تغييرات {براغماتية} في «حماس»

ضمت نساءً لمكتبها السياسي وكشفت عن قادتها في غزة

وفد {حماس} يتوسطه خليل الحية في معبر رفح لدخول مصر وحضور اجتماع الفصائل اليوم (أ.ف.ب)
وفد {حماس} يتوسطه خليل الحية في معبر رفح لدخول مصر وحضور اجتماع الفصائل اليوم (أ.ف.ب)
TT

تغييرات {براغماتية} في «حماس»

وفد {حماس} يتوسطه خليل الحية في معبر رفح لدخول مصر وحضور اجتماع الفصائل اليوم (أ.ف.ب)
وفد {حماس} يتوسطه خليل الحية في معبر رفح لدخول مصر وحضور اجتماع الفصائل اليوم (أ.ف.ب)

غيرت حركة «حماس» من سياستها المتعلقة بانضمام نساء إلى قيادة الحركة، ورفعت السرية عن أسماء مسؤولين يشغلون مواقع تنظيمية محددة، في خطوة بدت أنها تستهدف الاستجابة لطلبات داخل الحركة بتغيير نظام الانتخابات نحو مزيد من الشفافية، وتغيير صورة الحركة كذلك أمام العالم.
وانتخبت «حماس» لأول مرة في تاريخها نساءً في مكتبها السياسي في غزة، كما نشرت لأول مرة كذلك اسم رئيس مجلس الشورى، الذي يعد إلى جانب المكتب السياسي أهم جسم في الحركة ويقرر في قضايا مفصلية. وأشار بيان الحركة إلى اختيار أسامة المزيني رئيساً لمجلس شورى قطاع غزة.
وجاءت هذه التغييرات في الوقت الذي حظيت فيه انتخابات «حماس» الداخلية باهتمام كبير، مرده أن الحركة مقدِمة كذلك على انتخابات عامة تشريعية ورئاسية ومجلس وطني تابع لمنظمة التحرير. وأعلن بيان لـ«حماس»، أن المجلس انتخب أعضاء المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة (عددهم 18)، وأعضاء الهيئة الإدارية، ورؤساء اللجان الرقابية المنبثقة عن مجلس.
وكانت الحركة أعلنت نهاية الأسبوع الماضي، إعادة انتخاب يحيى السنوار مسؤولاً للحركة في قطاع غزة، بعد مخاض عسير وتنافس شرس. وضم أعضاء المكتب السياسي لأول مرة امرأة «منتخبة»، هي جميلة الشنطي، كما ضم رئيسة الحركة النسائية فاطمة شراب بحكم موقعها. والشنطي كانت عضواً في السابق بحكم أنها كانت رئيسة الحركة النسائية، ولكن ليس بالانتخاب، ولم يعلن أصلاً عن وجودها في المكتب في أي يوم من الأيام.
وفي حين احتفظ السنوار بموقعه، ونائبه خليل الحية، كذلك، بقي قادة الحركة القدماء مسيطرين، مثل نزار عوض الله، ومحمود الزهار، وخليل، وروحي مشتهى، وفتحي حماد.
لكن الانتخابات أفرزت أيضاً وجوهاً جديدة في عضوية المكتب السياسي، مثل غازي حمد، وعصام الدعليس، وإسماعيل برهوم. وبشكل غير متوقع، أعلنت «حماس» أنه تم اختيار أسامة المزيني رئيساً لمجلس شورى قطاع غزة، وماهر صبرة مساعداً لرئيس الهيئة الإدارية للحركة. وكان اسم رئيس مجلس الشورى، سرياً، كما أن الحركة كانت تتحفظ على أسماء عدد لا بأس به من أعضاء المكتب السياسي.
ووصف المحلل السياسي طلال عوكل ما يحدث الحركة، بأن «(حماس) تتغير». وأضاف، أن الحركة ترسل رسائل عدة، وأن الرسالة الأساسية، «أنها تلتزم بالنهج الديمقراطي في الوقت الذي فيه الكثير من الفصائل لا تلتزم، والرسالة الثانية، أنها بإعلانها عن اسم رئيس مجلس الشوري وكل أعضاء المكتب السياسي، تتجه نحو مزيد من الشفافية عبر الكشف عن كل قيادتها، من دون أن تخشى محاولات اغتيال وملاحقات من قبل إسرائيل أو غيرها، والثالثة، أن الإعلان عن اسم سيدتين في المكتب السياسي يعطي انطباعاً للجميع، أن الحركة ليست مغلقة في موضوع الحريات وحرية المرأة تحديداً». وتابع عوكل، أن الاختراق الآخر، هو اختيار شخص مثل غازي حمد، عضواً في المكتب السياسي، فهو ليس صقراً، وآراؤه نقدية للحركة، واختياره في المكتب السياسي، يدلل على أن (حماس) متجهه أكثر نحو البراغماتية والواقعية السياسية».
والتغيير في «حماس» جزء من تغيير أقدم منذ عدلت الحركة دستورها الداخلي. وبحسب المحلل السياسي، فإن الحركة تريد القول إنها مرنة وتواصل ذلك. «ترسل للداخل والخارج أنها تتغير، وتريد أن تطمئن الجميع أنها لا تسعى للهيمنة، وإنما للحصول على الشرعية، وأن تكون شريكاً حتى ضمن سقف أوسلو».
وتستعد «حماس» للمنافسة في الانتخابات العامة التي يفترض أن تجري على 3 مراحل، انتخابات المجلس التشريعي في 22 مايو (أيار) المقبل، الرئاسية بتاريخ 31 يوليو (تموز)، على أن تعد نتائج انتخابات المجلس التشريعي، المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يستكمل في 31 أغسطس (آب)، وفق النظام الأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية. وإذا ما شاركت «حماس» في انتخابات الوطني، فستدخل إلى منظمة التحرير الفلسطينية للمرة الأولى في تاريخها.
إلا أن عوكل، حذر في الوقت نفسه، من الاعتقاد بأن «حماس» تتغير بشكل جذري. وأضاف «إنه تغيير بالحدود التي تسمح للحركة أن تعمل في فضاء أوسع، وأن تكون مقبولة بشكل أكبر في الداخل والخارج، خاصة بعد فشلها في الوصول إلى الشرعية عبر السيطرة على القطاع». ومن المقرر أن تلتقي الفصائل في القاهرة، اليوم، من أجل مناقشة كل التفاصيل المتعلقة بالانتخابات.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.