أخيراً قالتها وزارة الثقافة السعودية... المثقف شريك في صنع الثقافة وليس نداً. وأن أي نهضة ثقافية لا يمكنها إغفال المبادرات الأهلية والمجتمعية.
أطلقت وزارة الثقافة السعودية (الاثنين الماضي) استراتيجية مهمة ومنتظرة للقطاع الثقافي غير الربحي، بنحوٍ يعزز نطاق الممارسة الأهلية للثقافة والفنون، ويعزز فرص مساهمة القطاع غير الربحي في تنمية المجالات الثقافية.
الوزارة قالت إنها عكفت على مدى عام ونصف العام تقريباً على دراسة تحليلية للقطاع الثقافي غير الربحي في المملكة وعدد من دول العالم، وخلصت إلى جملة من الدروس التي اعتمدت عليها في بلورة خطتها للنشاط الثقافي غير الربحي، لكن أهم تلك الدروس - بنظري - تتلخص في أن «الثقافة في جوهرها فعل أهلي منتظم بتشريع حكومي، ومدعوم من القطاع الخاص».
إقرار الوزارة بأن الثقافة فعل أهلي، مهم للغاية، لأنه الطريق الصحيح لكي تعبر الثقافة عن نفسها باعتبارها روحاً تصنع التغيير نحو الأفضل، وليست مجرد أنشطة وفعاليات... كانت الثقافة على الدوام صناعة أهلية مدنية، تعبر عن وعي المجتمع وحسه الإنساني وطريقته في التفاعل مع الطبيعة والتعبير عن شعوره بالجمال من حوله.
ومهما بالغنا بقوة المؤسسات وشمولية أجهزتها، هناك مثقفون لا تقوى المؤسسات الثقافية على احتضانهم، بعضهم لديه حساسية من الانخراط في أي «مؤسسة»، لمجرد أنها تنظيم هرمي، هذه الحساسية لا تختص بمكان أو زمان، حتى إن بعض المثقفين الغربيين حملوا على «المؤسسات» باعتبارها «جهازاً لتخريب الثقافة»!، يقول الفيلسوف الألماني، تيودور أدرنو، بأن «الثقافة تعاني ضرراً عندما يتم التخطيط لها وإدارتها»... هذا رأي ربما يفسر عزوف الآلاف من المثقفين عن الانخراط تحت مظلة الأندية والجمعيات وعموم المؤسسات الثقافية، هل ننسى الحضور الباهت للمثقفين ضمن عضوية الأندية الأدبية مثلاً، نتذكر أن نادي الرياض الأدبي (وهو من أفضل الأندية الأدبية)، الذي يقع في أكبر مدينة سعودية يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، سجل في جمعيته العمومية قبيل آخر انتخابات أقيمت أبريل (نيسان) 2017 نحو ١٥٥ عضواً لا غير، حضر منهم يوم الانتخابات 112 عضواً فقط.
وزارة الثقافة السعودية تقوم حالياً بدور نهضوي كبير... هذه الوزارة ولدت قبل نحو ثلاث سنوات، (2 يونيو/ حزيران 2018)، من رحم أهم مشروع للتغيير في المملكة، وهي رؤية 2030، التي أصبحت الثقافة تحت مظلتها أهم محركات التحول والتغيير والتنمية البشرية، وتحسين جودة الحياة، وخلق مجتمع منفتح، ومتسامح، وعاشق للحياة.
هل يمكن لوزارة بهذا الطموح أن تحبس نفسها وأنشطتها ضمن النخبة الثقافية الضيقة، دون استنهاض المجتمع ليصبح شريكاً وصانعاً للثقافة كأداة للتحول والتغيير...؟
الوزارة في استراتيجتها الجديدة، قالت إنها ستطلق خلال هذا العام (2021) بالتعاون مع برنامج جودة الحياة ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية 16 جمعية مهنية في 13 قطاعاً ثقافياً، وستكون هذه المنظمات الروابط المهنية للمثقفين والفنانين السعوديين، وستتيح الفرص للمحترفين في هذه القطاعات لتنمية مهاراتهم، وبناء مبادراتهم، وتطوير الوعي، وتكوين آليات الدعم، وتشكيل نموذج اجتماعي جاذب لاحتراف الثقافة والفنون.
ووجهت وزارة الثقافة الدعوة للمهتمين لإنشاء مؤسساتهم الأهلية، وجمعياتهم الأهلية، والتعاونية، في حقول: الأدب، والنشر، والترجمة، والمكتبات، والتراث، والمتاحف، والمسرح والفنون الأدائية، والموسيقى، والأفلام، والأزياء، والطهي، والعمارة والتصميم، والفنون البصرية.
ما نطمح إليه أن تزدهر في كل مدينة وحارة المكتبات الأهلية، وأندية الشعر، ورابطة القلم، وفرق الموسيقى، والمسرح والفنون الأدائية، والفنون التشكيلية... أن يتحول المجتمع إلى منتج للثقافة دون أن يجهد نفسه في السعي الحثيث للبحث عن مظلة رسمية أو استحصال موافقات مضنية... بعض هذا الروتين الصعب أدى فيما مضى إلى وأد المبادرات الفردية والمجتمعية... وخسرنا رواداً للفن والأدب والمتعة البصرية تواروا خلف الظل لأنه لا طاقة لهم للمتابعات.
ما تقوم به وزارة الثقافة يضخ الحياة في شرايين الثقافة والمثقفين وأهل الإبداع... أصبحت الثقافة قريبة جداً من الناس، ومعبرة عن أحوالهم، وعن تطلعاتهم، وليست منهجاً مقرراً عليهم.
وزارة الثقافة والمثقفون... امتدادٌ لا أنداد!
وزارة الثقافة والمثقفون... امتدادٌ لا أنداد!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة