الجزائر: خطة تبون لطي «المرحلة البوتفليقية»

«المجتمع المدني»... بديلاً للأحزاب التقليدية لكن بوجوه قديمة

الجزائر: خطة تبون لطي «المرحلة البوتفليقية»
TT

الجزائر: خطة تبون لطي «المرحلة البوتفليقية»

الجزائر: خطة تبون لطي «المرحلة البوتفليقية»

يسيطر على المشهد السياسي في الجزائر حالياً، نشاط غير عادي لتنظيمات ما يسمى «المجتمع المدني»، لاكتساح انتخابات البرلمان المبكّرة المقررة يوم 12 يونيو (حزيران) المقبل. وتنظر غالبية الأحزاب، بما فيها الموالية للسلطة، بعين الريبة للقضية لقناعة لديها بأن الرئاسة تبحث عن تشكيل غالبية برلمانية لصالح الرئيس عبد المجيد تبّون، خارج الأحزاب السياسية، وهذا بعكس ما دأبت عليه السلطة في الـ20 سنة الماضية.
«نداء الوطن» و«المسار الجديد»... تكتلان كبيران يضمان المئات من الجمعيات الصغيرة والنقابات والناشطين في الأحياء الشعبية في مجالات الثقافة والعمل الخيري الجواري، أطلقتهما الرئاسة خلال الأشهر الماضية بغرض إعداد لوائح الترشيحات؛ تحسباً لانتخابات البرلمان المقررة بعد ثلاثة أشهر. ويرتقب أن يكتسح المنتسبون لهذين الكيانين، «المجلس الشعبي الوطني» في نسخته الجديدة، ويعوَل عليهما الرئيس تبَون لتشكيل «غالبيته» البرلمانية التي ستدعم سياساته وكل مشاريعه، وبخاصة مشاريع القوانين التي يريدها لتعزيز سلطته الرئاسية في الولاية الأولى (2019 – 2024). وحلَ الرئيس «المجلس الوطني» مطلع الشهر الماضي، وفي رأيه أن ذلك «يستجيب لمطالب الحراك».
يقود «النداء» نزيه بن رمضان، المستشار في الرئاسة المكلف المجتمع المدني والمهاجرين الجزائريين في الخارج، وسبق له أن كان برلمانياً في حزب «الحركة الشعبية الجزائرية» الموالي للرئيس السابق. ورئيسه وزير التجارة سابقاً عمارة بن يونس، سُجن بتهم فساد بعد سقوط بوتفليقة.
أما «المسار» فيرأسه منذر بودن، قيادي «التجمع الوطني الديمقراطي» الذي يرأسه أحمد أويحيى، رئيس الوزراء ومدير مكتب بوتفليقة سابقاً، الذي يقضي حالياً عقوبة 12 سنة في السجن بتهم تبديد المال العام واستغلال النفوذ والتربّح غير المشروع. وفوق هذا، كان بودن ضمن طاقم حملة الولاية الخامسة لبوتفليقة التي أسقطها الحراك. ولقد دافع بن مضان عن «استقلال نداء الجزائر عن السلطة». وصرّح للإعلام بأن «المبادرة ليست لجنة مساندة لأي أحد، ويقودها أشخاص نزهاء ولا تشبه المبادرات السابقة، لكن هناك مَن يعمل على تهديم كل الروابط الهادفة إلى تغيير حقيقي، كما أنهم يهاجمون كل مسعى إيجابي».
المثير في الحركية السياسية التي يرعاها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، أن الذين يديرونها وجوه موروثة من العهد السابق، بينما يرفع هو «راية الجزائر الجديدة» و«القطيعة مع ممارسات الماضي ووجوهه»!... واللافت أيضاً أن تبّون أعاد إلى الواجهة، العديد من المسؤولين من فترة حكم بوتفليقة. فقبل أسابيع قليلة، أحدث تعديلاً جزئياً على حكومته، حمل تعيين علي بوغازي، قارئ خطب الرئيس السابق، وزيراً للسياحة. وكذلك أعاد إلى وزارة البيئة دليلة بوجمعة، التي شغلت هذا المنصب في الولاية الرابعة لبوتفليقة (2014 – 2019).
ومن ثم، كان أول من انتقد مسعى استبدال الأحزاب بالمجتمع المدني، في العمل السياسي، هو الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم». إذ ذكر الحزب في بيان له، أن «من خصائص المجتمع المدني المفيد، أن يكون متعاوناً مع محيطه الرسمي وغير الرسمي، ولكن ضمن وظيفته المجتمعية التشاركية، وليس الوظيفة السياسية التمثيلية». وأبرز أن المجتمع المدني «لا يستفيد من الدولة إلا ضمن قوانين مناسبة لحرية التأسيس والمبادرة، وضمن دعم يكون على أساس عقود برامجية شفافة، تمنح حسب الفاعلية لصالح المجتمع وليس لأغراض سياسية تفسده وتفسد المجتمع».
وأكد هذا الحزب الإسلامي أيضاً، أن «الممارسات المتكررة في التسخير السياسي لبعض منظمات المجتمع المدني، خصوصاً على مقربة من الانتخابات، ومحاولات تشكيل قوى ومبادرات جديدة بتشجيع من أطراف تتحدث باسم الدولة، مركزياً ومحلياً، هو ممارسة مكشوفة تذكرنا بأجواء سابقة معروفة العواقب، حيث ستفرز مرة أخرى فقاعات من الزبونية والسلوكيات الطفيلية والانتهازية التي لم ينفع البلد نظيراتها في وقت سابق، والمضرة بالعملية السياسية والمنفرة من الانتخابات، والخطيرة على حاضر ومستقبل البلاد». وفي هذا إشارة إلى ممارسات مشابهة ميّزت فترة حكم بوتفليقة، وذلك بإطلاق «لجان مساندة لبرنامج الرئيس»، كانت أحد أساسات حكم بوتفليقة وقوة ضاربة خلال حملاته في انتخابات الرئاسة، كما كانت دعامة للأحزاب الموالية للسلطة التي سيطرت على البرلمان لمدة 20 سنة.
- المجتمع المدني... جمعيات مساندة أم سلطة مضادة؟
يملك أستاذ التاريخ والناشط السياسي البارز محند ارزقي فرّاد، رؤية لهذا الموضوع. فقد كتب يقول «كثر حديث السلطة في الآونة الأخيرة حول مفهوم (المجتمع المدني)، فهل تفعل ذلك من أجل توعية المجتمع وتحريره وتنويره؟ أم من أجل المغالطة والالتفاف على مطالب الحراك الشعبي الهادفة إلى بناء منظومة سياسية جديدة، أساسها الحرية والعدل والقانون وسيادة الشعب؟».
وأضاف «لقد ترسّخ مفهوم المجتمع المدني في الثقافة الديمقراطية في العالم الحرّ، كقيمة من القيَم العاملة على حفظ توازن الدولة واحترام حقوق الإنسان وتكريس حق الاختلاف والحوار كوسيلة لمعالجة الخلافات. يُقصد بمفهوم المجتمع المدني تلك الجمعيات والنقابات والتنظيمات المتنوّعة، التي يشكلها الأفراد والجماعات للدفاع عن مصالح وقيم وأهداف مشتركة ولزرع أخلاق (الإيثار العام) في المجتمع، ويتم ذلك خارج نفوذ الدولة والحكومة. ومن ثمّ فهو (أي المجتمع المدنيّ) لا ينتمي إلى المجتمع السياسي الذي تشكل فيه الأحزاب السياسية عموده الفقري».
وبحسب فرَاد، أهمّ ما يميّز نشاط جمعيات ونقابات المجتمع المدني، هو «الاستقلالية بكل دلالاتها عن المجتمع السياسيّ، وكذا الطابع التطوّعي في خدمة الصالح العام (عمل خيري غير ربحيّ)، وهذا من أجل الحفاظ على قدرتها في التأثير على مراكز القرار السياسي بالنقد البناء، سواءً عن طريق الكتابة أو بالنشاط الميداني (مظاهرات/ إضرابات/ وقفات احتجاجية، وما إلى ذلك من أساليب النضال السلمية المضمونة بقوة الدساتير)».
ثم تابع «من سمات المجتمع المدني أيضاً، أنه ليس له طموح سياسي للوصول إلى السلطة، فهذه الأخيرة هي علّة وجود الأحزاب السياسية التي تنشأ أصلاً من أجل المنافسة الشريفة، للوصول إلى السلطة بإرادة الشعب. ويعتبر المجتمع المدني إحدى آليات الرقابة على المجتمع السياسيّ، بأدائه دور السلطة المضادة المراقبة للحكومات، ولمحاربة الفساد السياسيّ، ولدرء أخطار الانزلاق إلى أتون الممارسات الشمولية، كما تندرج (ثقافة الحوار) ضمن فلسفة المجتمع المدني كوسيلة لإيجاد الحلول للتناقضات التي تعتمل في أعماق المجتمع. هذه هي الرؤية الشاملة للمجتمع المدني وعلاقته بالمجتمع السياسي، وما عدا ذلك فهو يعتبر حالة استثنائية تندرج ضمن مقولة (الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه)».
وتساءل فرّاد «هل فهم حكامنا مصطلح (المجتمع المدنيّ) فهماً صحيحاً؟... توحي ممارسات السلطة العاملة على إعادة «رسكلة» فئة الانتهازيين الموالين للنظام السياسي - الذين تملؤهم ذهنية القطيع والعلف - أنّ الحكام عندنا يروّجون الفهم السقيم لمصطلح المجتمع المدني، عن عمد وسبق إصرار وبنيّة مخادعة الرأي العام؛ لذلك تراهم يختزلونه في كونه لجاناً مساندة للسلطة القائمة؛ وهذا ما يجعلني لا أستبعد احتمال توجيه الانتخابات البرلمانية القادمة، لصالح هذه الفئة التي دأب أصحابها على بيع ضمائرهم مقابل مغانم وامتيازات غير مشروعة».
وتابع «لعل ما يوحي بذلك جعجعة حديث السلطة عن لجان المساندة لها، والمنسوبة ظلماً وقسراً إلى المجتمع المدني، وقد صارت هذه الجعجعة تصمّ الآذان، من خلال أخبار القنوات الإعلامية العمومية المصادرة من طرف السلطة، وصار ممثلو هذه اللجان يصولون ويجولون في المنابر الإعلامية المسموعة والمرئية والمقروءة، في الوقت الذي يعاني فيه (حراك الشعب) من المقاطعة والإقصاء، كأن الشعب الجزائري لم يصنع ثورة بيضاء أثارت إعجاب العالم بوعيها وسلميتها!».
وأكد فرّاد، وهو قيادي سابق في «جبهة القوى الاشتراكية»، أقدم حزب معارض، أن «من آليات المخادعة الواردة في سياق توظيف مفهوم المجتمع المدني خارج سياقه الصحيح، مغازلة حكّامنا لبعض الشباب بعبارة (المشاركة السياسية) التي يختزلونها في الاستشارة والمساندة فقط، في حين أن المشاركة السياسية الحقيقية تتجسّد في رقابة المجتمع المدني للحكام وفي اختيارهم وفي إسقاطهم» ولفت هنا إلى ما تناوله الكاتب غسان الخالد في أحد مؤلفاته قائلاً «تعني المشاركة السياسية في الدولة الحديثة أن المجتمع المدني بتكويناته المختلفة، قادر على التأثير في اتخاذ القرارات ذات العلاقة المباشرة أو الطويلة الأمد بحياته ومصيره، قد يصل في حدّه الأقصى إلى عملية صياغة شكل الدولة نفسها، بما في ذلك اختيار النظام السياسي وانتخاب الحكومة ومحاسبتها وتغييرها بشكل دوريّ، في إطار تداول السلطة الخاضع للمحاسبة، وذلك من خلال الانتخابات القائمة على البرامج الانتخابية».
- دور الحراك في قلب المعادلة
هذا، وأمام إصرار الرئيس تبّون على تنفيذ خريطة الطريق المسطَرة قبل انتخابات الرئاسة، والتي أهم ما فيها تعديل الدستور (وقد تم) وتنظيم تشريعيات مبكّرة، يطرح قطاع من نشطاء الحراك إشكالية تحوَّله إلى حزب لينافس الأحزاب الموالية للسلطة في الانتخابات، وتكون لديه بالتالي فرصة لفرض رؤيته للتغيير في البرلمان. ولن يكون ذلك إلا باختيار ممثلين له، بحسب أصحاب هذا الطرح.
هنا يقول المحلل السياسي، محمد هنَاد عن هذه القضية «الحراك ليس تياراً سياسياً أو زعامات سياسية. إنه إرادة جماعية تسعى لفرض التغيير على السلطة ومختلف القوى السياسية من أجل قيام نظام سياسي يتماشى وروح العصر، نظام يشتغل بمؤسسات مشبَّعة بروح المواطنة وليس بولاءات، تاريخية كانت أو دينية. إن الذين يصرون على تمثيل الحراك، إما لأنهم لا يدركون مخاطره أو هم ممن يريدون إجهاضه - زرّاع فوضى وعناصر في أجهزة السلطة - أو لأنهم يريدون انتهاز فرصته تحقيقاً لطموحات سياسية؛ وهذا أمر متوقَّع على أي حال».
وأكد هنَاد أن «المشكل عندنا يكمن، أصلاً، في مواصلة اعتبار السياسة صراعاً من أجل الغلبة وليس من أجل التنافس على حسن الأداء في تدبير شؤون الجماعة الوطنية. من بين المشكلات التي تجعل مهمة السلطة الحالية في غاية الصعوبة؛ كونها فاقدة للمشروعية لأنها لم تأتِ نتيجة انتخاب حقيقية، بل نتيجة أجندة انفرادية. كذاك، لا بد ألا ننسى الظروف التي تمت فيها الانتخابات الرئاسية. من الواضح أنها كانت انتخابات منقوصة المشروعية، وذلك لثلاثة أسباب: أولاً، تم تنظيمها رغم أنف الحراك. ثانياً، نسبة المشاركة فيها كانت هزيلة، لا سيما بالنظر إلى الوضع الحرج الذي كانت الجزائر تمر به. ثالثاً، هناك منطقة بأكملها (منطقة القبائل) من الوطن لم تنتخب! فكيف يمكن للرئيس الحالي أن يفكر في زيارتها يوماً ما؟».
من جهته، كتب الصحافي نجيب بلحيمر، الذي يوصف بـ«كاتب الحراك»، على حسابه بـ«فيسبوك»، قائلاً «تعلم السلطة جيداً أنها لا تملك الموارد والكفاءات التي تسمح لها بتسيير المرحلة بطريقة آمنة. كل ما تعِد به هو مزيد من الانتخابات الفاقدة للمصداقية والعاجزة عن إبداع حلول. ولأنها لا تملك أي رؤية ولا تستطيع أن تفكر في تغيير الاتجاه؛ فإنها ستعيد العمل بخيارات قديمة أثبتت فشلها منذ سنوات، لكنها تحولت منذ سنتين إلى السير فوق رمال متحركة».
وأردف «لا تمثل السلمية (الطابع السلمي للمظاهرات) أي خطر على البلاد، فهي التنبيه الذي يصدر من جزائريين يعنيهم شأن وطنهم. لكن في مقابلها تمثل السلطة الحاكمة تهديداً حقيقياً لاستقرار الجزائر ومستقبلها؛ فالمظاهرات لم تمنع الحكومة من أداء مهامها، ولم تمنع المسؤول الأول في البلاد من إظهار الحد الأدنى من الأهلية لتولي المنصب الذي يشغله، وهي لم تمنع وسائل الإعلام الواقعة تحت سيطرة السلطة من إقناع الناس. والذين يشتغلون منذ أكثر من سنة بالحديث عن نهاية الحراك، عليهم أن يبشّروا الجزائريين بما هو أفضل منه، أو يساعدوا السلطة بما أوتوا من حكمة».
ثم تابع «الخراب السياسي الذي خلفته ثلاثة عقود من الاستبداد والرداءة، أفرغ السياسة من المعنى. والقواعد التي فرضها نظام حكم لم يشارك الجزائريون في صياغته ولم يكونوا أبداً طرفاً فيه، انتهت صلاحيتها اليوم، وما تدفع باتجاهه السلطة اليوم هو حالة من (استحالة الحكم) لا ينبه إلى خطورتها إلا هذا الشارع، الذي قررت فئة من الجزائريين أن تبقيه مفتوحاً كفضاء وحيد متاح للتعبير الحر والكفاح من أجل المواطنة».
> أهم المحطات منذ بداية الحراك الشعبي الجزائري
- 22 فبراير (شباط) 2019: خروج الجزائريين إلى الشارع للاحتجاج على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
- 02 أبريل (نيسان): بوتفليقة يقدم استقالته لرئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، بعدما أمره رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح بالتنحّي في اليوم نفسه، وذلك خلال اجتماعه بقادة النواحي العسكرية وكوادر وزارة الدفاع.
- 09 أبريل: تعيين رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيساً للدولة، لمدة 90 يوماً وفقاً للمادة 102 من الدستور، بعدما أعلن رسمياً الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية إثر استقالة عبد العزيز بوتفليقة.
- 02 سبتمبر (أيلول): رئيس أركان الجيش يصرّح بأنه «يستحسن» أن يكون استدعاء الهيئة الانتخابية تحسباً للاقتراع الرئاسي في يوم 15 من الشهر نفسه. وبذلك جرى تحديد تاريخ الاستحقاق بعد 3 أشهر كما ينص عليه الدستور.
- 12 ديسمبر (كانون الأول): إجراء انتخابات الرئاسة بترشح 6 شخصيات سياسية. ولقد بلغت نسبة التصويت 38.9 في المائة. وعلى الأثر أعلن فوز عبد المجيد تبّون بحصوله على نسبة 58.2 في المائة من الأصوات.
- في 23 ديسمبر: وفاة قائد الجيش الفريق قايد صالح بسكتة قلبية. وعُدّ غيابه «خسارة للجناح المعادي للمتنفذين المتشبّعين بالثقافة الفرنكفونية في الحكم».
- 8 يناير (كانون الثاني) 2020: تبّون يكلف لجنة خبراء مكوّنة من 17 عضواً، بقيادة الخبير الدستوري الدولي أحمد لعرابة، بإعداد مسوّدة دستور جديد، خلال 3 أشهر كحد أقصى. وتضمنت المسوّدة اقتراحات عديدة، أهمها: استحداث منصب نائب للرئيس، وتوسيع صلاحيات رئيس الحكومة، ورفع الحظر عن تنفيذ الجيش عمليات خارج الحدود للمرة الأولى.
- 4 يوليو (تموز): الرئيس يعلن رغبته إجراء استفتاء حول التعديل الدستوري.
- 19 سبتمبر: تجمع لداعمي الرئيس تمخّض عن مولد «تكتل المسار الجديد».
- 01 نوفمبر (تشرين الثاني): إجراء استفتاء تعديل الدستور. وبلغت فيه نسبة المشاركة 23 في المائة.
- 03 نوفمبر: الرئاسة تعلن إصابة الرئيس تبّون بفيروس «كوفيد – 19». ولقد نقل بعد ثلاثة أيام إلى ألمانيا لتلقي العلاج. استشفاء الرئيس استغرق 3 أشهر. وعاد مطلع عام 2021 للتوقيع على قانون الموازنة، وعلى مرسوم التعديل الدستوري. لكنه بعد أسبوعين، عاد إلى ألمانيا لإجراء عملية جراحية على رجله بسبب تبعات الإصابة بالفيروس.
- 18 فبراير 2021: تبّون يعلن حل «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى)، ولاحقاً دعا لانتخابات برلمانية وحدّد يوم 12 يونيو (حزيران) تاريخاً لها.
- 6 مارس (آذار): انعقاد اجتماع كبير لداعمي سياسة الرئيس، انتهى بالإعلان عن تكتل للمجتمع المدني سُمّي «نداء الوطن».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.