العلاج بالأجسام المضادة المخلّقة يفتح كوّة جديدة في جدار «كورونا»

مقر شركة غلاكسوسميثكلاين في لندن (أرشيف - رويترز)
مقر شركة غلاكسوسميثكلاين في لندن (أرشيف - رويترز)
TT

العلاج بالأجسام المضادة المخلّقة يفتح كوّة جديدة في جدار «كورونا»

مقر شركة غلاكسوسميثكلاين في لندن (أرشيف - رويترز)
مقر شركة غلاكسوسميثكلاين في لندن (أرشيف - رويترز)

تضاعفت العلامات المشجعة في الأيام الأخيرة بصدد العلاجات القائمة على الأجسام المضادة المخلَّقة ضد «كوفيد-19» وهي إحدى الطرق الرئيسية لمكافحة الوباء إلى جانب اللقاحات.
والأجسام المضادة هي أحد المكوّنات الأساسية التي يعتمد عليها جهاز الانسان المناعي. ففي مواجهة وجود عنصر خطير مثل فيروس، ينتجها الجسم بشكل طبيعي للتعرف على العنصر الدخيل.
أما فكرة الأجسام المضادة المخلَّقة في المختبر فتتمثل في اختيار أجسام مضادة طبيعية وإعادة إنتاجها بشكل صناعي ومن ثم إعطائها كعلاج، عن طريق التسريب عبر الحقن بشكل عام. ويختلف ذلك عن إعطاء اللقاح الذي يهدف إلى حضّ الجسم على إنتاج الأجسام المضادة الصحيحة من تلقائه. أما الأجسام المضادة الصناعية فتُحقن بمجرد انتشار المرض لتعويض أي قصور في جهاز المناعة.
وتستخدم هذه العلاجات أجسامًا مضادة تُسمى «أحادية النسيلة» تتعرف على جزيء معين من الفيروس أو البكتيريا المستهدفة.
وتؤكد مؤسسة ويلكوم البريطانية أن «الأجسام المضادة الأحادية النسيلة هي واحدة من أقوى أدوات الطب الحديث» العلاجية. وتتوافر هذه العلاجات منذ نحو ثلاثين عامًا وحصل نحو 100 منها على براءة اختراع . لكن استخدامها كان حتى الآن يتركز في أكثر الأحيان على معالجة السرطانات أو الأمراض الناتجة عن خلل في الجهاز المناعي مثل مرض «كرون»، وليس على عدوى فيروسية مثل «كوفيد-19».
لكن عالم المناعة البريطاني ألكسندر إدواردز من جامعة ريدينغ يقول إن الأجسام المضادة الية «كانت لديها دائمًا إمكانات هائلة لمكافحة أي عدوى بشكل مباشر». ومن ثم فقد جاءت الجائحة لتعزز هذا الجزء من الأبحاث على الأجسام المضادة الصناعية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي على نطاق أوسع إلى تحقيق اختراق في استخدامها ضد العدوى، وفق إدواردز.
وهناك أربعة مشاريع هي الأكثر تقدمًا لدى شركة غلاكسوسميثكلاين البريطانية العملاقة بالشراكة مع مختبر فير في كاليفورنيا وشركات ريجينيرون وإيلاي ليلي الأميركيتين وسلتريون الكورية الجنوبية.
هذا الأسبوع، أعلنت اثنتان منها عن نتائج مشجعة بعد تجربة المرحلة الثالثة لدى مئات الأشخاص مع السعي لطرح منتجاتهما بسرعة في السوق.
وأعلنت إيلاي ليلي الأربعاء عن انخفاض كبير جدًا (-87%) في حالات الاستشفاء والوفيات بين المرضى الذين تلقوا مزيجًا من جسمين مضادين تنتجهما. والخميس أعلنت غلاكسوسميثكلاين وفير عن نتائج مماثلة (-85%) باستخدام الجسم المضاد «فير-7831».
وأبلغت سلتريون منذ يناير (كانون الثاني) عن نتائج إيجابية لتجاربها، وبالمثل فعلت ريجينيرون بعدها ببضعة أسابيع.
وقد حصلت ريجينيرون على الترخيص في الولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 واستفاد من تركيبتها الرئيس السابق دونالد ترمب حتى قبل ذلك التاريخ في أوائل أكتوبر (تشرين الأول).
وأعطت وكالة الأدوية الأوروبية الضوء الأخضر في نهاية فبراير (شباط) لاستخدام الأجسام المضادة المخلّقة لدى المرضى الذين لا يواجهون خطرًا كبيرًا للإصابة بأعراض «كوفيد-19» الحادة.
ورُخصت الأجسام المضادة التي طورتها إيلاي ليلي في الولايات المتحدة وفرنسا للاستخدام لدى من تزيد أعمارهم عن 80 عامًا. لكن هذا الخيار لا يحظى بالإجماع لدى الأطباء الفرنسيين لأنه يتعلق بجسم مضاد واحد وليس بمزيج من الأجسام المضادة، والفعالية في هذه الحالة أقل وضوحًا بكثير.
وبدأت السلطات الأوروبية تقييم المزيج الذي طورته إيلاي ليلي وكذلك عقار سيلتريون، فيما تستعد غلاكسوسميثكلاين وفير للحصول على إذن وفق الآلية العاجلة في الولايات المتحدة ودول أخرى.
وقالت المديرة الطبية لشركة غلاكسوسميثكلاين في فرنسا صوفي مولر لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الجسم المضاد الذي طورته المجموعة يستهدف منطقة من بروتين شوكة الفيروس (نتوء على غلافه) لم تتغير لدى المتحورات الحالية، ومن هنا أهميته».
لكن قد لا ينطبق الأمر نفسه على متحورات قد تكون مقاومة له في المستقبل. على هذا الأساس، تركز بعض الأبحاث بدلاً من ذلك على تطوير أجسام مضادة متعددة النسيلة قادرة على التعرف على مزيد من جزيئات الفيروس على الفور.
وجدير بالذكر أن حقن الجسم المضاد الذي طورته إيلاي ليلي يكلف نحو ألف يورو. لكنه يظل أرخص من العلاج في المستشفى، كما يقول الأطباء. ولتحسين توافر الأجسام المضادة الصناعية، ينبغي زيادة القدرات الإنتاجية التي ما زالت غير كافية لضمان استخدامها على نطاق واسع.


مقالات ذات صلة

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

صحتك بهدف تكوين صورة بصرية ذات معنى لمشهد ما تقوم أعيننا بسلسلة من الحركات السريعة المنسقة (رويترز)

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

تبرز مؤخراً طريقة جديدة للكشف المبكر عن مرض ألزهايمر ترتبط بالاستماع إلى حركة عيون المرضى عبر ميكروفونات في آذانهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك شعار «شات جي بي تي» يظهر أمام شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

هل يساعد «شات جي بي تي» الأطباء حقاً في تشخيص الأمراض؟ الإجابة مفاجئة

يتساءل الكثير من الأشخاص حول ما إذا كان برنامج الدردشة الآلي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي قادراً على مساعدة الأطباء في تشخيص مرضاهم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يرفع العلاج الجديد مستويات البروتين في الخلايا الحساسة للضوء بشبكية العين (هارفارد)

علاج جيني يُعيد القدرة على السمع ويعزّز الرؤية

طوّر باحثون بكلية الطب في جامعة «هارفارد» الأميركية علاجاً جينياً للمصابين بمتلازمة «آشر من النوع 1F»، وهي حالة نادرة تسبّب الصمم والعمى التدريجي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

كشفت دراسة حديثة أن استهداف العصب الذي غالباً ما يكون مبهماً يؤدي إلى تحسين معدل نجاح العلاج بالتبريد والعلاج بالترددات الراديوية لالتهاب الأنف المزمن.

العالم العربي من داخل مجمع مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح في قطاع غزة (أرشيفية - أ.ب)

«أطباء بلا حدود»: مواصلة إسرائيل تدمير النظام الصحي في غزة ستَحرم مئات آلاف السكان من العلاج

حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، اليوم الأحد، من أن مواصلة إسرائيل تدمير النظام الصحي في قطاع غزة ستَحرم مئات آلاف السكان من العلاج الطبي.

«الشرق الأوسط» (غزة)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».