتي في ذيل قائمة المبيعات، وهو ما يجعل دور النشر التجارية، وهي تشكل أغلبية بالطبع في مصر، لا تقبل على نشر الشعر».



سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.