جهود أممية لمواجهة تحديات استكمال تنفيذ اتفاق سلام السودان

«قلق» من الحوادث المرافقة لانسحاب «يوناميد» من دارفور والتوتر الحدودي مع إثيوبيا

TT

جهود أممية لمواجهة تحديات استكمال تنفيذ اتفاق سلام السودان

على الرغم من إخفاقهم في اتخاذ موقف موحد، عبّر أعضاء في مجلس الأمن، أمس، عن «القلق» من الأحداث التي ترافق الانسحاب المتدرج للعملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور «يوناميد»، وتصاعد التوترات بين السودان وإثيوبيا حول الفشقة الحدودية. وفي غضون ذلك أكد رئيس بعثة «يونيتامس» الممثل الخاص للأمين العام للمنظمة الدولية، فولكر بيرتس، أنه يواصل الجهود مع السلطات الانتقالية لمواجهة «التحديات الحادة»، التي تواجه استكمال تنفيذ اتفاق السلام.
واستمع أعضاء مجلس الأمن، خلال جلسة عبر الفيديو، إلى إحاطة رئيس بعثة «يونيتامس» حول الخفض التدريجي لعملية «يوناميد» وانسحابها، طبقاً للقرارين 2524 و2559. موضحاً أنه التقى في فبراير (شباط) الماضي رئيس وزراء السودان، عبد الله حمدوك، وناقش معه التحديات الحادة التي يواجهها السودان، الذي قال عنه إنه «يواصل إحراز تقدم في انتقاله السياسي»، منذ توقيع اتفاق السلام العام الماضي في جوبا.
وإذ أشار بيرتس إلى تشكيل مجلس سيادي موسع ومجلس الوزراء، لاحظ أنه «لم يجرِ بعد تعيين حكام الولايات بعد تأجيلات عدة، كما لم يتم تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي»، مشيراً إلى التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي دعا الحكومة الانتقالية إلى «توضيح الدعم المالي والفني الذي ستحتاج إليه من الشركاء» لتنفيذ الجداول الزمنية الطموحة في اتفاق السلام.
وأبلغ بيرتس أعضاء مجلس الأمن أن «يونيتامس» بدأت في وضع معايير ومؤشرات لمواكبة التقدم في تحقيق أهدافها وأولوياتها الاستراتيجية، وفقاً للقرار 2524. مشيراً إلى اعتماد إطار مشترك لتحديد نشاطات ذات أولوية، يجب نقلها من «يوناميد» إلى «يونيتامس» في 3 مجالات رئيسية، وهي الدعم السياسي للسودان، وقضايا بناء السلام، وشواغل الحماية.
وطلب أعضاء مجلس الأمن الحصول على تفاصيل إضافية، حول الجهود المبذولة لوضع اللمسات الأخيرة على مسودة اتفاق وضع البعثة المشتركة مع الحكومة الانتقالية، الذي وقّع في فاتح يوليو (تموز) الماضي، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه انسحاب «يوناميد»، الذي يتوقع أن يكتمل بحلول 30 يونيو (حزيران) المقبل.
وتلت الإحاطة جلسة مشاورات مغلقة، رحّب فيها أعضاء المجلس بالتقدم السياسي الأخير في السودان، معبرين في الوقت ذاته عن قلقهم حيال الوضع الأمني الصعب في دارفور، وذلك على خلفية الاشتباكات التي وقعت في بعض المناطق منذ بداية العام، وأدت إلى مقتل مئات الأشخاص. فضلاً عن النزوح الجماعي لعدد كبير من السكان.
ويحدد تقرير الأمين العام خطة لإغلاق 14 موقعاً على 5 مراحل، تنتهي في يونيو المقبل. غير أن أحد المواقع الذي أخلي في سرف عمرة تعرض للنهب، ما دفع غوتيريش إلى مطالبة السلطات السودانية بـ«التحقيق في الحادث، وضمان وجود أمني كافٍ لعمليات التسليم اللاحقة، بحيث يجري الحفاظ على المرافق للاستخدام المدني». كما عبّر البعض عن قلقه من وجود مجموعات لم تنضم بعد إلى عملية السلام، فضلاً عن الهواجس من الأوضاع الاقتصادية والإنسانية العصيبة في البلاد، وتصاعد التوترات بين السودان وإثيوبيا حول منطقة الفشقة الحدودية.
واستمرت أمس الانقسامات بين أعضاء مجلس الأمن حول طريقة التعامل مع الوضع في دارفور، علماً بأنهم أخفقوا في يناير (كانون الثاني) الماضي في التوافق على بيان يندد بالعنف في دارفور، والحاجة إلى تجنب مزيد من القتال، ومعالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وتنفيذ الخطة الوطنية لحماية المدنيين، التي التزمت الحكومة الانتقالية بموجبها بتحمل مسؤوليتها في حماية المدنيين.
وكان بيرتس قد أكد في تصريحات أخيرة أن البعثة الدولية والأمم المتحدة «على استعداد لدعم السلطات الانتقالية السودانية وشركاء السلام في تفعيل وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام»، موضحاً أنه يواصل مساعيه الحميدة مع الأطراف التي لم توقع الاتفاق بعد، وأن «هناك إجماعاً سودانياً ودولياً على عدم وجود مزيد من القوات الدولية في البلاد».
لكنه أوضح أن ذلك لا يعني أن الأمم المتحدة لا يمكنها القيام بالمزيد من أجل السودان، مشدداً على أنه «يمكن لمجلس الأمن أن يركز على وحدة السودان واحترام سيادته، ومساعدته في طريقه الصعب إلى الأمام، والدعم الاقتصادي».
كما أكد أن الحكومة السودانية مستعدة تماماً لتسهيل حضور المستثمرين الدوليين، موضحاً أنه يتطلع إلى مؤتمر الاستثمار الدولي للسودان، الذي سيُعقد في باريس في مايو (أيار) المقبل، علماً بأن السودان لا يُريد الاعتماد على المساعدات الدولية، بل تطوير اقتصاده الخاص حتى ترى الشركات الدولية السودان شريكاً جيداً.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.