الجزائر: خطة تبون لطي «المرحلة البوتفليقية»

«المجتمع المدني»... بديلاً للأحزاب التقليدية لكن بوجوه قديمة

الجزائر: خطة تبون لطي «المرحلة البوتفليقية»
TT

الجزائر: خطة تبون لطي «المرحلة البوتفليقية»

الجزائر: خطة تبون لطي «المرحلة البوتفليقية»

يسيطر على المشهد السياسي في الجزائر حالياً، نشاط غير عادي لتنظيمات ما يسمى «المجتمع المدني»، لاكتساح انتخابات البرلمان المبكّرة المقررة يوم 12 يونيو (حزيران) المقبل. وتنظر غالبية الأحزاب، بما فيها الموالية للسلطة، بعين الريبة للقضية لقناعة لديها بأن الرئاسة تبحث عن تشكيل غالبية برلمانية لصالح الرئيس عبد المجيد تبّون، خارج الأحزاب السياسية، وهذا بعكس ما دأبت عليه السلطة في الـ20 سنة الماضية.
«نداء الوطن» و«المسار الجديد»... تكتلان كبيران يضمان المئات من الجمعيات الصغيرة والنقابات والناشطين في الأحياء الشعبية في مجالات الثقافة والعمل الخيري الجواري، أطلقتهما الرئاسة خلال الأشهر الماضية بغرض إعداد لوائح الترشيحات؛ تحسباً لانتخابات البرلمان المقررة بعد ثلاثة أشهر. ويرتقب أن يكتسح المنتسبون لهذين الكيانين، «المجلس الشعبي الوطني» في نسخته الجديدة، ويعوَل عليهما الرئيس تبَون لتشكيل «غالبيته» البرلمانية التي ستدعم سياساته وكل مشاريعه، وبخاصة مشاريع القوانين التي يريدها لتعزيز سلطته الرئاسية في الولاية الأولى (2019 – 2024). وحلَ الرئيس «المجلس الوطني» مطلع الشهر الماضي، وفي رأيه أن ذلك «يستجيب لمطالب الحراك».
يقود «النداء» نزيه بن رمضان، المستشار في الرئاسة المكلف المجتمع المدني والمهاجرين الجزائريين في الخارج، وسبق له أن كان برلمانياً في حزب «الحركة الشعبية الجزائرية» الموالي للرئيس السابق. ورئيسه وزير التجارة سابقاً عمارة بن يونس، سُجن بتهم فساد بعد سقوط بوتفليقة.
أما «المسار» فيرأسه منذر بودن، قيادي «التجمع الوطني الديمقراطي» الذي يرأسه أحمد أويحيى، رئيس الوزراء ومدير مكتب بوتفليقة سابقاً، الذي يقضي حالياً عقوبة 12 سنة في السجن بتهم تبديد المال العام واستغلال النفوذ والتربّح غير المشروع. وفوق هذا، كان بودن ضمن طاقم حملة الولاية الخامسة لبوتفليقة التي أسقطها الحراك. ولقد دافع بن مضان عن «استقلال نداء الجزائر عن السلطة». وصرّح للإعلام بأن «المبادرة ليست لجنة مساندة لأي أحد، ويقودها أشخاص نزهاء ولا تشبه المبادرات السابقة، لكن هناك مَن يعمل على تهديم كل الروابط الهادفة إلى تغيير حقيقي، كما أنهم يهاجمون كل مسعى إيجابي».
المثير في الحركية السياسية التي يرعاها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، أن الذين يديرونها وجوه موروثة من العهد السابق، بينما يرفع هو «راية الجزائر الجديدة» و«القطيعة مع ممارسات الماضي ووجوهه»!... واللافت أيضاً أن تبّون أعاد إلى الواجهة، العديد من المسؤولين من فترة حكم بوتفليقة. فقبل أسابيع قليلة، أحدث تعديلاً جزئياً على حكومته، حمل تعيين علي بوغازي، قارئ خطب الرئيس السابق، وزيراً للسياحة. وكذلك أعاد إلى وزارة البيئة دليلة بوجمعة، التي شغلت هذا المنصب في الولاية الرابعة لبوتفليقة (2014 – 2019).
ومن ثم، كان أول من انتقد مسعى استبدال الأحزاب بالمجتمع المدني، في العمل السياسي، هو الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم». إذ ذكر الحزب في بيان له، أن «من خصائص المجتمع المدني المفيد، أن يكون متعاوناً مع محيطه الرسمي وغير الرسمي، ولكن ضمن وظيفته المجتمعية التشاركية، وليس الوظيفة السياسية التمثيلية». وأبرز أن المجتمع المدني «لا يستفيد من الدولة إلا ضمن قوانين مناسبة لحرية التأسيس والمبادرة، وضمن دعم يكون على أساس عقود برامجية شفافة، تمنح حسب الفاعلية لصالح المجتمع وليس لأغراض سياسية تفسده وتفسد المجتمع».
وأكد هذا الحزب الإسلامي أيضاً، أن «الممارسات المتكررة في التسخير السياسي لبعض منظمات المجتمع المدني، خصوصاً على مقربة من الانتخابات، ومحاولات تشكيل قوى ومبادرات جديدة بتشجيع من أطراف تتحدث باسم الدولة، مركزياً ومحلياً، هو ممارسة مكشوفة تذكرنا بأجواء سابقة معروفة العواقب، حيث ستفرز مرة أخرى فقاعات من الزبونية والسلوكيات الطفيلية والانتهازية التي لم ينفع البلد نظيراتها في وقت سابق، والمضرة بالعملية السياسية والمنفرة من الانتخابات، والخطيرة على حاضر ومستقبل البلاد». وفي هذا إشارة إلى ممارسات مشابهة ميّزت فترة حكم بوتفليقة، وذلك بإطلاق «لجان مساندة لبرنامج الرئيس»، كانت أحد أساسات حكم بوتفليقة وقوة ضاربة خلال حملاته في انتخابات الرئاسة، كما كانت دعامة للأحزاب الموالية للسلطة التي سيطرت على البرلمان لمدة 20 سنة.
- المجتمع المدني... جمعيات مساندة أم سلطة مضادة؟
يملك أستاذ التاريخ والناشط السياسي البارز محند ارزقي فرّاد، رؤية لهذا الموضوع. فقد كتب يقول «كثر حديث السلطة في الآونة الأخيرة حول مفهوم (المجتمع المدني)، فهل تفعل ذلك من أجل توعية المجتمع وتحريره وتنويره؟ أم من أجل المغالطة والالتفاف على مطالب الحراك الشعبي الهادفة إلى بناء منظومة سياسية جديدة، أساسها الحرية والعدل والقانون وسيادة الشعب؟».
وأضاف «لقد ترسّخ مفهوم المجتمع المدني في الثقافة الديمقراطية في العالم الحرّ، كقيمة من القيَم العاملة على حفظ توازن الدولة واحترام حقوق الإنسان وتكريس حق الاختلاف والحوار كوسيلة لمعالجة الخلافات. يُقصد بمفهوم المجتمع المدني تلك الجمعيات والنقابات والتنظيمات المتنوّعة، التي يشكلها الأفراد والجماعات للدفاع عن مصالح وقيم وأهداف مشتركة ولزرع أخلاق (الإيثار العام) في المجتمع، ويتم ذلك خارج نفوذ الدولة والحكومة. ومن ثمّ فهو (أي المجتمع المدنيّ) لا ينتمي إلى المجتمع السياسي الذي تشكل فيه الأحزاب السياسية عموده الفقري».
وبحسب فرَاد، أهمّ ما يميّز نشاط جمعيات ونقابات المجتمع المدني، هو «الاستقلالية بكل دلالاتها عن المجتمع السياسيّ، وكذا الطابع التطوّعي في خدمة الصالح العام (عمل خيري غير ربحيّ)، وهذا من أجل الحفاظ على قدرتها في التأثير على مراكز القرار السياسي بالنقد البناء، سواءً عن طريق الكتابة أو بالنشاط الميداني (مظاهرات/ إضرابات/ وقفات احتجاجية، وما إلى ذلك من أساليب النضال السلمية المضمونة بقوة الدساتير)».
ثم تابع «من سمات المجتمع المدني أيضاً، أنه ليس له طموح سياسي للوصول إلى السلطة، فهذه الأخيرة هي علّة وجود الأحزاب السياسية التي تنشأ أصلاً من أجل المنافسة الشريفة، للوصول إلى السلطة بإرادة الشعب. ويعتبر المجتمع المدني إحدى آليات الرقابة على المجتمع السياسيّ، بأدائه دور السلطة المضادة المراقبة للحكومات، ولمحاربة الفساد السياسيّ، ولدرء أخطار الانزلاق إلى أتون الممارسات الشمولية، كما تندرج (ثقافة الحوار) ضمن فلسفة المجتمع المدني كوسيلة لإيجاد الحلول للتناقضات التي تعتمل في أعماق المجتمع. هذه هي الرؤية الشاملة للمجتمع المدني وعلاقته بالمجتمع السياسي، وما عدا ذلك فهو يعتبر حالة استثنائية تندرج ضمن مقولة (الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه)».
وتساءل فرّاد «هل فهم حكامنا مصطلح (المجتمع المدنيّ) فهماً صحيحاً؟... توحي ممارسات السلطة العاملة على إعادة «رسكلة» فئة الانتهازيين الموالين للنظام السياسي - الذين تملؤهم ذهنية القطيع والعلف - أنّ الحكام عندنا يروّجون الفهم السقيم لمصطلح المجتمع المدني، عن عمد وسبق إصرار وبنيّة مخادعة الرأي العام؛ لذلك تراهم يختزلونه في كونه لجاناً مساندة للسلطة القائمة؛ وهذا ما يجعلني لا أستبعد احتمال توجيه الانتخابات البرلمانية القادمة، لصالح هذه الفئة التي دأب أصحابها على بيع ضمائرهم مقابل مغانم وامتيازات غير مشروعة».
وتابع «لعل ما يوحي بذلك جعجعة حديث السلطة عن لجان المساندة لها، والمنسوبة ظلماً وقسراً إلى المجتمع المدني، وقد صارت هذه الجعجعة تصمّ الآذان، من خلال أخبار القنوات الإعلامية العمومية المصادرة من طرف السلطة، وصار ممثلو هذه اللجان يصولون ويجولون في المنابر الإعلامية المسموعة والمرئية والمقروءة، في الوقت الذي يعاني فيه (حراك الشعب) من المقاطعة والإقصاء، كأن الشعب الجزائري لم يصنع ثورة بيضاء أثارت إعجاب العالم بوعيها وسلميتها!».
وأكد فرّاد، وهو قيادي سابق في «جبهة القوى الاشتراكية»، أقدم حزب معارض، أن «من آليات المخادعة الواردة في سياق توظيف مفهوم المجتمع المدني خارج سياقه الصحيح، مغازلة حكّامنا لبعض الشباب بعبارة (المشاركة السياسية) التي يختزلونها في الاستشارة والمساندة فقط، في حين أن المشاركة السياسية الحقيقية تتجسّد في رقابة المجتمع المدني للحكام وفي اختيارهم وفي إسقاطهم» ولفت هنا إلى ما تناوله الكاتب غسان الخالد في أحد مؤلفاته قائلاً «تعني المشاركة السياسية في الدولة الحديثة أن المجتمع المدني بتكويناته المختلفة، قادر على التأثير في اتخاذ القرارات ذات العلاقة المباشرة أو الطويلة الأمد بحياته ومصيره، قد يصل في حدّه الأقصى إلى عملية صياغة شكل الدولة نفسها، بما في ذلك اختيار النظام السياسي وانتخاب الحكومة ومحاسبتها وتغييرها بشكل دوريّ، في إطار تداول السلطة الخاضع للمحاسبة، وذلك من خلال الانتخابات القائمة على البرامج الانتخابية».
- دور الحراك في قلب المعادلة
هذا، وأمام إصرار الرئيس تبّون على تنفيذ خريطة الطريق المسطَرة قبل انتخابات الرئاسة، والتي أهم ما فيها تعديل الدستور (وقد تم) وتنظيم تشريعيات مبكّرة، يطرح قطاع من نشطاء الحراك إشكالية تحوَّله إلى حزب لينافس الأحزاب الموالية للسلطة في الانتخابات، وتكون لديه بالتالي فرصة لفرض رؤيته للتغيير في البرلمان. ولن يكون ذلك إلا باختيار ممثلين له، بحسب أصحاب هذا الطرح.
هنا يقول المحلل السياسي، محمد هنَاد عن هذه القضية «الحراك ليس تياراً سياسياً أو زعامات سياسية. إنه إرادة جماعية تسعى لفرض التغيير على السلطة ومختلف القوى السياسية من أجل قيام نظام سياسي يتماشى وروح العصر، نظام يشتغل بمؤسسات مشبَّعة بروح المواطنة وليس بولاءات، تاريخية كانت أو دينية. إن الذين يصرون على تمثيل الحراك، إما لأنهم لا يدركون مخاطره أو هم ممن يريدون إجهاضه - زرّاع فوضى وعناصر في أجهزة السلطة - أو لأنهم يريدون انتهاز فرصته تحقيقاً لطموحات سياسية؛ وهذا أمر متوقَّع على أي حال».
وأكد هنَاد أن «المشكل عندنا يكمن، أصلاً، في مواصلة اعتبار السياسة صراعاً من أجل الغلبة وليس من أجل التنافس على حسن الأداء في تدبير شؤون الجماعة الوطنية. من بين المشكلات التي تجعل مهمة السلطة الحالية في غاية الصعوبة؛ كونها فاقدة للمشروعية لأنها لم تأتِ نتيجة انتخاب حقيقية، بل نتيجة أجندة انفرادية. كذاك، لا بد ألا ننسى الظروف التي تمت فيها الانتخابات الرئاسية. من الواضح أنها كانت انتخابات منقوصة المشروعية، وذلك لثلاثة أسباب: أولاً، تم تنظيمها رغم أنف الحراك. ثانياً، نسبة المشاركة فيها كانت هزيلة، لا سيما بالنظر إلى الوضع الحرج الذي كانت الجزائر تمر به. ثالثاً، هناك منطقة بأكملها (منطقة القبائل) من الوطن لم تنتخب! فكيف يمكن للرئيس الحالي أن يفكر في زيارتها يوماً ما؟».
من جهته، كتب الصحافي نجيب بلحيمر، الذي يوصف بـ«كاتب الحراك»، على حسابه بـ«فيسبوك»، قائلاً «تعلم السلطة جيداً أنها لا تملك الموارد والكفاءات التي تسمح لها بتسيير المرحلة بطريقة آمنة. كل ما تعِد به هو مزيد من الانتخابات الفاقدة للمصداقية والعاجزة عن إبداع حلول. ولأنها لا تملك أي رؤية ولا تستطيع أن تفكر في تغيير الاتجاه؛ فإنها ستعيد العمل بخيارات قديمة أثبتت فشلها منذ سنوات، لكنها تحولت منذ سنتين إلى السير فوق رمال متحركة».
وأردف «لا تمثل السلمية (الطابع السلمي للمظاهرات) أي خطر على البلاد، فهي التنبيه الذي يصدر من جزائريين يعنيهم شأن وطنهم. لكن في مقابلها تمثل السلطة الحاكمة تهديداً حقيقياً لاستقرار الجزائر ومستقبلها؛ فالمظاهرات لم تمنع الحكومة من أداء مهامها، ولم تمنع المسؤول الأول في البلاد من إظهار الحد الأدنى من الأهلية لتولي المنصب الذي يشغله، وهي لم تمنع وسائل الإعلام الواقعة تحت سيطرة السلطة من إقناع الناس. والذين يشتغلون منذ أكثر من سنة بالحديث عن نهاية الحراك، عليهم أن يبشّروا الجزائريين بما هو أفضل منه، أو يساعدوا السلطة بما أوتوا من حكمة».
ثم تابع «الخراب السياسي الذي خلفته ثلاثة عقود من الاستبداد والرداءة، أفرغ السياسة من المعنى. والقواعد التي فرضها نظام حكم لم يشارك الجزائريون في صياغته ولم يكونوا أبداً طرفاً فيه، انتهت صلاحيتها اليوم، وما تدفع باتجاهه السلطة اليوم هو حالة من (استحالة الحكم) لا ينبه إلى خطورتها إلا هذا الشارع، الذي قررت فئة من الجزائريين أن تبقيه مفتوحاً كفضاء وحيد متاح للتعبير الحر والكفاح من أجل المواطنة».
> أهم المحطات منذ بداية الحراك الشعبي الجزائري
- 22 فبراير (شباط) 2019: خروج الجزائريين إلى الشارع للاحتجاج على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
- 02 أبريل (نيسان): بوتفليقة يقدم استقالته لرئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، بعدما أمره رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح بالتنحّي في اليوم نفسه، وذلك خلال اجتماعه بقادة النواحي العسكرية وكوادر وزارة الدفاع.
- 09 أبريل: تعيين رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيساً للدولة، لمدة 90 يوماً وفقاً للمادة 102 من الدستور، بعدما أعلن رسمياً الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية إثر استقالة عبد العزيز بوتفليقة.
- 02 سبتمبر (أيلول): رئيس أركان الجيش يصرّح بأنه «يستحسن» أن يكون استدعاء الهيئة الانتخابية تحسباً للاقتراع الرئاسي في يوم 15 من الشهر نفسه. وبذلك جرى تحديد تاريخ الاستحقاق بعد 3 أشهر كما ينص عليه الدستور.
- 12 ديسمبر (كانون الأول): إجراء انتخابات الرئاسة بترشح 6 شخصيات سياسية. ولقد بلغت نسبة التصويت 38.9 في المائة. وعلى الأثر أعلن فوز عبد المجيد تبّون بحصوله على نسبة 58.2 في المائة من الأصوات.
- في 23 ديسمبر: وفاة قائد الجيش الفريق قايد صالح بسكتة قلبية. وعُدّ غيابه «خسارة للجناح المعادي للمتنفذين المتشبّعين بالثقافة الفرنكفونية في الحكم».
- 8 يناير (كانون الثاني) 2020: تبّون يكلف لجنة خبراء مكوّنة من 17 عضواً، بقيادة الخبير الدستوري الدولي أحمد لعرابة، بإعداد مسوّدة دستور جديد، خلال 3 أشهر كحد أقصى. وتضمنت المسوّدة اقتراحات عديدة، أهمها: استحداث منصب نائب للرئيس، وتوسيع صلاحيات رئيس الحكومة، ورفع الحظر عن تنفيذ الجيش عمليات خارج الحدود للمرة الأولى.
- 4 يوليو (تموز): الرئيس يعلن رغبته إجراء استفتاء حول التعديل الدستوري.
- 19 سبتمبر: تجمع لداعمي الرئيس تمخّض عن مولد «تكتل المسار الجديد».
- 01 نوفمبر (تشرين الثاني): إجراء استفتاء تعديل الدستور. وبلغت فيه نسبة المشاركة 23 في المائة.
- 03 نوفمبر: الرئاسة تعلن إصابة الرئيس تبّون بفيروس «كوفيد – 19». ولقد نقل بعد ثلاثة أيام إلى ألمانيا لتلقي العلاج. استشفاء الرئيس استغرق 3 أشهر. وعاد مطلع عام 2021 للتوقيع على قانون الموازنة، وعلى مرسوم التعديل الدستوري. لكنه بعد أسبوعين، عاد إلى ألمانيا لإجراء عملية جراحية على رجله بسبب تبعات الإصابة بالفيروس.
- 18 فبراير 2021: تبّون يعلن حل «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى)، ولاحقاً دعا لانتخابات برلمانية وحدّد يوم 12 يونيو (حزيران) تاريخاً لها.
- 6 مارس (آذار): انعقاد اجتماع كبير لداعمي سياسة الرئيس، انتهى بالإعلان عن تكتل للمجتمع المدني سُمّي «نداء الوطن».



خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.