دمشق تضيع... والليرة تتدهور

بائع بمحل في السوق القديمة بالعاصمة السورية دمشق (إ.ب.أ)
بائع بمحل في السوق القديمة بالعاصمة السورية دمشق (إ.ب.أ)
TT

دمشق تضيع... والليرة تتدهور

بائع بمحل في السوق القديمة بالعاصمة السورية دمشق (إ.ب.أ)
بائع بمحل في السوق القديمة بالعاصمة السورية دمشق (إ.ب.أ)

في اللحظات الحاسمة، يبدو الكلام مجرد تعبير وظيفي لسبق صحافي. لكن الحقيقة الآن؛ مختلفة تماماً. لحظة حاسمة ضاعت فيها دمشق.
جولة في شوارع دمشق، تكشف وجوهاً صفراء وأجساداً مهدودة يكاد يرتطم بعضها ببعض. صمت مدوٍ، باعة المحال التجارية، خصوصاً «اللحَّامين (الجزارون)»، واقفون على عتبات محالهم، مكسورو الخاطر. كيلو الموز بثلاثة آلاف وخمسمائة ليرة. قبل يوم، كان بـ2500. من السخرية بمكان الإشارة إلى سعر الموز في بلد اعترفت الأمم المتحدة بأن تسعة من كل عشرة سوريين فيه تحت خط الفقر. لكن الموز بصمة سورية خاصة وخالصة... بصمة حرمان أصيلة، منذ ثمانينات القرن الماضي وهو يوازي حلماً ذهبياً لأهل سوريا.
امرأة في وسط «ساحة العباسيين»، حافية، نحيلة، ترتدي رداء من النايلون الرقيق الملون والقذر، تصرخ، لا تتسول. تصرخ بصوت يشق صخب الصدمة: «بدنا نأكل». من نحن؟ ومن هم؟ ولماذا صوتها قوي إلى هذه الدرجة. الاقتراب منها يكشف عن آثار عنف على وجهها، عينها اليمنى متورمة، تمشي على غير هدى في منتصف الشارع والسيارات العابرة تتحاشاها.
قرب «المستشفى الفرنسي»، طفلة مصبوغة الفم بالشوكولاته وبيدها مائة ليرة. تسأل: «أين أهلك؟». تجيب: «ما عندي أهل». لا يتجاوز سنها الخامسة من العمر. شعرها مسرّح وملابسها بالية لكنها محكمة الالتصاق بجسدها.
ثمة قاعدة عامة يجب تثبيتها. عليها أن تكرر رواية أنها بلا أهل لتحصل على المال.
في زوايا الشوارع، عشرات البشر ينتظرون فرصة بمكان لقدمهم في «باص» النقل الداخلي. يصرخ السائق بالبشر ليشغلوا منتصف الباص ويفسحوا المجال لركاب جدد للصعود، تصرخ النسوة: «مشان الله طلعوا، ورانا ولاد بالبيت». عندما يسأل صاحب متجر عن سعر عبوة سائل الجلي، يجيبن بأنه لا يعرف والتجار لا يردون على الهواتف. لا أسعار في المدينة اليوم، كيلو الأرز الإسباني ارتفع ثمنه ألفي ليرة خلال يومين. أمر لا يصدق، حتى الباعة لا يصدقون، يخافون من الانهيار حيث لا يمكنهم غداً تعويض أي مادة تباع اليوم.
يتشاجر رجل وزوجته في منتصف السوق. هي تريد السؤال عن سعر حذاء لأمها. ينعتها بـ«المجنونة». تشتمه، وتقفز إلى الرصيف المقابل وهي تبكي... ويفترقان.
على أحد الأرصفة، تفرد سيدة أرغفة «الخبز المدعوم». تقسم الرغيف إلى قسمين، تخاطب ابنها الصغير، قائلة: «نصف رغيف بس حصتك باليوم». يسحب نصفاً من بين يديها، يبدأ بأكله، يطمئنها قائلاً: «أعرف أني خلصت حصتي اليوم».
في «مؤسسة الخضار» الحكومية، ازدحام لفرق الأسعار نسبياً عن المحال التجارية. ثمة خضراوات تالفة في صناديق بلاستيكية على مدخل المؤسسة، تبادر سيدة للحصول على بعض حبات بطاطا وبندورة متهرئة، يعتذر منها الموظف ويقول لها: «سيأتي المتعهد لأخذها بعد قليل، لقد اشتراها ودفع ثمنها».
على كوة الصراف التجاري، هناك من يحاول مراراً وتكراراً إقناع المتقاعد العجوز بأن «المنحة المالية» لم تصدر بعد، ولم تصل إلى الصراف الآلي. هو مصرّ على أنهم قد أمروا بصرفها، لكن تتطلب حسابات محددة قبل توزيعها خصوصاً لأن بعض الرواتب التقاعدية مقسمة على الورثة وليست لشخص واحد. يد المساعدة تمد له أكثر من مرة بوضع بطاقته لإقناعه بأن حسابه صفري، وهو مصرّ على البقاء بلما بعد الثانية عشرة ظهراً علّها تصل ليشتري دواءه.
على باب إحدى الصيدليات تبارك سيدة لشقيقتها بأنها وحيدة وبلا زوج، تقول لها ساخرة: «حتى دواء الإسهال يريد مقاسمته معي وبطنه قاسية كالصخر». ترد رسالة بأن أصعب ما في الإصابة بـ«كوفيد19»، الاضطرار لشراء دواء لكل العائلة، تقول سيدة بثقة: «تمرض وحدك. تموت وحدك. التوفير مطلوب حتى في الموت».
طالبا مدرسة إعدادية، يقول أحدهما للآخر: «ما في أكل بالبيت. الناس تأكل ولا تشبع، ولكن نصف الشبع أهون من الجوع».
على شارة مرور شارع حلب في دمشق، تتوقف سيارة شاحنة لإفراغ إطارات متهرئة. يتعرقل السير، يعلو صوت الزمامير والحركة متوقفة، يشتم السائقون بعضهم بعضاً. يترجل البعض لمهاجمة سائق الشاحنة، مجموعة من الفتيات وطلاب المدارس، يقتربون من مركز الاختناق، يصرخ أحد الشباب: «تخانقوا». ينهالون على بعضهم باللكمات وهم يضحكون، يتحول العراك التنفيسي المشحون بالعبث إلى مشاجرة حقيقية. تضيع الطاسة، الجميع يشارك بالضرب والشتم، حتى الفتيات بدأن بـ«التصفير» والسخرية ليصبح العراك واقعاً، لا أحد يفكر برد أحد عن الآخر.
تضيع دمشق. تقول الليرة كلمتها كالرصاصة، تسعة من كل عشرة سوريين تحت خط الفقر. الأول والعاشر هما الدريئة وخط الضياع الممتد إلى اللامعقول. دمشق تضيع، والضياع أبسط من فكرة وأقوى من بلد.



قتيلان جراء هجوم حوثي على سفينة شحن في البحر الأحمر

تصاعد الدخان من السفينة التجارية بعد أن أصيبت بصاروخ حوثي مضاد للسفن في خليج عدن يناير 2024 (أرشيفية - رويترز)
تصاعد الدخان من السفينة التجارية بعد أن أصيبت بصاروخ حوثي مضاد للسفن في خليج عدن يناير 2024 (أرشيفية - رويترز)
TT

قتيلان جراء هجوم حوثي على سفينة شحن في البحر الأحمر

تصاعد الدخان من السفينة التجارية بعد أن أصيبت بصاروخ حوثي مضاد للسفن في خليج عدن يناير 2024 (أرشيفية - رويترز)
تصاعد الدخان من السفينة التجارية بعد أن أصيبت بصاروخ حوثي مضاد للسفن في خليج عدن يناير 2024 (أرشيفية - رويترز)

قال وفد ليبيريا خلال اجتماع للمنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، إن اثنين من أفراد طاقم سفينة الشحن «إتيرنيتي سي» التي ترفع علم ليبيريا وتشغلها شركة يونانية لقيا حتفهما جراء هجوم بزوارق مسيرة وقوارب سريعة قبالة اليمن.

وهذه هي المرة الأولى منذ يونيو (حزيران) 2024 التي يقتل فيها بحارة في هجمات على سفن في البحر الأحمر، ليرتفع إجمالي قتلى هذه الهجمات إلى ستة.

ولا تزال سفينة شحن تتعرض لهجوم متواصل منذ أمس، في البحر الأحمر قبالة سواحل اليمن، مما خلّف «أضراراً جسيمة» فيها، وفق ما أفادت به هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم.

وفي تحديث لتقريرها عن الحادثة، قالت الهيئة: «تعرضت السفينة لأضرار جسيمة وفقدت قوة الدفع... وهي محاطة بزوارق صغيرة وتتعرض لهجوم متواصل»، مضيفةً أن «السلطات تحقق في الأمر».

وأعلن الحوثيون في اليمن، أمس، مسؤوليتهم عن أول هجوم على الشحن التجاري هذا العام، والذي استهدف «ماجيك سيز»، ما أثار مخاوف من استئناف المتمردين المدعومين من إيران، حملتهم في الممر البحري الحيوي.

ومساء أمس، أبلغت الهيئة الأمنية البريطانية «آمبري» عن تعرض سفينة شحن ترفع علم ليبيريا لهجوم دون ذكر اسمها. كما أشارت «آمبري» إلى أن تقييم سفينة الشحن «يتوافق مع أهداف الحوثي المألوفة».

ورغم الهدنة مع الأميركيين، أكّد الحوثيون في مايو (أيار) أنّ السفن الإسرائيلية أو التي تربطها صلة بإسرائيل، ستبقى «عرضة للاستهداف» في الممرات المائية قبالة اليمن، بما فيها البحر الأحمر وخليج عدن. وبعد ساعات من هجوم الأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي فجر اليوم، أنه قصف أهدافاً في مدينة الحديدة الساحلية ومناطق أخرى في اليمن تقع تحت سيطرة الحوثيين، الذين ردّوا لاحقاً بإطلاق صواريخ باتجاه الدولة العبرية.

وقالت إسرائيل إن طائراتها المقاتلة «ضربت ودمرت بنى تحتية» في مواني الحديدة ورأس عيسى والصليف ردّاً على هجمات الحوثيين المتكررة.

ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» في غزة إثر هجوم غير مسبوق شنّته الحركة على الدولة العبرية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، نفّذ الحوثيون عشرات الهجمات الصاروخية ضدّ إسرائيل وضدّ سفن في البحر الأحمر أكّدوا ارتباطها بإسرائيل في إطار إسنادهم للفلسطينيين.

وردّت إسرائيل بتنفيذ عدة ضربات على مواقع سيطرة الحوثيين في اليمن، بما فيها المواني ومطار العاصمة صنعاء.