دميرتاش يتهم إردوغان بحظر حزبه للفوز في الانتخابات

صلاح الدين دميرتاش (أرشيفية)
صلاح الدين دميرتاش (أرشيفية)
TT

دميرتاش يتهم إردوغان بحظر حزبه للفوز في الانتخابات

صلاح الدين دميرتاش (أرشيفية)
صلاح الدين دميرتاش (أرشيفية)

أكد الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحاول بشكل «غير قانوني» حظر الحزب المدافع عن قضايا الأكراد، في مسعى لضمان الفوز في الانتخابات المقبلة.
وتعرّض ثالث أكبر حزب في البرلمان إلى ضغوط على مدى سنوات على خلفية ارتباطه المفترض بعناصر حزب العمال الكردستاني المحظور الذين أطلقوا تمرّداً دامياً ضد الدولة، منذ عام 1984.
وتم توقيف وسجن عشرات النواب والقادة المنتمين إلى حزب الشعوب الديمقراطي بتهم ينفونها على صلة عموماً بـ«الإرهاب» وترى مجموعات حقوقية أن دوافعها سياسية.
ويقبع دميرتاش الذي نافس إردوغان مرتين في الانتخابات الرئاسية، خلف القضبان منذ العام 2016 رغم دعوات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لإطلاق سراحه.
وبات الحزب اليوم يواجه خطر حلّه بعدما اتّهمه النائب العام التركي بالارتباط بالمسلّحين الأكراد في التماس تم رفعه إلى المحكمة الدستورية، يوم (الأربعاء) الماضي.
وقال دميرتاش لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من سجنه إن «السبب الرئيسي الذي يدفعهم لمحاولة حل حزب الشعوب الديمقراطي هو لإفساح المجال لـفوز (تحالف الشعب) في الانتخابات المقبلة» المقررة في 2023.
وذكر في إجابات مكتوبة على الأسئلة أن «تحالف الشعب» يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم وشريكه القومي المتشدد الأصغر «حزب الحركة القومية»، الذي يتراجع التأييد له، وفق معظم استطلاعات الرأي.
وأفاد دميرتاش من سجنه في أدرنة، شمال غربي تركيا: «هذا السبب وحده كافٍ لجعل القضية (المرفوعة ضد حزب الشعوب) غير قانونية ولا شرعية».
وأضاف: «آمل بألا تمنح المحكمة الدستورية شرعية لهذا السلوك غير العقلاني، وأن ترفض القضية».
وأدان حلفاء تركيا الغربيون محاولة حل حزب الشعوب.
ورأت الولايات المتحدة أن من شأن الخطوة أن «تقوّض بدرجة إضافية» الديمقراطية، بينما حذّر الاتحاد الأوروبي من أنها ستشكل «انتهاكاً لحقوق ملايين الناخبين».
وأما دميرتاش، فوصف ملاحقة حزبه قضائياً بأنها أشبه بدلالة على «ديمقراطية غير ناضجة وعقلية قمعية».
وسبق لتركيا أن حلّت أحزاباً أخرى مؤيدة لقضايا الأكراد لارتباطها المفترض بمقاتلي حزب العمال الذين أودى تمرّدهم بحياة عشرات الآلاف.
وتصنّف أنقرة وحلفاؤها في الغرب حزب العمال على أنه تنظيم «إرهابي»، بينما تشير لائحة الاتهام التي رُفعت إلى المحكمة الدستورية إلى أن لحزب الشعوب الديمقراطي صلات «عضوية» بالمتمرّدين الأكراد.
ونفى دميرتاش التهم وقال: «مهما كانت العقبات التي توضع في طريقنا، فستواصل سياستنا طريقها نحو التطور... متأكد من أمر واحد، وهو أننا لن نتخلى عن الحق في السياسة الديمقراطية والحوكمة».
لكنه أضاف بنبرة ناقدة أن على الحزب أن يفكر بشأن إن كان يرتكب أي أخطاء سياسية. وقال: «أريد أن أقول بأنه بمعزل عن قضية الحل، علينا مراجعة أوجه القصور لدينا عبر نقد الذات».
وتابع: «علينا شرح أنفسنا بشكل أفضل للمجتمع... علينا أن نقوم بذلك بغض النظر عن حل (الحزب) أم لا».
ويواجه دميرتاش إمكانية السجن لمدة تصل إلى 142 عاماً إن أُدين بصلات مع حزب العمال الكردستاني وتهم أخرى أمام المحاكم.
وتتهم اللائحة التي عُرضت على المحكمة الدستورية، الأسبوع الماضي، حزب الشعوب الديمقراطي بأنه يشكل تهديداً على «وحدة الدولة غير القابلة للتجزئة» وتسعى إلى حظر 687 من أعضاء الحزب (بمن فيهم دميرتاش) من مزاولة السياسة لمدة خمس سنوات.
ويبدو أن الحظر يهدف إلى التأكد من أن الأعضاء الحاليين غير قادرين على تشكيل حزب جديد تحت اسم مختلف في حالة حل حزب الشعوب.
ولدى سؤاله عن مستقبله السياسي، قال دميرتاش إنه «ممنوع من العمل السياسي بحكم الأمر الواقع» بسبب اعتقاله. وقال: «حتى لو لم أكن عضواً في حزب سياسي أو لم أكن مرشحاً، فسأواصل القتال مع الشعب جنباً إلى جنب».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟