إبراهيموفيتش... لاعب موهوب يبحث دائماً عن مجده الشخصي

انتقاد لاعب ميلان لرياضيين يدافعون عن قضايا إنسانية يؤكد أنه لم يعرف بعد القيمة الحقيقية للرياضة

يقدم إبراهيموفيتش أداء ممتازاً مع ميلان  هذا الموسم (أ.ف.ب)
يقدم إبراهيموفيتش أداء ممتازاً مع ميلان هذا الموسم (أ.ف.ب)
TT

إبراهيموفيتش... لاعب موهوب يبحث دائماً عن مجده الشخصي

يقدم إبراهيموفيتش أداء ممتازاً مع ميلان  هذا الموسم (أ.ف.ب)
يقدم إبراهيموفيتش أداء ممتازاً مع ميلان هذا الموسم (أ.ف.ب)

يعتقد النجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش أنه يجب على المرء أن يلتزم بالقيام بما يجيده، وهذا هو سبب حديثه عن نفسه مرة أخرى! ربما يكون مهاجم ميلان الإيطالي فريداً من نوعه بين لاعبي النخبة في عالم كرة القدم في الوقت الحالي في هذا الصدد، رغم المجهود الهائل الذي يبذله داخل المستطيل الأخضر، لكن ربما تكون أبرز حلقات مسيرته الكروية التي لا تنسى تتمثل في تصريحاته الشخصية! وربما تكون أكبر إشادة يمكن أن تقولها بحق إبراهيموفيتش كلاعب كرة قدم هي أنه في بعض الأوقات يكون جيداً حقاً كما يقول!
من المؤكد أننا لا ننسى ذلك الهدف الشهير الذي أحرزه بمجهود فردي رائع عندما كان يلعب بقميص أياكس أمستردام الهولندي قبل 17 عاماً، كما لا ننسى تلك اللقطة التي تلاعب فيها باللاعب الإنجليزي ريان شوكروس في إحدى المباريات الدولية، ولا ننسى كذلك الهدف الذي سجله في الشباك الخالية في أول ظهور له مع لوس أنجليس غالاكسي الأميركي. من المؤكد ومن الواضح للجميع أن النجم السويدي يمتلك قدرات وإمكانيات هائلة كلاعب كرة قدم من العيار الثقيل، لكن من المؤكد أيضاً أنه يركز دائماً على هدف واحد وهو الإدلاء بتصريحات استفزازية عن نفسه، وهي النقطة التي يتفوق فيها على الجميع ولا ينافسه فيها أي شخص آخر!
وجاء أحدث تلك التصريحات مؤخراً، عندما سُئل إبراهيموفيتش في مقابلة صحافية عن رأيه في نجم كرة السلة الأميركية ليبرون جيمس، حيث رد النجم السويدي قائلاً: «لا أحب عندما يصل الناس إلى مكانة معينة أن يمارسوا السياسة والرياضة في الوقت نفسه. افعل ما تجيده، واعمل في المجال الذي تتفوق فيه. أنا ألعب كرة القدم لأنني الأفضل في لعب كرة القدم. أنا لا أشتغل بالسياسة». ورفض ليبرون جيمس الانتقادات التي وجهها له إبراهيموفيتش، بسبب أنشطته السياسية والاجتماعية. وكان إبراهيموفيتش قد قال في تصريحات لقناة «ديسكفري» التلفزيونية قبل أيام إن ليبرون جيمس لاعب لوس أنجليس ليكرز وغيره من الرياضيين الذين لهم أنشطة مماثلة، عليهم أن يكرسوا أنفسهم لرياضاتهم.
ولكن ليبرون جيمس الذي اعتلى منصة التتويج بدوري السلة الأميركي أربع مرات في مسيرته، قال: «لن أصمت أبداً بشأن الأشياء الخاطئة». وأضاف: «أتحدث عن شعبي وعن المساواة والعدالة الاجتماعية والعنصرية وقمع الناخبين... لا يمكن أن ألتزم بالرياضة فقط، لأنني أدرك أهمية هذه المنصة ومدى قوة صوتي من خلالها».
ووصف إبراهيموفيتش النجم جيمس بأنه «استثنائي فيما يفعله»، لكنه أضاف: «افعل ما تجيده. أعمل في الفئة التي تنتمي لها. ألعب كرة القدم لأنني أفضل في لعب كرة القدم، ولست سياسيا. ولو كنت سياسيا، لكنت قد انخرطت في السياسة». وتابع إبراهيموفيتش: «هذا هو أول خطأ يرتكبه المشاهير عندما يكتسبون الشهرة ويصلون إلى وضع معين. بالنسبة لي، من الأفضل تجنب موضوعات معينة والقيام بما تجيده، وإلا لا تستقيم الأمور». لكن ليبرون جيمس أشار أيضاً إلى أن إبراهيموفيتش، المولود لأبوين من البوسنة وكرواتيا، كان قد اشتكى من العنصرية في السويد قبل أعوام، بسبب أصوله.
لكن يتعين على إبراهيموفيتش أن يعلم أن الرياضة والسياسة متشابكتان مع بعضهما البعض. ودائماً ما كانت الرياضة، منذ أيامها الأولى، وسيلة للسيطرة وسفينة للتغيير وتعبيراً عن القوة وتعبيراً عن المقاومة. ومن ماركوس راشفورد إلى كولين كابيرنيك إلى نعومي أوساكا إلى ليبرون جيمس نفسه، نادراً ما كانت فكرة الناشط الرياضي مترسخة بعمق في ثقافتنا. نحن نعرف هذا الأمر جيداً، كما يعرفه إبراهيموفيتش نفسه، لأنه سبق أن وصف الملاكم العظيم محمد علي بأنه الرياضي المفضل بالنسبة له على الإطلاق، نظراً «لما فعله داخل الحلبة وخارجها». ولذا، ربما يكون هذا ببساطة هو السبب الذي يجعل زلاتان إبراهيموفيتش يعمل على بناء علامته التجارية الخاصة ويصور نفسه دائماً على أنه الرياضي الموهوب الذي يقول تصريحات تثير الجدل ويتذكرها الجميع. ومع ذلك، إذا قرأت ما بين السطور، سوف تدرك على الفور أن توقيت تصريحات إبراهيموفيتش والهدف منها ليسا من قبيل الصدفة.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: لماذا اتخذ إبراهيموفيتش هذا الموقف؟ ولماذا الآن؟ ربما تكون الإجابة على السؤال الأول هي الأسهل. فمنذ نشأته في مالمو، يسعى زلاتان دائماً لتحقيق المجد الشخصي، سواء كان ذلك في صورة القوة أو الأهداف التي يسجلها أو السمعة التي يصنعها لنفسه أو الجوائز التي يحصل عليها أو الثروة. وبينما يشق إبراهيموفيتش طريقه في كرة القدم الأوروبية، فإنه يسعى دائماً لتصوير نفسه على أنه الرجل الذي يصنع مصيره بنفسه من خلال إيمانه الشديد بنفسه وبتفانيه في العمل. لقد قال ذات مرة في مقابلة مع هذه الصحيفة: «إذا كنت تؤمن بنفسك فستنجح لا محالة، فكل شيء يعتمد عليك».
وهكذا فإن الأهداف الرائعة التي يحرزها، وتعليقاته المثيرة للجدل حول كرة القدم النسائية، وصفعه للخصوم، والقدرة على الاستمرار في تقديم مستويات جيدة رغم وصوله إلى التاسعة والثلاثين من عمره، كل هذا يأتي حقاً من المكان نفسه ويؤكد على حق الفرد في فعل أي شيء يريده. وعندما كان إبراهيموفيتش يلعب بقميص باريس سان جيرمان، برر راتبه البالغ 250 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً على أن «السوق هي من تحدد السعر»، واشتكى من معدل الضريبة في فرنسا على أصحاب الدخول المرتفعة.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع ما يقوم به إبراهيموفيتش، فإن الحقيقة هي أن ما يقوم به عبارة عن مسألة سياسية بالفطرة. وعلى النقيض من ذلك، فإن النضال من أجل حقوق السود مثلا هو حركة اجتماعية واسعة وعالمية بدون مقياس واضح للنصر، وبالتالي لا يمكن لشخص مثل إبراهيموفيتش أن يصور نفسه على أنه بطل الرواية المنتصر في قضية كهذه. لكن هذا لا يعني أنه معادٍ لهذه القضية.
وبصفته معارضاً صريحاً للجوع العالمي، وكضحية للعنصرية عندما كان طفلاً، كان بإمكانه أن يلعب دوراً أكبر وأكثر بروزاً في مكافحة العنصرية وأن يتحدث عن هذه القضية على الملأ. لكن القيام بذلك كان سيتطلب منه أن يكون جزءاً من شيء أكبر وأكثر أهمية منه، ومن غير الواضح تماماً ما إذا كان يعتقد أن هناك شيئاً أكبر منه أم لا!
ومع اقترابه من سن الأربعين، يرى إبراهيموفيتش أبطالاً جدداً يظهرون من حوله، مثل النجم البلجيكي روميلو لوكاكو الذي أعلن عن نفسه بصفته «الملك الجديد» لميلانو. وفي جميع أنحاء العالم، يستغل الرياضيون شهرتهم لتسليط الضوء على الظلم والدعوة للتغيير. لقد تغيرت اللعبة، وتغيرت القواعد المنظمة لها، وبالتالي ينبغي أن تتغير فكرتنا عن الشكل الذي يجب أن يبدو عليه النجم الرياضي وما الذي يجب أن يفعله. ويجب أن نعرف أن العظمة الحقيقية - والإرث الذي لا يمكن المساس به والذي لطالما كان إبراهيموفيتش يطمح إليه - يأتي وفق مجموعة مختلفة من الظروف. ولذا، ربما عندما يرى إبراهيموفيتش رياضيين من أمثال ليبرون جيمس وستيف كاري والطبقة الجديدة من الرياضيين الناشطين، فإنه يرى شيئاً آخر يتمثل في المسار الذي لم يسلكه هو، وهذا النوع من العظمة الرياضية التي لم يصل إليها، رغم كل ما حققه في عالم كرة القدم!


مقالات ذات صلة

مورينيو يزرع جهاز تسجيل للحكم خلال تعادل روما

الرياضة مورينيو يزرع جهاز تسجيل للحكم خلال تعادل روما

مورينيو يزرع جهاز تسجيل للحكم خلال تعادل روما

استعان جوزيه مورينيو مدرب روما بفكرة مستوحاة من روايات الجاسوسية حين وضع جهاز تسجيل على خط جانبي للملعب خلال التعادل 1 - 1 في مونزا بدوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم أمس الأربعاء، مبررا تصرفه بمحاولة حماية نفسه من الحكام. وهاجم مورينيو، المعروف بصدامه مع الحكام دائما، دانييلي كيفي بعد المباراة، قائلا إن الحكم البالغ من العمر 38 عاما «أسوأ حكم قابله على الإطلاق». وقال المدرب البرتغالي «لست غبيا، اليوم ذهبت إلى المباراة ومعي مكبر صوت، سجلت كل شيء، منذ لحظة تركي غرفة الملابس إلى لحظة عودتي، أردت حماية نفسي».

«الشرق الأوسط» (روما)
الرياضة نابولي يؤجل فرصة التتويج بالدوري الإيطالي بنقطة ساليرنيتانا

نابولي يؤجل فرصة التتويج بالدوري الإيطالي بنقطة ساليرنيتانا

أهدر نابولي فرصة حسم تتويجه بلقب الدوري الإيطالي لكرة القدم للمرة الأولى منذ 33 عاماً، بتعادله مع ضيفه ساليرنيتانا 1 - 1 في منافسات المرحلة الثانية والثلاثين، الأحد، رغم خسارة مطارده لاتسيو على أرض إنتر 1 - 3. واحتاج نابولي الذي يحلّق في صدارة جدول ترتيب الدوري إلى الفوز بعد خسارة مطارده المباشر، ليحقق لقبه الثالث في «سيري أ» قبل 6 مراحل من اختتام الموسم. لكن تسديدة رائعة من لاعب ساليرنيتانا، السنغالي بولاي ديا، في الشباك (84)، أجّلت تتويج نابولي الذي كان متقدماً بهدف الأوروغوياني ماتياس أوليفيرا (62). ولم يُبدِ مدرب نابولي، لوتشيانو سباليتي، قلقاً كبيراً بعد التعادل قائلاً: «يشعر (اللاعبون) ب

«الشرق الأوسط» (نابولي)
الرياضة إرجاء مباراة نابولي وساليرنيتانا إلى الأحد لدواعٍ أمنية

إرجاء مباراة نابولي وساليرنيتانا إلى الأحد لدواعٍ أمنية

أُرجئت المباراة المقررة السبت بين نابولي المتصدر، وجاره ساليرنيتانيا في المرحلة الثانية والثلاثين من الدوري الإيطالي لكرة القدم إلى الأحد، الساعة 3 بعد الظهر بالتوقيت المحلي (13:00 ت غ) لدواعٍ أمنية، وفق ما أكدت رابطة الدوري الجمعة. وسبق لصحيفة «كورييري ديلو سبورت» أن كشفت، الخميس، عن إرجاء المباراة الحاسمة التي قد تمنح نابولي لقبه الأول في الدوري منذ 1990. ويحتاج نابولي إلى الفوز بالمباراة شرط عدم تغلب ملاحقه لاتسيو على مضيفه إنتر في «سان سيرو»، كي يحسم اللقب قبل ست مراحل على ختام الموسم. وكان من المفترض أن تقام مباراة نابولي وساليرنيتانا، السبت، في الساعة 3 بالتوقيت المحلي (الواحدة ظهراً بتو

«الشرق الأوسط» (نابولي)
الرياضة نابولي لوضع حد لصيام دام ثلاثة عقود عن التتويج بلقب الدوري الإيطالي

نابولي لوضع حد لصيام دام ثلاثة عقود عن التتويج بلقب الدوري الإيطالي

بدأت جماهير نابولي العد التنازلي ليوم منشود سيضع حداً لصيام دام ثلاثة عقود عن التتويج في الدوري الإيطالي في كرة القدم، إذ يخوض الفريق الجنوبي مواجهة ساليرنيتانا غدا السبت وهو قادر على حسم الـ«سكوديتو» حسابياً. وسيحصل نابولي الذي يتصدر الدوري متقدماً بفارق 17 نقطة عن أقرب مطارديه لاتسيو (78 مقابل 61)، وذلك قبل سبع مراحل من نهاية الموسم، على فرصته الأولى لحسم لقبه الثالث في تاريخه. ويتوجب على نابولي الفوز على ساليرنيتانا، صاحب المركز الرابع عشر، غدا السبت خلال منافسات المرحلة 32، على أمل ألا يفوز لاتسيو في اليوم التالي في سان سيرو في دار إنتر ميلان السادس.

«الشرق الأوسط» (روما)
الرياضة كأس إيطاليا: مواجهة بين إنتر ويوفنتوس في خضم جدل بسبب العنصرية

كأس إيطاليا: مواجهة بين إنتر ويوفنتوس في خضم جدل بسبب العنصرية

سيكون إياب نصف نهائي كأس إيطاليا في كرة القدم بين إنتر وضيفه يوفنتوس، الأربعاء، بطعم المباراة النهائية بعد تعادلهما ذهاباً بهدف لمثله، وفي خضمّ أزمة عنوانها العنصرية. ولا يزال يوفنتوس يمني نفسه بالثأر من إنتر الذي حرمه التتويج بلقب المسابقة العام الماضي عندما تغلب عليه 4 - 2 في المباراة النهائية قبل أن يسقطه في الكأس السوبر 2 - 1. وتبقى مسابقة الكأس المنقذ الوحيد لموسم الفريقين الحالي على الأقل محلياً، في ظل خروجهما من سباق الفوز بلقب الدوري المهيمن عليه نابولي المغرّد خارج السرب. لكن يوفنتوس انتعش أخيراً بتعليق عقوبة حسم 15 نقطة من رصيده على خلفية فساد مالي وإداري، وبالتالي استعاد مركزه الثال

«الشرق الأوسط» (ميلانو)

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.