بعد نيلها ثقة البرلمان... حكومة دبيبة أمام «مهام جسام»

بعد نيلها ثقة البرلمان... حكومة دبيبة أمام «مهام جسام»
TT

بعد نيلها ثقة البرلمان... حكومة دبيبة أمام «مهام جسام»

بعد نيلها ثقة البرلمان... حكومة دبيبة أمام «مهام جسام»

دخلت ليبيا رسمياً، أمس، مرحلة القضاء على ظاهرة ازدواجية المناصب والمؤسسات، بعدما نالت حكومة «الوحدة الوطنية» ثقة مجلس النواب، وسط ترحيب محلي وإقليمي ودولي واسع بـ«هذا الإنجاز»، الذي يفترض أن يقضي على الفوضى، التي ضربت البلاد منذ إسقاط النظام السابق قبل 10 أعوام.
ومع اللحظات الأولى لإعلان أن ليبيا بات لها حكومة واحدة، دعا سياسيون حكومتي «الوفاق»، التي يترأسها فائز السراج بغرب ليبيا، والمؤقتة في شرقها بقيادة عبد الله الثني، بتسليم سلطتيهما فوراً، لكن السراج سارع من جانبه لإبداء رغبته في تسليم السلطة «فوراً وبرحابة صدر».
وعانت ليبيا لسنوات عدة بسبب وجود حكومتين، ومصرفيين مركزيين بين غرب وشرق البلاد، ما اعتبره متابعون سبباً في تدهور الأحوال المعيشية لمواطنيها، وأدى أيضاً إلى ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الخدمات.
وتمنى عمر النعاس، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، أن تعمل الحكومة الجديدة على «تحقيق رغبات الشعب في حياة حرة كريمة، وترسيخ الأمن والسلام والاستقرار في جميع الأنحاء، وأن تسعى لتمكين الشعب من ممارسة حقه الدستوري وقول كلمته الفاصلة، من خلال الاستفتاء على مشروع الدستور، الذي أقرّته الهيئة المنتخبة منذ قرابة أربعة أعوام».
وفيما رآها البعض مجرد «حكومة ترضية»، ذهب آخرون إلى أنها «الخيار المتاح والأفضل في الوقت الراهن لإخراج ليبيا من دوامة الصراع المسلح، وإنجاز المهام الجسام التي تنتظرها»؛ في ظل تعهد عبد الحميد دبيبة خلال جلسة نيل الثقة بمنع اندلاع حرب مرة ثانية. أما السياسي الليبي، سليمان البيوضي، فرأى أنه «في حال تمكن هذه الحكومة من إنهاء أزمة الكهرباء فهذا يعني أننا أمام حكومة نموذجية، قياساً على سابقتها».
وعقب رفع الجلسة البرلمانية أمس، أجرى دبيبة، جولة ميدانية في مدينة سرت، قابل خلالها عددا من المواطنين في الطرقات واستمع إلى شكاياتهم، كما اطلع على أوضاع المنازل، التي دمرتها الحرب على تنظيم «داعش» قبل تطهيرها على يد قوات «البنيان المرصوص»، التابعة لحكومة «الوفاق» قبل نهاية عام 2016.
ويتعين على الحكومة الجديدة التصدي لمصاعب عدة، من أزمة اقتصادية خانقة، إلى ارتفاع حاد في نسبة البطالة، وتضخم وخدمات عامة مزرية. كما لا تزال هناك عقبات كبرى أمامها، إذ أثارت الطريقة التي جرى بها تعيين دبيبة، والحجم الكبير لحكومته انتقادات في ليبيا، واتهامات بالفساد واستغلال النفوذ قد يستخدمها من يريدون التشكيك في شرعيته لاحقا.
أما على الأرض، فلا تزال ظلال جماعات مسلحة عدة تخيم على شوارع ليبيا وشركاتها وأعمالها، وحتى مؤسسات الدولة، بينما التزمت القوى الأجنبية الداعمة لطرفي الصراع الصمت.
إضافة إلى كل ذلك، يشكل تعديل الدستور، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في 2021 تحديا بالغا رغم أن كل الأطراف ألزمت نفسها بتحقيق ذلك.
وقال طارق المجريسي، الباحث السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «إذا خرجنا بحكومة واحدة، ومجموعة واحدة من المؤسسات، فسنكون قد وصلنا بذلك لمكان أفضل كثيرا مما كنا فيه على مدى السنوات الخمس الماضية».
ورغم أن وقف إطلاق النار صامد منذ الخريف، لكن الطريق الرئيسي، الذي يمر عبر الخطوط الأمامية من سرت حتى مصراتة ما زال مغلقا، ولذلك اضطر النواب القادمون من الغرب إلى الوصول من طرابلس إلى سرت جوا.
وعلاوة على هذه المشاكل، لا يزال مرتزقة تابعون لمجموعة «فاجنر» العسكرية الروسية الخاصة، قابعين حول سرت وفي أجزاء أخرى من البلاد. علما بأنه وجهت لهم تهم بزرع شراك متفجرة في مناطق مدنية جنوب طرابلس لدى انسحابهم العام الماضي.
في غضون ذلك، ما يزال البعض يشعر بغضب لتعيين دبيبة، ويعتبر أن عملية اختياره شابتها اتهامات بالفساد، وقالوا إن تلك الاتهامات لم تُناقش رسميا.
لكن رغم كل المشكلات التي تشوب العملية، فإن ليبيا تقف اليوم، حسب مراقبين، على أعتاب أول حكومة موحدة في سنوات، مع التزام كل الأطراف رسميا بإجراء الانتخابات. ولعل تسيير أول رحلة جوية مدنية منذ ست سنوات بين بنغازي ومصراتة، أول من أمس، أكبر دليل ملموس على حدوث انفراجة، حسب هؤلاء المراقبين.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.