كوباني المدمرة.. تنتظر المجهول

عبء إعادة الحياة وتأهيل المرافق سيكون أثقل من عبء الحرب

كوباني المدمرة.. تنتظر المجهول
TT

كوباني المدمرة.. تنتظر المجهول

كوباني المدمرة.. تنتظر المجهول

بات سكان مدينة عين العرب (كوباني) في سوريا على أعتاب خطر جديد يحدق بهم بعد الحرب التي دارت بين التنظيم والمقاتلين الأكراد في وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات البيشمركة، فبعد معارك ضارية استمرت أكثر من أربعة أشهر، أصبحت كوباني مدينة مدمرة لم يبق فيها سوى أنقاض المباني والمنازل المهدمة.
وبحسب روايات سكان في المدينة وعناصر من القوات الكردية، فإنه ما زالت هناك المئات من جثث قتلى تنظيم داعش توجد تحت المباني المهدمة، والكثير من هذه الجثث بدأت في التفسخ، الأمر الذي سيتسبب في القريب في انتشار الكثير من الأوبئة والأمراض خاصة مع النقص الحاد في الغذاء بسبب قلة الإغاثة الإنسانية، وانعدام المياه الصالحة للشرب والخدمات الأساسية التي كانت تتمتع بها في الماضي.
الرائد عز الدين تمو، هو طبيب عسكري كردي رافق قوات إسناد بيشمركة إقليم كردستان العراق التي دخلت كوباني في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي لتقديم الدعم بالأسلحة الثقيلة لمقاتلي وحدات حماية الشعب والمرأة التي كانت تخوض معركة دفاعية ضد «داعش» الذي سلط كل زخمه العسكري من أجل السيطرة على المدينة. وقال تمو الذي يواصل مهامه العسكرية والإنسانية منذ أكثر من مائة يوم في كوباني، من خلال رئاسة اللجنة الطبية المرافقة لقوات الإسناد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك جثثا لقتلى (داعش) تحت كل مبنى مدمر، لكن بسبب الأجواء الباردة هنا لم نشعر بتفسخ هذه الجثث، لكن في الأيام المقبلة سيكون هناك وباء بسبب تفسخها خاصة مع ارتفاع حرارة الجو، لذلك يجب تدارك هذه الكارثة والتفكير في إزالة الجثث». وتابع تمو «عندما دخلت قوات البيشمركة إلى كوباني كان هناك مركز صحي صغير في المعبر الحدودي مع تركيا، يقدم العلاج لجرحى مقاتلي حماية الشعب والمرأة. الفريق الطبي المرافق للبيشمركة كان يحمل معه كمية كبيرة من كل أنواع الأدوية ولكل الأعمار، وما زالت حكومة إقليم كردستان العراق تقدم الأدوية والمستلزمات الطبية لهذه المدينة مع بدء كل وجبة من قوات البيشمركة لمهامها في كوباني، وأسس أبناء المدينة منظمة الهلال الأحمر الكردي وقدمنا جزءا من الأدوية التي وردتنا من كردستان العراق إلى هذه المنظمة».
المركز الطبي الموجود في معبر مرشد بينار الحدودي الفاصل بين المدينة والحدود التركية دمر بالكامل إثر هجوم بسيارة مفخخة لتنظيم داعش على المعبر، ففقدت كوباني المركز الصحي الوحيد لها بعد أن دمر مبنى مستشفى المدينة ولم يبق منه سوى هيكل منقوش بآثار الرصاص.
ويقول تمو «بعد تدمير المركز الصحي أنشأنا مستشفى ميدانيا في قبو أرضي تحت إحدى المدارس غرب المدينة التي كانت أقل دمارا من الأجزاء الأخرى لأنها كانت تحت سيطر القوات الكردية طيلة الحرب، هذا المستشفى يقدم خدماته لمقاتلي وحدات حماية الشعب وللمدنيين أيضا، ويعالج المصابين والمرضى بالاعتماد على المساعدات الطبية. كوادر المستشفى انقسموا إلى فريقين، أحدهما يشرف على المدنيين فقط والآخر على المقاتلين، حاليا الدواء الموجود كاف، لكن المشكلة ستكون بعد عودة السكان، لأننا سنحتاج في حينها إلى كميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات الصحية، التي تتواكب مع العدد الهائل للسكان وكذلك ستكون هناك حاجة إلى كوادر طبية ومستشفيات وعيادات صحية أيضا لأن ما كان موجودا في كوباني في الماضي أصبح اليوم في عداد الأنقاض».
الواجب الذي يقع على كاهل الإدارة الذاتية في كوباني أو «كانتون كوباني» كما يسميه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا (بي واي دي)، سيكون أثقل من الحرب التي خاضها مقاتلوه في الأشهر الماضية، فالمناطق الجنوبية والشرقية وحتى الشمالية من كوباني مدمرة بالكامل، ولم تبق ملامح المدينة سوى في قسمها الغربي الذي تعرض هو الآخر لشبه تدمير خلال المعارك، لذا عملية إعادة الإعمار ستكون صعبة في ظل غياب الدعم الإنساني الدولي والإقليمي للأكراد في سوريا.
يقول إدريس نعسان، نائب رئيس العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لـ«كانتون كوباني»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نتيجة حصار (داعش) لكوباني الذي دام قرابة العامين والحرب التي استمرت أكثر من أربعة أشهر ونزوح معظم أهالي المدينة إلى تركيا، انهارت الحياة بالكامل وتهدمت البنى التحية في كوباني. حاليا هناك نقص حاد في المواد الغذائية، والمدينة تعتمد على بعض الكميات الصغيرة من الإغاثة التي تدخل إلى كوباني عبر تركيا بصورة غير رسمية، بالإضافة إلى الاعتماد على ما بقي من مخزون غذائي في مستودعاتها ومؤن المنازل، أما مياه الإسالة فهي مقطوعة، لذا يضطر الموجودون من أهاليها إلى الاعتماد على مياه الآبار، وهذه المياه تلوثت بالمياه الثقيلة نتيجة قصف طيران التحالف الدولي الذي أحدث حفرا عميقة، فالمدنيون الموجودون في كوباني يعيشون بين الألغام والقذائف غير المتفجرة وركام الأبنية المهدمة، في ظل انعدام تام في مستلزمات الحياة الضرورية، إضافة إلى أن قطاع البنى التحتية والخدمات هو الأكثر تدميرا في المدينة».
ومضى نعسان بالقول «نحاول الآن جذب أنظار العالم لما يحدث من كارثة إنسانية في كوباني بعد الحرب. المدينة بحاجة إلى جسر إنساني دولي عبر تركيا لتوصيل الغذاء والدواء إلى المدنيين، لأن المنفذ الوحيد للدخول إليها يكون عن طريق معبر مرشد بينار مع تركيا، لكن ليست هناك أي خطوة جدية في هذا الاتجاه من قبل أنقرة، على العكس المسؤولون الأتراك يصرحون بين الفترة والأخرى بأنهم لن يشاركوا في إعمار كوباني، ويبقى هذا الحمل على عاتق المجتمع الدولي، فعلى التحالف الدولي الذي حارب (داعش) في كوباني أن يتحمل مسؤوليته الإنسانية تجاه هذه المدينة والضغط باتجاه فتح هذا الممر».
وينتظر نحو 200 ألف من اللاجئين الأكراد السوريين في تركيا العودة إلى مدينتهم كوباني، لكن حجم الدمار وقلة الخدمات والمخاوف الأمنية تحول دون السماح لعودتهم حاليا، وعن هذا الموضوع قال نعسان «تشهد المدينة يوميا عودة العشرات من أهليها الذين هربوا من المعارك إلى تركيا خلال الأشهر الماضية، وهم يتشوقون للعودة في أقرب فرصة، لكن نحن في الإدارة الذاتية الديمقراطية، قبل أن نسمح بعودة الأعداد الهائلة من السكان إلى كوباني، فيجب أن نجهز لهم مستلزمات الحياة، على الأقل أن نكون قادرين على إطعامهم، وتقديم الدواء لهم، وبالتالي نحاول أن نرسم هذه الصورة للعالم. حاليا عادت العائلات التي كانت موجودة في المنطقة المحرمة بين الحدود التركية وكوباني إلى المدينة خاصة في الأطراف الغربية، وهناك عودة يومية لمئات الشباب الذين يريدون الانخراط في عمليات تقديم الخدمات عن طريق الجهات الخدمية في المدينة التي بدأت فعليا بتنظيم أمورها لتنظيف المدينة وترتيبها وتوفير بعض المستلزمات فيها، ويوجد حاليا في كوباني 15 ألف مدني».
العشرات من شباب كوباني جمعوا التوقيعات مطالبين حكومة المدينة بعدم إعادة إعمار الجزء الشرقي منها، وإبقائه مدمرا ليكون متحفا حيا وشاهدا على ما تعرضت له مدينتهم من خراب على يد تنظيم داعش. وأشار نعسان إلى أن الإدارة الذاتية في كوباني شكلت هيئة لإعادة إعمارها، إلى جانب تشكيل سبع لجان لتقييم الأضرار الواقعة في القطاع العام، لا سيما الخدمية منها، فبعد توثيق أضرارها سينتقلون إلى قطاع آخر ومن ثم المباني المدنية. وعن دور قوات البيشمركة في مجال إعادة الإعمار أكد نعسان بالقول «دور قوات البيشمركة حاليا مقتصر على تقديم الإسناد العسكرية لقوات حماية الشعب والمرأة، لكن هناك مؤشرات تدل على أن إقليم كردستان سيسهم في إعادة إعمار كوباني، أما حاليا فليس هناك أي شيء على الأرض».
وعن جثث قتلى التنظيم الموجودة تحت ركام الأبنية، وكيفية التعامل معها للحول دون انتشار الأمراض في المدينة بعد تفسخ العشرات منها مؤخرا، كشف نعسان بالقول «بدأ الهلال الأحمر الكردي وبالتعاون مع بلدية كوباني، في انتشال هذه الجثث، ودفنها، بطريقة لائقة، لأننا عندما نحارب هؤلاء الإرهابيين بلا شك لا نستهدف القضاء عليهم فقط، بل نستهدف أيضا القضاء على هذا الفكر الإرهابي الذي ننبذه. لذا ومن منطلقنا الإنساني نتعامل مع الإنسان كإنسان أيا كان نوع هذا الإنسان خاصة بعد الموت، حيث يجب أن يحترم، بالإضافة إلى أن قواتنا تتعامل مع الأسرى تعاملا قانونيا حسب الأعراف والمواثيق الدولية».
وتوصل المجلس الوطني الكردي السوري وحركة المجتمع الديمقراطي السوري إلى اتفاق لتوحيد الصف السياسي الكردي في سوريا، بعد مفاوضات استمرت عدة أيام برعاية رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في مدينة دهوك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتلتها اتفاقية أخرى بين وحدات حماية الشعب الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) وإقليم كردستان لإرسال قوة إسناد من البيشمركة إلى كوباني عبر الأراضي التركية للمساهمة في تحرير المدينة التي تمكن «داعش» من اختراق الخطوط الدفاعية فيها والسيطرة على معظم أجزائها، لكن مع دخول قوات إسناد البيشمركة إلى المدينة تغيرت موازين المعركة لصالح الأكراد بفعل الأسلحة الثقيلة التي أدخلتها البيشمركة والتي استطاعت وبإسناد من طيران التحالف الدولي أن تقدم الدعم اللازم لقوات حماية الشعب في الهجوم على تنظيم داعش وإرغامه على الانسحاب من مركز مدينة كوباني بعد أكثر من أربعة أشهر من المعارك الطاحنة بين الجانبين.
بدوره، قال العميد مصلح زيباري، قائد قوات بيشمركة إقليم كردستان المرابطة في كوباني، لـ«الشرق الأوسط»: «بعد استعادة السيطرة على مركز مدينة كوباني بدأت المرحلة الثانية من المعارك، وهي مرحلة تطهير ريف المدينة من مسلحي (داعش)، حيث تمكنت القوات الكردية من تحرير ما يقارب 150 قرية من قرى ريف كوباني البالغة 400 قرية ومزرعة، والعمليات العسكرية مستمرة في كل اتجاهات الريف الأربعة. دورنا يقتصر على تقديم الإسناد لقوات حماية الشعب والمرأة، ونحن نقدم لهم الإسناد بالأسلحة الثقيلة الموجودة لدينا، وتمكنت القوات الكردية من أن تؤمن مدينة كوباني، وأن تنشئ خط أمان يمتد مسافة 20 كم حول أطراف المدينة من كل الاتجاهات»، مبينا أن «تنظيم داعش فقد قوته الهجومية في كردستان سوريا تماما، ومسلحيه بدأوا بالفرار من الريف، فيما بدأت القوات الكردية في مطاردتهم، والأيام المقبلة ستشهد الإعلان عن تحرير ريف كوباني بالكامل».
ووحدت الحرب في كوباني الأكراد، وكانت سببا في التقارب بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا بزعامة صالح مسلم المقرب من حزب العمال الكردستاني في تركيا، وما آلت إليه من تنسيق على الأرض بين الوحدات الكردية في سوريا وبيشمركة إقليم كردستان العراق.
وقال زيباري، الذي يقود الوجبة الثالثة من البيشمركة في كوباني بعد عودة الوجبتين السابقتين إلى الإقليم «هناك تنسيق ميداني كبير بيننا وبين وحدات حماية الشعب وطيران التحالف الدولي. نحن في كوباني على اتصال مباشر مع غرفة تنسيق العمليات العسكرية في أربيل، وعند الحاجة إلى إسناد جوي نطلب مباشرة من الغرفة في أربيل ذلك لتباشر الطائرات بقصف مواقع العدو فورا»، مشددا على القول إن قرار عودتهم بعد الانتهاء من العملية العسكرية مرتبط بقرار من القائد العام لقوات البيشمركة الرئيس مسعود بارزاني.
بحسب إحصائية لقوات البيشمركة ووحدات حماية الشعب، فإن معارك كوباني خلفت 3710 قتيلا في صفوف مسلحي «داعش»، فيما بلغ عدد القتلى في صفوف المقاتلين الأكراد 408 قتلى، ودمرت القوات الكردية وطيران التحالف الدولي 87 عجلة عسكرية و16 دبابة وخمس سيارات مدرعة من نوع هامر وأربع مدافع رشاشة، واستولى الأكراد على مجموعة أخرى من الأسلحة التي وصفوها بالصالحة للاستعمال، إلى جانب وجود عدد آخر من أسلحة التنظيم الثقيلة تحت المباني المنهارة والتي تؤكد المصادر الكردية أن إخراجها يعتبر عملا صعبا حاليا لقلة الإمكانيات المتاحة في المدينة.
وكما هو معروف عن تنظيم داعش من استخدامه التفجيرات والمباني المفخخة في كل المعارك التي خاضها منذ ظهوره في سوريا قبل أكثر من عامين ودخوله العراق العام الماضي، فإن كوباني لم تكن بعيدة عن هذه المتفجرات التي زرعها «داعش»، حيث استخدم التنظيم خلال معاركه في كوباني وحدها أكثر من خمسين عجلة مفخخة، وفخخ مساحات واسعة من المدينة وأطرافها.
بدوره، قال العميد دحام غرغري، أحد قادة البيشمركة الرئيسيين في كوباني، لـ«الشرق الأوسط»: «تنظيم داعش زرع عددا كبيرا من العبوات الناسفة في مركز مدينة كوباني، أما في أطرافها فنستطيع القول إن العبوات الناسفة قليلة وغير موجودة في بعض المناطق. لا توجد لدى القوات الكردية في هذه المدينة أجهزة ومعدات خاصة بتفكيك العبوات الناسفة وإبطال مفعولها، فالمقاتلون الأكراد يستخدمون وسائل بدائية جدا للتطهير المناطق من الألغام، فيما زرع العدو هذه المتفجرات بطرق فنية، ولا يمكن إزالتها إلا باستخدام الأجهزة المتطورة، ويجب ألا ننسى أن طيران التحالف الدولي لعب دورا كبيرا في تدمير قوة داعش وإجهاض عملياته الانتحارية، ومن هنا نطالب المجتمع الدولي بتزويد القوات الكردية هنا بأجهزة كشف المتفجرات وإبطال مفعولها».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».