أوبرا كويتية تحكي ملحمة وطنية بكوادر محلية

الأولى خليجيا والثانية عربيا بعد أوبرا «عايدة» في مصر عام 1870

من بروفات الأوبرا
من بروفات الأوبرا
TT
20

أوبرا كويتية تحكي ملحمة وطنية بكوادر محلية

من بروفات الأوبرا
من بروفات الأوبرا

مجموعة من الشعراء والمسرحيين والموسيقيين الكويتيين، التقوا على فكرة أن يؤسسوا أول أوبرا في الكويت، وليست الفكرة على سبيل المغامرة أو التجربة، بل هي قرار عملي يتم تنفيذه حاليا، وتجرى بروفاته بشكل مكثف ليتم عرضه حسب الموعد المحدد في منتصف شهر فبراير (شباط) الحالي. هذا ما يؤكده مؤلف العمل د. علي العنزي وهو أكاديمي مسرحي، حيث يقول: إن «هذا العمل هو الأول خليجيا والثاني عربيا بعد أوبرا عايدة في مصر عام 1870م».
صانعو الأوبرا الكويتية أطلقوا عليها اسم «ديرة»، ويحكي العرض الأوبرالي عن ملحمة وطنية، لحنها المؤلف الموسيقي د. رشيد البغيلي، الذي ولدت الفكرة في ذهنه ثم جمع حولها المتخصصين في هذا المجال وجميعهم من النطاق المحلي، ووصف العمل بقوله: «يعد أول خطوة كويتية لتقديم عرض أوبرالي برؤية جديدة تجمع بين نمط الأوبرا القائم على المزج بين الإمكانيات الصوتية بأسلوب غنائي أوبرالي إيطالي يعرف بـ(البيلكانتو)، بمصاحبة رؤية فنية وأسلوب موسيقي غنائي شرقي». وأخرج هذا العمل الأوبرالي د. فهد العبد المحسن.
يقول مؤلف العمل د. علي العنزي: «يستوحي العمل ثيمته من وحي حكايا الذين افتدوا الكويت بأرواحهم، أثناء حرب تحرير الكويت من الغزو الصدامي في عام 1990، بمن فيهم أبطال شهداء ملحمة بيت القرين، والشهيد الشاعر فايق عبد الجليل، وغيرهم. فهو يسترجع تاريخيا تضحيات الشعب الكويتي وما قدمه من أعمال وطنية في تلك الحقبة الحرجة، ولأهمية هذا العمل، فقد تفضل برعايته صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وتبناه مكتب الشهيد.
ينهج العمل أسلوبين يتمثلان في السرد والشعر، حيث يمتزج النص الحكائي بقصائد للشاعر الشهيد فايق عبد الجليل، والشاعر الغنائي الكويتي حامد شبيب البغيلي، وقد مزج الملحن د. رشيد البغيلي في هذه الأشعار بين التراثي المحلي والسيمفوني العالمي، متبعا أسلوبا نفسانيا من شأنه الغوص في ذات المتلقي من خلال العوالم التي تختلج في ذات الشاعر ومشاعره، ومن ثم نقلها إلى الجمهور. وقد تم تطويع فن اﻷوبرا للبيئة الخليجية وللثقافة الكويتية. فعلى مستوى الموسيقى تم مزج فنون البحر والبر مع الأوركسترا سيمفوني، كذلك تم استخدام المادة الشعرية ضمن تكنيك الكتابة المسرحية. وكذلك اعتمد المؤلف الموسيقي على قصائد كويتية لتغنى بالطريقة اﻷوبرالية. أيضا فالديكور المسرحي واﻷزياء من الموروث الشعبي المستمد من البيئة الكويتية.
ذائقة الغرب وجمهور الشرق
سألت د. العنزي: «الأوبرا ثقافتها غربية..كيف تتوقعون أن يكون حضورها لدى جمهور عربي؟» فأجاب: «بالنسبة لحضور الأوبرا التي ستعرض بتاريخ 22 و23 و24 فبراير (شباط) الحالي، أتوقع أن يكون الحضور حاشدا. وحينما أقول حاشدا فأنا أعلم أن عشاق الأوبرا يكونون عادة من النخبة الثقافية، حيث إن هذا الجنس الفني يتطلب امتلاك عوامل المعرفة والتدقيق والتمحيص حتى يتذوق المرء ما يميزه من موسيقى، لكن هنا نجد أن المؤلف الموسيقي د. رشيد البغيلي، يقدم عملا له صبغة كويتية ترضي ذائقة النخبة من دون أن تفرض الانفصال عن عامة الناس الشغوفين بالفن، واعتلاء مكانة تذوق الجمال».
حسنا، هل المؤلف الموسيقي د. البغيلي، هو نفسه من سيقود الأوركسترا؟ وكم يبلغ عدد الفريق بالإجمال. يقول د. العنزي: «تتكون الأوركسترا من 60 عازفا، منهم 45 كويتيا وقد تمت الاستعانة بعدد محدود من بلجيكا وهولندا وفرنسا ومصر، وتم اختيارهم للعزف على الآلات التي لا يوجد من يتقن العزف عليها من الكويتيين، وسيقود الأوركسترا المايسترو البلجيكي اشتاين سوفنيرز Stijn Saveniers، الذي يعد مايسترو متعدد القدرات بحسب التقييم العالمي لأبناء هذا المجال ويلقب بـmultifaceted».
على صعيد متصل فإن الكويت تنفذ مشروعا ضخما لإنشاء دار أوبرا تصل مساحتها إلى نحو 70 ألف متر مربع، هو عبارة عن «مركز ثقافي واجتماعي».



وجه أنثوي من قلعة البحرين

مجسم أنثوي من محفوظات متحف قلعة البحرين
مجسم أنثوي من محفوظات متحف قلعة البحرين
TT
20

وجه أنثوي من قلعة البحرين

مجسم أنثوي من محفوظات متحف قلعة البحرين
مجسم أنثوي من محفوظات متحف قلعة البحرين

تُعد قلعة البحرين من أشهر الحصون التاريخية في الخليج العربي، وتشكّل جزءاً من موقع أثري شُيّد منذ أكثر من 4000 سنة، أُدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للثّقافة والتربية والعلوم (يونسكو) في عام 2007. أقامت هيئة البحرين للثقافة والآثار قبالة هذه القلعة متحفاً يحمل اسمها، افتُتح في فبراير (شباط) 2008، وحوى نحو 500 قطعة أثرية خرجت من هذا الموقع، توزّعت على خمس صالات، خُصِّصت كلّ منها لمرحلة معيّنة، وفقاً للتسلسل التاريخي. تتميّز هذه المقتنيات بتعدّدية أساليبها الفنية وبتنوّعها الكبير، ومنها مجسّم صغير يمثّل رأس امرأة، صيغَ وفقاً للأسلوب اليوناني الكلاسيكي في النحت.

صُنع هذا المجسّم الصغير من الطين المحروق، ويبلغ طوله 8 سنتيمترات، وهو على شكل تمثال منمنم أُنجز في كتلة ثلاثية الأبعاد، تبعاً للتقليد الذي كرّسته الجمالية اليونانية الكلاسيكية في سائر أنحاء العالم الهلنستي المتعدّد الأقطاب. يصعب تحديد تاريخ هذا التمثال بدقّة، والأكيد أنه من نتاج القرن الثالث أو القرن الثاني قبل الميلاد، ويمثّل وجهاً ينتصب فوق عنق عريض، يختزل بنضارته المثال المطلق للجمالية الأنثوية في الميدان الكلاسيكي بروافده المتعدّدة. يحضر هذا الوجه البيضاوي في وضعية المواجهة، وينحني بشكل طفيف نحو الجهة اليمنى، في حركة حيّة بسيطة، تشهد للتقليد الفني اليوناني الذي حاد عن سكون الحركة الثابتة ونبذها بعدما سادت طويلاً على مر قرون من الزمن.

الملامح واقعية، وسماته تحاكي المثال الحي في إبراز أدق معالمه الحسيّة، مع حلّة تجميلية تجسّد الحسن الأنثوي الكلاسيكي، ومثال الصبا والجمال في هذا القاموس اليوناني التقليدي. العينان مفتوحتان، والجفن محدد بدقّة، والقزحية والبؤبؤ غائبان كلّياً. الحاجبان مقوّسان ومنفصلان. الأنف معقوف وبارز، ويتميّز بحاجز ناتئ يفصل المنخرين، مع تجويفين عريضين في الأسفل. الثغر صغير، ويتكون من شفتين مكتنزتين مطبقتين، تعلوهما غمازة رقيقة تستقر بينهما وبين الأنف. الخدان واسعان، والذقن بارز، وتعلوه غمازة أخرى تستقر تحت شفة الثغر السفلى. العنق عريض، مع تكوير يفصل بينه وبين الذقن، يُعرف في قاموس الفن الكلاسيكي باسم «الذقن المزدوج». الجبين عريض ومجرّد، ويعلوه شعر كثيف تنقسم خصلاته في الوسط، وتشكّل كتلتين مرفوعتين إلى الخلف، تحدّان الوجه وتكشفان عن شحمتي الأذنين.

تتميّز هذه التسريحة التقليدية بشريط عريض تحدّه ثلاث ثنايا، يحضر أفقياً على شكل إكليل يُتوّج هذا الرأس الأنثوي الجميل. خصل الشعر نافرة وناتئة ومتموّجة بشكل حر، كما تظهر في الجهة الخلفية للرأس، وهي موشّحة بحلة لونية أرجوانية، بقي أثرها جليّا على الرغم من انمحاء جزء كبير منها. يُعرف هذا الإكليل في قاموس الجمالية اليونانية باسم «كيكريفالوس»، أي الرباط الذي يعلو قمّة الرأس، ويحدّ تسريحة الشعر، والمعروف أن النسوة في العالم الإغريقي كن يعمدن إلى صباغة شعورهن بالخل الممزوج بالمساحيق الملوّنة، والشواهد الفنية التي تعكس هذا التقليد عديدة.

يختزل هذا المجسّم الصغير المتقن الطراز اليوناني الكلاسيكي المعروف بطراز «تاناغارا»، نسبةً إلى بلدة تقع في مقاطعة بيوتي في إقليم وسط اليونان. في هذه البلدة، عُثر على مقبرة أثرية حَوَت عدداً هائلاً من التماثيل اليونانية الصغيرة الأنثوية التي تتَّبع هذا الطراز، وعُرف هذا الطراز باسم هذه البلدة منذ اكتشاف هذه المقبرة في عام 1870، وتبيّن لاحقاً أن مدينة أثينا شكّلت أساساً له منذ منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، غير أن هذه التسمية ظلت معتمدة إلى يومنا هذا.

يتبع تمثال قلعة البحرين الصغير أسلوباً كلاسيكياً صرفاً يحضر بقوة في جزيرة فيلكا التي تتبع اليوم دولة الكويت، وشواهده في هذا الموقع الأثري عديدة، وتتمثّل بمجموعة كبيرة من المجسمات المصنوعة بتقنية الطين، منها قطعة منمنمة تمثّل وجهاً بيضاوياً أنثوياً يبلغ طولها 2.5 سنتيمتر، وقطعة أخرى حازت شهرة واسعة، تُعرف باسم «تمثال أفروديت»، ويبلغ طولها 11 سنتيمتراً. في المقابل، يحضر هذا الأسلوب بشكل استثنائي في البحرين، وتبدو شواهده إلى اليوم محدودة، وتتمثّل بهذا التمثال الأنثوي المحفوظ في متحف قلعة البحرين، إضافةً إلى قطعتين أعلن فريق التنقيبات الأثرية الخاص بإدارة الآثار والمتاحف في البحرين اكتشافهما في خريف 2021. عُثر على هاتين القطعتين في منطقة تقع على بعد 600 متر جنوب قلعة البحرين، وهما متطابقتان، على شكل مبخرتين، ويتكوّن كل منهما من رأس أنثى صبيّة تعلو شعرها سلّة ضخمة مخصّصة لإحراق الطيب تُعرف باسم «كالاثوس».

تتَّبع هذه القطع الطينية الثلاث في صياغتها، الأسلوب الكلاسيكي اليوناني الصرف، وتشهد لحضور خفر لهذا النسق في جزيرة البحرين التي أطلق عليها المستكشفون الإغريقيون اسم تايلوس، وهو الاسم الذي عُرفت به في زمن بروز الإمبراطورية السلوقية بين القرن الرابع والقرن الأول قبل الميلاد.