لماذا أسست روسيا «منصة ثلاثية» جديدة لسوريا؟

وزراء خارجية روسيا وقطر وتركيا خلال مؤتمر صحافي في الدوحة اول امس ( أ. ب )
وزراء خارجية روسيا وقطر وتركيا خلال مؤتمر صحافي في الدوحة اول امس ( أ. ب )
TT

لماذا أسست روسيا «منصة ثلاثية» جديدة لسوريا؟

وزراء خارجية روسيا وقطر وتركيا خلال مؤتمر صحافي في الدوحة اول امس ( أ. ب )
وزراء خارجية روسيا وقطر وتركيا خلال مؤتمر صحافي في الدوحة اول امس ( أ. ب )

الاختبار الأول لـ«المنصة الثلاثية» حول سوريا، التي أطلقتها روسيا مع تركيا وقطر بغياب إيران، سيكون النجاح بعقد اجتماع الجلسة السادسة للجنة الدستورية قبل حلول شهر رمضان في منتصف الشهر المقبل، كما وعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في ختام اجتماع «المنصة» في الدوحة أول من أمس.
- الموقف الأميركي
بداية، جاء تأسيس «المنصة الثلاثية» الجديدة في لحظة هجوم دبلوماسي روسي خلال المرحلة الانتقالية الأميركية. الواضح، أن سوريا ليست أولوية لإدارة الرئيس جو بايدن، إذ تجري حالياً عملية مراجعة للسياسة الأميركية تجاه سوريا بقيادة مسؤول الشرق الأوسط الجديد في مجلس الأمن القومي بريت ماغورك. وكل المؤشرات، تدل على أن الأميركيين قرروا البقاء في شمال شرقي سوريا، وأن هذا الوجود لن يكون عرضة لتغريدات مفاجئة من بايدن، كما كان يحصل مع سلفه الرئيس دونالد ترمب. ستبقى أميركا تعبر عن «الموقف الأخلاقي» ذاته من الأزمة السورية، لكنها «لن تجد نفسها مكلفة بالقيام بأي شيء ملموس» باعتبار أنها «لا تريد أن تكون شرطي العالم».
الشيء الثابت هو العودة إلى المصلحة المباشرة المتمثلة بقتال «داعش» والاكتفاء بدعم سياسي لتنفيذ القرار 2254 وتقديم مساعدات إنسانية، وحديث خطابي عن موضوع المساءلة والمحاسبة. ومن المؤشرات الأخيرة إلى ذلك، أن وزير الخارجية طوني بلنكين قرر إلغاء تقديم خطاب تلفزيوني إلى مؤتمر بروكسل للمانحين في 30 الشهر الجاري. ستقدم واشنطن وعوداً مالية في المؤتمر، لكن الوفد سيقوده السفير الأميركي وليس وزير الخارجية. بدلاً من ذلك، قرر بلنكين الدعوة مع بلجيكا إلى مؤتمر للتحالف الدولي ضد «داعش» في 30 الشهر الجاري، يوم انعقاد مؤتمر بروكسل.
- الأولويات واضحة
يضاف إلى ذلك، أن المؤسسات الأميركية تجري مراجعة لآثار العقوبات بما فيها «قانون قيصر» على مواجهة «كورونا» والوضع الإنساني. ويعتقد أن هذا سيكون له أثر في سرعة إصدار قوائم جديدة من العقوبات، من دون أن يعني ذلك تغيير «قانون قيصر» المقر من الكونغرس الذي يسعى بعض أعضائه لفرض عقوبات إضافية.
لكن الجانب الأميركي وافق مبدئياً على إصدار بيان رباعي مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا غداً، يتضمن مبادئ الموقف السياسي في مناسبة الذكرى العاشرة للأزمة السورية في 15 الشهر الجاري، الأمر الذي سيقوم به الاتحاد الأوروبي أيضاً بإصدار بيان باسم الدول جميعاً، تضمنت مسودته عناصر، بينها أنه لا مشاركة في إعمار سوريا «قبل تقدم جوهري في العملية السياسية»، وأن «أي انتخابات سورية لا تجري وفق القرار 2254، لن تكون سبباً لتطبيع العلاقات مع دمشق»، إضافة إلى القول إن «جذور الأزمة» التي كانت سبباً للشرارة في 2011 لا تزال قائمة.
- الهجوم الروسي
أمام هذه الصورة والتوتر الأوسع بين واشنطن وموسكو، قررت روسيا القيام بـ«غزل» جديد لدول عربية أساسية. الهدف، محاولة جديدة لإقناعها بالتطبيع مع دمشق وإعادتها إلى الجامعة العربية، إضافة إلى المساهمة في إعمار سوريا وتقديم مساعدات إنسانية. البعض يرى أن «أسباب تجميد عضوية دمشق لا تزال قائمة»، وأنه «لا بد من حل سياسي يرضي الأطراف السورية»، وأن «الميليشيات الطائفية تعرقل الحل ولا بد من خروجها من سوريا»، فيما يرى آخرون أن «قانون قيصر» يحد من إمكانات التطبيع سواء من الدول أو القطاع الخاص. وقال لافروف في مؤتمر صحافي مع نظيريه القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والتركي مولود تشاووش أوغلو: «ليس بوسعي إلا أن أرحب ببلورة موقف جماعي لدى الدول العربية بشأن ضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وأعتقد أن هذا سيكون قراراً موحداً سيلعب دوراً إيجابياً في استقرار الأوضاع في هذه المنطقة الكبيرة برمتها».
لكن الواضح أن «الموقف الموحد» لم يتبلور بعد، فكان الاهتمام حالياً بإطلاق «منصة ثلاثية» جديدة تضم تركيا وقطر. وإذا كانت «منصة آستانة» بمشاركة روسيا وتركيا وإيران أطلقت في مايو (أيار) 2017، للتركيز على البعد العسكري والتوصل إلى اتفاقات «خفض التصعيد» قبل أن تتحول إلى البعد السياسي بعقد «مؤتمر الحوار الوطني» في سوتشي بداية 2018، ثم التركيز على المسار الدستوري باجتماع ثلاثي لـ«الضامنين» بداية العام، فإن الواضح أن «المنصة» الجديدة تركز في شكل مباشر على بعدين: إنساني ودستوري... وفي شكل غير مباشر على بعد سياسي - عسكري: مواجهة الأكراد، خلفاء واشنطن.
- اتفاق خطي
إذا كانت «منصة آستانة» سحبت تركيا من «مجموعة لندن 11» التي كانت تقودها أميركا لدول تدعم المعارضة، فإن «المنصة» الجديدة وضعت قطر أيضاً في مجموعة جديدة شكلتها روسيا. وكان لافتاً أن البيان الثلاثي، يشبه إلى حد كبير بيانات «مجموعة آستانة»، خصوصاً الأخير الخاص بـ«الدستورية».
لكن الأبرز، هو ثلاث نقاط: الأولى، «التأكيد على مكافحة الإرهاب في جميع صوره وأشكاله والوقوف في وجه الأجندات الانفصالية». المقصود هنا، «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من أميركا. اللافت، أن يأتي هذا بعدما تأكد أن الوجود الأميركي شرق الفرات بات ثابتاً مع إدارة بايدن، حيث يقود الملف السوري ماغورك الذي تعده أنقرة «متعاطفاً» مع الأكراد إلى حد أن مسؤولين أتراكاً سموه «لورانس الأكراد» تشبيهاً بـ«لورانس العرب» في بدايات القرن الماضي. ولم تكن صدفة، حملة التصعيد السياسية والعسكرية من موسكو وأنقرة ودمشق ضد «الإدارة الكردية» في القامشلي أمس.
الثانية، التأكيد على «الحاجة لزيادة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى جميع السوريين بمختلف أرجاء البلاد». بالنسبة إلى أنقرة، تفسر هذه العبارة بأنها مقدمة لتمديد روسيا لقرار إيصال المساعدات «عبر الحدود» لدى انتهاء ولاية القرار الحالي في منتصف يوليو (تموز) المقبل. لكن بالنسبة إلى موسكو، فإن هذا قد يكون منصة لمساهمة قطر وتركيا في إعمار سوريا بطريقة ما من البوابة الإنسانية، أمام معارضة أوروبا وأميركا.
الثالثة، دعم المسار الدستوري عبر «التأكيد على الدور المهم للجنة الدستورية وضمان احترام الأطراف السورية معايير العمل». خطة الوزراء الثلاثة، هي عقد اجتماع الجلسة السادسة قبل شهر رمضان. قبل الاجتماع الثلاثي كان رئيس «الوفد المدعوم من الحكومة» أحمد الكزبري قدم ورقة للاتفاق مع رئيس وفد «هيئة التفاوض» المعارض هادي البحرة على آلية صوغ الدستور. مساء أول من أمس، أرسل البحرة ورقة مضادة إلى المبعوث الأممي غير بيدرسن الذي سيرسلها إلى الكزبري.
عليه، فإن الاختبار هو إمكانية التوصل إلى اتفاق خطي كما يريد بيدرسن حول آلية عمل «الدستورية» وعقد جلسة جديدة خلال أسابيع. موسكو تضغط بهذا الاتجاه، لكن الأيام ستكشف موقف طهران التي لم تحضر اجتماع الدوحة وموقف دمشق من مخرجات هذه «المنصة» الجديدة التي تحولت إلى مسار دائم. عقد ممثلو الدول الثلاث ثلاثة اجتماعات غير معلنة وسيعقدون اجتماعهم المقبل في تركيا ثم روسيا.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».