خريطة لتوازنات «قوى المعارضة» و«الحركات المسلحة» في الأراضي السورية

الوقائع الميدانية تشير إلى وجود 3 كتل رئيسية

خريطة لتوازنات «قوى المعارضة» و«الحركات المسلحة» في الأراضي السورية
TT

خريطة لتوازنات «قوى المعارضة» و«الحركات المسلحة» في الأراضي السورية

خريطة لتوازنات «قوى المعارضة» و«الحركات المسلحة» في الأراضي السورية

بعد نحو أسبوعين من سيطرة القوات الكردية على مدينة «كوباني» بدعم من ضربات التحالف الجوية، تبدو سوريا اليوم منقسمة أكثر من أي وقت مضى؛ فما الوضع العسكري الراهن على الأرض؟ وكيف تطورت المعارك خلال الأشهر الستة الماضية؟
تظهر الوقائع الميدانية أن سوريا اليوم منقسمة إلى ثلاث كتل رئيسية؛ أولها المنطقة الغربية، وتشمل دمشق وضواحيها، ومنطقة السويدي واللاذقية الممتدة حتى حلب، التي لا تزال في الغالب تحت سيطرة قوات نظام الأسد، في حين تنتشر المعارضة السورية في محافظة إدلب والريف الغربي لحلب، وتسيطر على أجزاء من شمال حماه وريف حمص وحي الغوطة، فضلا عن محافظتي درعا والقنيطرة. أما المناطق الشمالية الشرقية فخاضعة لـ«داعش».

يشير يزيد صايغ الباحث الرئيسي في مركز كارنيغي لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن العام الماضي شهد تطورات عدة، تمثلت أولا في تمكن النظام تقريبا من محاصرة حلب، ومن ثم نجاح داعش بإخراج جميع الفصائل، باستثناء تلك التابعة للنظام، من المناطق الخاضعة لسيطرته. فضلا عن ذلك، تقدمت جبهة النصرة في جنوب سوريا وفي القنيطرة (على الحدود مع لبنان وإسرائيل). غير أن القضية الأهم في الأشهر الثلاثة الأخيرة كانت اتساع نطاق المعارك بين جبهة ثوار سوريا وحركة حزم من جهة، وجبهة النصرة من جهة أخرى، في منطقة إدلب وحلب الغربية، حسبما أشار إليه صايغ خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط».
تمكن جيش نظام بشار الأسد من تطويق المسلحين في مدينة حلب الشمالية التي لم تعد تحوي اليوم أكثر من 500.000 مدني، بحسب مؤسسة «ريش»، نتيجة الاستخدام المركّز للبراميل المتفجرة. «كما لم يبقَ أمام المدنيين الراغبين بالهروب من المدينة سوى طريق واحد نحو الشمال»، وفق ما أشار إليه الخبير الفرنسي المختص بالشؤون السورية (فابريس بالنش) في حديث إلى «الشرق الأوسط».
في موازاة ذلك، لا تزال الدول الغربية والعربية تناقش إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في المدينة.
في المقابل، تمكن «داعش» من إحكام قبضته على المناطق المحيطة بالرقة ودير الزور.. «ونجح بالسيطرة على آخر المعاقل العسكرية من مدينة طبقة (في الرقة) ووادي ضيف (خارج معرة نعمان)»، بحسب بالنش.
غير أن تقارير عدة ذكرت أنه في منطقة البوكمال في محافظة دير الزور الواقعة على طول الحدود السورية العراقية، التي يعدها التنظيم جزءا من «خلافة الدولة الإسلامية»، انحسر وجود «داعش» في الشهر الماضي، على الأرجح بسبب سلسلة الاغتيالات التي طالت عناصره وضربات التحالف الجوية بقيادة الولايات المتحدة، بحسب الموقع «Syriadirect»، ويُعتقد أن «داعش» عمد إلى سحب بعض من قواته من البوكمال» وأجزاء أخرى من دير الزور باتجاه العراق، محاولا صد هجوم الجيش العراقي الجديد ضد مواقعه في محافظة الأنبار، مما قد يُفسر أيضا بتضاؤل وجود المجموعة في المدينة.
أما محافظة درعا، فتشهد تقدم المعارضة السورية بشكل بطيء إنما ثابت، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. تطورت الأوضاع في درعا، بعد أن سيطرت «جبهة النصرة» على اللواء 82 في مدينة الشيخ مسكين. وجاء رد النظام قاسيا، لما لهذه المنطقة من أهمية؛ سواء للنظام أو للمعارضة، باعتبارها طريق الإمداد الرئيسي بين دمشق ودرعا. وقد استهدف النظام، بصر الحرير، الواقعة إلى شرق اللواء 82، على مقربة من طريق الإمداد الذي يستخدمه، بحسب «Syriadirect.» علما بأن السيطرة على اللواء 82 و«الشيخ مسكين»، بعد أكثر من شهرين من القتال مع النظام يمثل انتصارا مهما للمتمردين في إقليم تميز بخلاف هذه العملية بجمود كبير على مدى العامين الماضيين.
وفي جنوب درعا، في منطقة القنيطرة، وردت أنباء عن تنسيق بين إسرائيل وجبهة النصرة. وذكر تقرير للأمم المتحدة شمل الفترة الممتدة من مارس (آذار) إلى مايو (أيار) 2014 أن قوة الأمم المتحدة لمراقبة فصل القوات في الجولان (إندوف) رصدت تواصلا بين المتمردين والجيش الإسرائيلي، عبر خط وقف إطلاق النار في الجولان، لا سيما خلال الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين الجيش السوري والجبهة. وأكد التقرير أن قوات الأمم المتحدة رصدت المتمردين ينقلون الجرحى عبر خط وقف إطلاق النار إلى داخل منطقة تحتلها إسرائيل.
من ناحية أخرى، واجهت منطقة الحسكة الخاضعة للنفوذ الكردي توترات جديدة. حيث اشتعل الوضع منذ 3 أسابيع تقريبا عندما بدأ توزيع الغاز الذي ارتفع سعره بشكل كبير في العام الماضي إلى المدنيين الأكراد في الأحياء التي تحكمها القبائل العربية الموالية للنظام، وفقا لموقع «SyriaDirect»، مما أدى إلى حملة اعتقالات انتهت بصدامات بين القبائل العربية وقوات وحدات حماية الشعب (YPG)، سرعان ما تحولت إلى اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل العشرات، علما بأن هذه المواجهات تناقض الاتفاق الضمني القائم منذ منتصف 2012 بين النظام ووحدات حماية الشعب في المدينة، عندما شكل الجانبان تحالفا لمحاربة مقاتلي الجيش الحر سابقا ومقاتلي «داعش».
يرد صايغ سبب هذه الاشتباكات إلى محاولة النظام تعزيز سيطرته في المناطق القريبة من الأراضي الخاضعة لـ«داعش»، للاستفادة من الهجوم المحتمل الذي يُرجح أن تنفذه قوات التحالف في الموصل في الربيع المقبل؛ فـ«الأسد يسعى إلى تأمين اتصال مباشر مع العراق، إذا ما حصل فراغ بعد هذا الهجوم.. فراغ قد تحتاج الولايات المتحدة لمن يسده، وبالتالي يسعى الأسد إلى اتخاذ موقع يسمح له بالتفاوض مع الولايات المتحدة»، بحسب صايغ.
غير أن بالنش لا يوافق على هذا الرأي، معتبرا أن النظام ليس مهتما بفتح جبهة جديدة ضد الأكراد، مضيفا أن «(داعش) هو التنظيم الأخير الذي يريد الأسد تدميره، بما أن وجوده حاليا يصب في مصلحته استراتيجيا، مع ذلك يعلم الرئيس السوري جيدا أنه سيكون عليه مواجهة التنظيم عاجلا أم آجلا».
تطور مهم آخر تمثل في الجهود التي بذلتها جبهة النصرة لإخراج المعارضة السورية المدعومة من الولايات المتحدة (حركة حزم) من المعاقل الشمالية في إدلب. وبحسب تقرير «معهد دراسة الحرب»(Institute for the Study of War)، انضمت المجموعة المتمردة؛ حركة حزم، رسميا، لائتلاف «الجبهة الشامية» بقيادة «الإسلاميين» بعد عدة أيام من الاشتباكات مع «جبهة النصرة» في محافظة حلب الغربية، تمكنت خلالها جبهة النصرة من السيطرة على عدة مواقع كانت خاضعة لحركة حزم، بما في ذلك قاعدة الشيخ سليمان العسكرية.
إلى ذلك، أوردت تقارير أن جبهة النصرة والجبهة الشامية أسستا «غرفة عمليات عسكرية في ريف حلب الجنوبي».
ووفقا لمعهد دراسة الحرب، فإن اندماج حركة حزم ضمن الجبهة الشامية إنما يدل على الانخراط المتزايد للعناصر المعتدلة ضمن هياكل يهيمن عليها «الإسلاميون» في شمال سوريا، كما على فشل المساعدة الدولية للمعارضة المعتدلة بصورة فعلية، أضف إلى أنه مناورة ناجحة لمواجهة نفوذ جبهة النصرة، تقوم على تجميد الاشتباكات بين حركة حزم وجبهة النصرة، عبر وضع حركة حزم تحت حماية «الجبهة الشامية»، «غير إن إنشاء غرفة العمليات المشتركة يشكل نوعا من التنازل لصالح جبهة النصرة، ويرسخ في الوقت عينه وقف الأعمال العدائية في حلب ويحافظ على نفوذ جبهة النصرة»، بحسب التقرير.
أما في العاصمة السورية، فقد نجح النظام في تعزيز وجوده، بما أن أولويته هي اليوم حماية دمشق وتنظيف الغوطة من المتمردين، وفق بالنش. لذلك، نفذ النظام عدة غارات جوية على مواقع في الغوطة كان يتمركز فيها جيش الإسلام لقصف وسط دمشق.. «كما تقدم النظام أيضا في مليحة وجوبر»، على حد قوله.
ورغم الضربات التي ينفذها النظام في دمشق، والتقدم الذي حققه في مناطق معينة مثل دمشق وحلب، يبدو أن قوات الأسد عرضة لخطر أكبر في أجزاء أخرى من البلاد، حيث نجح «داعش» بإحراز تقدم في محافظة حماه الشرقية وحمص، في حين تقدمت النصرة في الجنوب، وفقا لصايغ الذي يضيف أن «داعش» قد وصل إلى حدود تمدده الطبيعي في الغرب، في الوقت الذي يبدي فيه السوريون تضامنا أكبر تجاه «جبهة النصرة»، نظرا للنسيج الاجتماعي السوري لا سيما في الغرب.

* باحثة غير مقيمة في المجلس الأطلسي.. مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».