سنوات السينما

ماجدة الخطيب وأحمد زكي في «العوّامة 70»
ماجدة الخطيب وأحمد زكي في «العوّامة 70»
TT

سنوات السينما

ماجدة الخطيب وأحمد زكي في «العوّامة 70»
ماجدة الخطيب وأحمد زكي في «العوّامة 70»

- العوّامة 70
- (1982)
- ★★★★

- جريمة على ضفاف النيل
يحمل الفيلم الثاني لخيري بشارة من بعد «الأقدار الدامية» سمات العمل الجديد كمعالجة وكأسلوب. ذلك النوع من السعي لتجديد العمل على النص السينمائي وتحقيق آفاق أخرى عادة ما تلتهمهما الحكايات المبسّطة حول الفرد في مواجهة الفساد الاجتماعي والإداري.
السيناريو من الراحل فايز غالي الذي كثيراً ما كتب بوجدانياته وطموحاته لكشف الجانب المزيّف من الوضع الاجتماعي في حكاياته. هو ابن فترة انتقلت فيها السينما المصرية من نقد اجتماعي محدود الأثر وتقليدي الطرح إلى إطار رغبة حثيثة لتوفير هذا النقد على نحو جديد متحرر عن تبعيات الأفلام السابقة التي كانت تلك الأفلام فيها تكتفي بأن تكون ساعي بريد يوصل الرسالة وينصرف. غالي والمخرج بشارة والسيناريست بشير الديك والمخرجون عاطف الطيب ورضوان الكاشف ومحمد خان من الذين جددوا في هذا الاتجاه وأجادوه.
يتيح السيناريو هنا المجال واسعاً للإحساس بالحياة خارج نطاق ما يدور في الفيلم من أحداث، ومن أهم ميزاته هو سعي الكاتب للتوازي ما بين اهتماماته بسرد واقعة ينسج منها تعليقاً اجتماعياً هادفاً، وبين تقديم شخصيات حيّة وشابة مشدودة إلى الواقع الذي تنتمي إليه بقدر ما هي مشدودة إلى مثالياتها وآمالها.
إنه من الصعب، إلى حد ما، معرفة أين ينتهي دور الكاتب وأين يبدأ دور المخرج في عملية بلورة هذا الإحساس. الأغلب أن الكاتب قدم أسساً سليمة استخلص منها بشارة عالماً واسعاً من التجريب وأعطاه نبضاً حياتياً قد يبدو رتيباً في إيقاعه، لكنه سليم لناحية الإلمام بتفاصيل ذلك النبض ولحظاته.
الحكاية معهودة في خطوطها العريضة: أحمد (أحمد زكي) شاب أمام تجربة تحقيق فيلم تسجيلي التقط خيوطه من معلومات تسرّبت إليه حول فساد في معمل قطن. العامل الذي قصد البوح بمعلوماته للمخرج يُقتل بعد حين وجيز من لقائه بأحمد والشرطة لا تمسك بأي خيوط تريد متابعتها غالباً من باب إسدال الستار على ما يحدث في ذلك المعمل من تجاوزات وتلاعب أصحابه باحتياجات الناس وأموال الدعم الحكومي.
في هذا الحين يزور أحمد والده في الريف. الزيارة تطرح أمامه السؤال حول انتماءاته. هل هو ابن الريف المهاجر أو ابن المدينة الذي يحن للبيئة التي وُلد فيها. يضع المخرج هذا السؤال عبر مشاهد ملتقطة بحنين للأرض وللناس الذين يعيشون فوقها وينجح في تصوير تداعيات السؤال في ذات شخصيته الرئيسية. حين عودة أحمد يُفتح التحقيق مجدداً لكنه هذه المرّة هو المتهم بالجريمة وذلك لإسكات رغبته في صنع فيلم عن الحادثة.
بذلك يطرح الفيلم بعض الأسئلة الأخرى: هل من الواجب الإذعان وكتم الحقيقة أو البوح بها مهما كانت العواقب؟ هل سينجح أحمد في إيصال الحقيقة إلى الناس أم إبقاء الصراع في ذاته؟ هل سيخرج الفيلم الذي يريد أو الفيلم الذي سيكتفي بتوقيع اسمه عليه؟
هناك خط بوليسي - سياسي في هذه الحكاية من دون أن تُلهي المُشاهد عن ذلك الصراع بين الواجب والمصلحة وبين رغبة أحمد الفنية والذاتية في تحقيق أعمال ذات أصالة تعمل بمقتضى النيّة في كشف المستور وبين مجرد العمل في المهنة لذاتها.
تمثيل جيد من أحمد زكي كما من كمال الشناوي وتيسير فهمي وماجدة الخطيب إلى جانب نجاح المخرج خيري بشارة في تقديم عمل جيد في إيقاعه واهتماماته ما جعل من العمل علامة مميزة وواعدة في مستقبله.

(*) لا يستحق
(**) وسط
(***) جيد
(****) ممتاز
(*****) تحفة


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.