ريتشارد نيفيو... «مهندس» العقوبات و«شفرة» الضغوط القصوى على إيران

انضمامه لإدارة بايدن قد يؤشر لتشدّد أميركي في الملف النووي

ريتشارد نيفيو... «مهندس» العقوبات و«شفرة» الضغوط القصوى على إيران
TT

ريتشارد نيفيو... «مهندس» العقوبات و«شفرة» الضغوط القصوى على إيران

ريتشارد نيفيو... «مهندس» العقوبات و«شفرة» الضغوط القصوى على إيران

عندما طُرح اسم روبرت مالي لشغل منصب المبعوث الرئاسي الأميركي لشؤون إيران، قوبل اختياره بترحيب إيراني وانتقادات في واشنطن ومخاوف من تساهله وسياساته المهادنة. ولكن خلال الأسبوع الماضي أعلن الرئيس جو بايدن تعيين ريتشارد نيفيو في منصب نائب المبعوث الخاص في وزارة الخارجية الأميركية، وهذه المرة حدث العكس؛ إذ قوبل تعيينه بترحيب واسع في أوساط السياسيين وبصفة خاصة الجمهوريون، واستياء وانتقادات لاذعة في الجانب الإيراني. أما السبب، فهو أن سجل نيفيو الحافل في قيادة سياسة العقوبات الأميركية دقّ أجراس الإنذار في إيران بشكل واسع. ولقد وصف أحمد ناردي، عضو البرلمان الإيراني، هذه التعيين بأنه «دليل على حقد إدارة بايدن»، ووصف نيفيو بأنه «مهندس العقوبات القمعية ضد إيران» و«محامي الشيطان».
الانتقادات الأميركية لخطوة تسليم قيادة ملف العلاقات مع إيران لروبرت مالي جاءت تخوفاُ من مسار متساهل تقوده إدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطية لإحياء الدبلوماسية مع إيران، إلا أن الترحيب بتعيين نيفيو، الخبير المخضرم في العقوبات، جاء ليطمئن المتخوّفين إلى أن الإدارة لن تغير موقفها بسهولة تجاه إيران. بل يرى كثيرون، أنه تعيين لا يبشر بالخير لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؛ لأن ضم نيفيو إلى فريق بايدن يتزامن مع وضع طهران مسألة رفع العقوبات على قمة أولوياتها وربطت إعادة أحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» (أي الاتفاق النووي) برفع العقوبات الأميركية عن طهران. والرجل الذي أتقن «فن هندسة العقوبات» لن يشارك على الأرجح في العمل على رفعها.
في هذه الأثناء، يقول مسؤولون في الخارجية الأميركية، إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن يحاول أن يدفع بكل من مالي ونيفيو في المفاوضات حول الاتفاق النووي ليشكلا معاً تنوعاً في وجهات النظر، وتنفيذ سياسة «شد وجذب» وفقاً للمتغيرات، وإحداث نوع من التوازن في التعامل الأميركي مع الملف؛ لكونهما يملكان خبرة طويلة في التعامل مع إيران، ولقد تعلما من التجارب السابقة في التفاوض مع ساستها
- من هو نيفيو؟
يصف عارفو ريتشارد نيفيو، بأنه شخص حاد، الذي لا يهادن ولا يجامل، وهو خبير مرموق في الشؤون الأمنية، وبالأخص، في مجال الأسلحة النووية. ولقد عمل مديراً في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولمبيا العريقة في مدينة نيويورك، وكذلك شغل منصب كبير الباحثين في كلية الشؤون الدولية بكولمبيا. وهو يحمل درجتي البكالوريوس في العلاقات الدولية والماجستير في السياسات الأمنية من جامعة جورج واشنطن في العاصمة واشنطن.
انضم نيفيو إلى فريق إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في منصب مدير شؤون إيران ضمن مجلس الأمن القومي بين 2011 و2013، وفي ذلك الوقت أشرف على عمليات توسيع العقوبات على إيران قبل إبرام الاتفاق النووي عام 2015. وكذلك شارك في رسم العقوبات على كلٍ من روسيا وكوريا الشمالية. بعدها، شغل منصب نائب المنسق الرئيسي لسياسة العقوبات في وزارة الخارجية من 2013 إلى 2015، ومن ثم انضم إلى معهد بروكينغز زميلاً غير مقيم في مبادرة الحد من التسلح وعدم الانتشار النووي. ولقد برز اسمه بعد تأليفه «فن العقوبات» الذي نشر عام 2017، وهو يحدد طريقة وأسلوب تفكيره ومنهجه في استخدام العقوبات كأداة للسياسة الخارجية.
نيفيو يعتبر أن العقوبات تحقق أقصى قدر من الفاعلية حين تعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية، هي: أولاً وضوح الهدف المحدد المرجو تحقيقه. وثانياً فهم واضح لهدف العقوبات بمعنى معرفة نقاط الضعف ونقاط القوة، وأفضل طريقة لاستنزاف الهدف. وثالثاً توفير قصة مقنعة حول السبب وراء فرض العقوبات والحصول على دعم دولي لها، وتحديد الوقت المناسب لرفع العقوبات بعد أن تكون قد حققت أهدافها. وهو يرى أن اعتماد هذا الأسلوب أسهم في «إنجاح المفاوضات» مع الجانب الإيراني ووضع «خطة العمل المشتركة الشاملة» (الاتفاق النووي) إبان عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وهو يقول في كتابه، إن الدول تتجه بشكل متزايد إلى العقوبات كأداة للسياسة الخارجية، لكن هذه الأداة العقابية تفقد كفاءتها وهدفها في تغيير سلوك الكيان المستهدف إذا ما استخدمت من دون استراتيجية واضحة. ومن ثم، يصف أسلوب فرض العقوبات بأنه «فن يحتاج إلى نوع خاص من الإبداع لدى صناع القرار، ويحتاج إلى لاعب ماهر، مثل لاعبي كرة القدم، يجيد المناورة والتلاعب في استخدام الأدوات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كأدوات للعقوبات».
- عقوبات إدارة أوباما
الفكرة الأساسية في العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على إيران هي أن تتسبب في «إيلام» طهران، لكن في الوقت نفسه لا ينبغي للعقوبات أن تسبب الألم أو الضرر فحسب، بل أن تركز أيضاً على تعزيز أهداف وغايات السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وهنا يأتي هدف إجبار إيران على إنهاء برنامجها النووي.
في المقابل، يقول فريق من المحللين، إن استراتيجية العقوبات الأميركية ضد إيران فشلت. إذ إنه بينما فرضت العقوبات على قطاع البتروكيماويات الإيراني، بدأ الإيرانيون في ترشيد استهلاك الوقود؛ ما أدى إلى انخفاض الاستهلاك. كذلك زادوا إنتاج الوقود، وتحديداً البنزين والديزل، في المصافي... وبهذه الطريقة نجحوا في الالتفاف على استراتيجية مقاطعة عقوبات البتروكيماويات والغاز. ومن ثم، لجأوا إلى تطوير القطاعات غير النفطية، كما حاول النظام الإيراني بيع المنتجات بأساليب غير شرعية وغير قانونية.
على هذا يرد ريتشارد نيفيو، مشدداً على عامل «الحرب النفسية» في العقوبات وتأثيرها الذي يتجاوز تطبيع العقوبات وإنفاذها. ويؤكد أن الحرب النفسية على إيران لعبت دوراً أساسياً في دفع النظام الإيراني إلى اتخاذ قرارات خاطئة ووقوع الصدام بين رجال الدولة، إضافة إلى خلق حالة اليأس والإحباط لدى الشعب الإيراني.
ثم إنه يقول بأنه لا بد من فهم واضح لهدف العقوبات ودوافعها، ومراعاة العوامل النفسية مثل القدرة على مقاومة العقوبات، ومراقبة وتقيين العقوبات باستمرار، وكذلك امتلاك فكرة واضحة عن الشروط والأحكام لرفع العقوبات والقدرة على نقل الرؤية إلى الهدف. ويحذر، بالتالي، من أنه ما لم تتحقق هذه المبادئ، فقد ينتهي الأمر بالعقوبات إلى المبالغة أو التقليل... ما يدل في كلتا الحالتين على قلة نجاعتها.
- انتقاده عقوبات ترمب
بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي عام 2018، خرج ريتشارد نيفيو بانتقادات للعقوبات التي فرضتها إدارة ترمب على الجانب الإيراني. وأشار في حوارات عدة إلى أن ترمب اتبع نهج العقوبات، لكنه لم يستطع الاستفادة منها. وتابع «المشكلة الأكبر لسياسة عقوبات ترمب كانت في افتقارها للدعم الدولي والعلاقة الإيجابية اللازمة لكي تكون العقوبات فعالة. ثم إنها كانت مفرطة في التوجّه وغير قابلة للتكيّف بشكل كافٍ مع الشواغل الدولية والبيئة الدولية». وأردف «إن ممارسة ضغط بغية تحقيق هدف ما، تعني تحاشي التحرك ببطء، وكذلك تجنب التحرك بسرعة».
وفي ندوة عقدها نيفيو في «مركز أبحاث الأمن العلمي» (CGSR)، خلال العام الماضي، أشار إلى أن التوترات تصاعدت الولايات المتحدة وإيران بعد قرار ترمب الانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» واستئناف حملة العقوبات. وأضاف، أن مستشاري ترمب الذين ساندوا هذا القرار كانوا يتوقعون بالتأكيد هذا التوتر من جانب إيران، وكانت لديهم خطة للتعامل مع الطريقة التي ستتعامل معها إيران مع الضغط العسكري والاقتصادي. ومن ثم، خلص إلى وصف سياسة ترمب بأنها كانت «فاشلة... إذ إن حملة العقوبات القصوى لم تكن حملة ضغط قصوى، ولم ينجم عنها تغيير في سلوك إيران، ولم تدفع إيران لمفاوضات لاتفاق جديد كما كانت ترغب إدارة ترمب».
وبعد هذه استطرد موضحاً، أنه يوافق على العقوبات، لكنه يختلف في أسلوب فرضها وكيفية الحصول على الأهداف المرجوة منها، وقال «أنا متوافق مع فكرة الضغط القصوى، وهي تتوافق مع ما قمنا به منذ إدارة جورج بوش الابن، وإدارة أوباما. ولذا؛ أنا لا أختلف في فكرة فرض العقوبات؛ ففي رأيي أن العقوبات كانت وسيلة فعالة لدفع إيران لتغيير سياساتها النووية، لكن الفارق بين عقوبات (بوش أوباما) وعقوبات ترمب أن الأولى كانت عقوبات ارتبطت بوسائل ضغط على الإيرانيين. كانت خليطاً من العقوبات أعطت إدارة أوباما نوعاً من المزايا على الإيرانيين للتفاوض حينما جاءوا إلى الطاولة، وكنا في المقابل مستعدين لإعطائهم عرضاً جعل الاستراتيجية التي اتبعها بوش وأوباما في العقوبات تنجح».
- نصف استراتيجية فقط
وفي سياق انتقاده سياسات ترمب، ادعى أن الرئيس السابق «استخدم فقط نصف الاستراتيجية، وفرض العقوبات دون أن يكون لديه مساندة دولية، وهو أمر مهم في التواصل وفرض العزلة الاقتصادية». وذكر أن الرسالة التي كان يجب أن تصل إلى إيران هي أنها معزولة دولياً؛ ولذا عليها تغيير سلوكها. وهنا واضح أنه يشير إلى أهمية المساندة الدولية لفرض العقوبات، وبالذات من الدول التي لها ثقل وتواصل مع إيران، وتستطيع أن تضغط عليها وإفهامها بضرورة تغيير سلوكها، والقصد هي الدول التي لها علاقات تجارية مع إيران مثل الهند والصين وروسيا.
هنا، يشدد نيفيو على أن إيران تهتم كثيراً بتوجهات المجتمع الدولي، وتريد منه الاعتراف بها كدولة مستقلة لها دور على الساحة الدولية، ولقد تألمت حينما أوقف الأوروبيون الصفقات الاقتصادية معها، وكذلك حينما أوقفت الهند استيراد النفط منها في عامي 2010 و2011. وهو في كل هذا، يلوم إدارة ترمب على «التصرف بشكل أحادي من دون العمل مع الحلفاء والشركاء في فرض عقوبات من خلال مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة». ويتابع «عندما نتكلم مع حكومات أوروبا وآسيا ونطالبهم بمساندتنا، فإنهم يتعاملون بجدّية مع قرارات مجلس الأمن التي لها ثقل قانوني وسياسي، وليس فقط لأن أميركا تريد منهم القيام بذلك».
وفي سياق انتقاد عقوبات ترمب، يزعم نيفيو أن تنفيذ العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب «كان متذبذباً وغير منسق ويشوبه الكثير من الغموض». ويقول إنه عندما فرض ترمب عقوبات ضد شركات الشحن الصيني، أدى ذلك إلى إشكاليات كبيرة تتعلق بزيادة أسعار الشحن، ورفع أسعار النفط، وإقدام شركات عديدة على إلغاء العقود... ما أثر على الاقتصادين الأميركي والاقتصاد الصيني معاً.
ثم، مع أن نيفيو يتقبل أن حملة الضغط القصوى التي فرضتها إدارة ترمب أدت إلى تأزم الاقتصاد الإيراني ومعاناته من ارتفاع في التضخم ومستويات البطالة وتراجع معدلات النمو، فهو يذكّر بأن الاقتصاد الإيراني تأقلم مع الأزمات منذ عقود، والتأزم الاقتصادي لا يعني الانهيار السياسي. ثم يقول، إنه رغم نفي إدارة ترمب نيتها تغيير النظام في إيران، فإن أفعالها كانت تشير إلى ذلك. ولقد راهنت إدارة ترمب – حسب زعم نيفيو – على غضب شعبي على السلطة من جراء الضغوط الاقتصادية والعقوبات، «لكن الإيرانيين كانوا ينظرون إلى ما حدث في سوريا وليبيا ولا يريدون أن يعانوا معاناة شعوب تلك الدول، ولا يريدون تغييراً سياسياً يقود إلى مصير مثل مصير سوريا وليبيا... كما كان النظام الإيراني مستعداً تماماً لاستخدام القوة من أجل الحفاظ على السلطة». ويتابع «إن سياسة العقوبات الأميركية إلى فرضتها إدارة ترمب انطوت على شكوك دولية حول نيات الولايات المتحدة ومصداقيتها، وشكوك حول فاعلية العقوبات ومدى تأثيرها. ولذا، فهو يرى أن سياسات ترمب أعادت الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه المواقف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013».
في أي حال، ما أشبه الليلة بالبارحة؛ فكل رجالات الرئيس أوباما الذين انخرطوا في المفاوضات مع الفريق الإيراني ها هم يعودون إلى الخطوط الأمامية. وبجانب ريتشارد نيفيو، هناك مالي وويندي شيرمان ومعهم الفريق المكلف شؤون إيران من البنتاغون والخارجية والخزانة، وأمامهم جميعاً تحديات جديدة في المنطقة، وتغييرات جيوسياسية متشابكة تتطلب منهم تفكير جديدة واستراتيجية أكثر حنكة لوضع إيران على مسار الصحيح. فهل ستنجح السياسات المهادنة أم لا بد من الإجراءات العقابية؟



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».