لبنان: استمرار التظاهرات الرافضة لـ«الموت البطيء»

رغم دعوة الرئيس لإزالة الحواجز

المتظاهرون يحرقون إطارات السيارات احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان (إ.ب.أ)
المتظاهرون يحرقون إطارات السيارات احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان (إ.ب.أ)
TT

لبنان: استمرار التظاهرات الرافضة لـ«الموت البطيء»

المتظاهرون يحرقون إطارات السيارات احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان (إ.ب.أ)
المتظاهرون يحرقون إطارات السيارات احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان (إ.ب.أ)

واصل المتظاهرون إغلاق الطرق في أنحاء لبنان اليوم (الثلاثاء) احتجاجا على الانهيار المالي والمأزق السياسي في البلاد على الرغم من دعوة الرئيس ميشال عون للقوى الأمنية لإزالة الحواجز.
وبعد يوم من تحدث الرئيس مع كبار المسؤولين الأمنيين ودعوته الجيش والقوى الأمنية إلى فتح الطرق، ظل الطريق السريع الرئيسي المؤدي من بيروت إلى الجنوب مقفلا وكذلك مناطق في وسط العاصمة وحول مدينة طرابلس الشمالية، حيث أحرق المحتجون الإطارات وحثوا المزيد من الناس على الانضمام لهم.
وكان قائد الجيش العماد جوزيف عون قد شدد أمس الاثنين على الحق في التظاهر السلمي دون إلحاق الضرر بالممتلكات العامة والخاصة لكنه حذر من تورط الجيش في مشاحنات سياسية.
وتسببت الأزمة المالية في لبنان، التي اندلعت في أواخر 2019، في فقدان عشرات الآلاف لوظائفهم وتجميد الحسابات المصرفية ووقوع كثيرين في براثن الفقر والجوع. وتشتد الحاجة إلى حكومة جديدة تنفذ الإصلاحات من أجل الحصول على معونات دولية بمليارات الدولارات، لكن التشاحن بين القوى السياسية يحول دون ذلك.
وقال متظاهر يدعى فادي نادر "الشعب اللبناني ماذا ينتظر... هل تستطيعون تعليم اطفالكم. إذا مرض عندك ولد فهل تستطيع إدخاله إلى المستشفى؟ هل يمكنك شراء دواء... علم ما في (لا يوجد). أشغال ما في. الدولار بعشرة آلاف (ليرة لبنانية) قاعدين ببيوتنا نحن الآن، عم نموت على البطيء".
وتقوم مجموعات من المحتجين بإحراق الإطارات يوميا لإغلاق الطرق منذ أن هوت العملة اللبنانية إلى مستوى منخفض جديد الأسبوع الماضي؛ مما عمق الغضب الشعبي من الانهيار المالي في لبنان. وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن ثلاثة أشخاص لقوا مصرعهم في حوادث سيارات بسبب الحواجز على الطرق أمس الاثنين. وبثت قنوات تلفزيونية محلية جنازة شابين في زغرتا بشمال لبنان لقيا حتفهما على أثر الاصطدام بشاحنة كانت متوقفة في منتصف الطريق لقطع الطريق أمام المارة.
وقال المونسنيور إسطفان فرنجية خلال التشييع "على كل إنسان في هذا البلد أن يتحمل مسؤوليته من الكبير للصغير ونقول للجميع إن قصور الرؤساء لها عنوان والثوار يعرفونها فليتوجهوا إلى بيوت الرؤساء والزعامات وليس على الطرقات لكي لا يذهب شبابنا على الطرقات من دون هدف".
ودفع الحادث البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، أكبر رجل دين مسيحي في لبنان، إلى التحذير من وضع حواجز على الطرق. وقال في عظة "نأسف على أن تحصل كل هذه الأمور اليوم والشعب غاضب والشباب غاضبون. نحن معهم، ولكن يجب ألا يُعاقب الناس على الطرقات، فهم ليسوا من أوجد المشاكل في لبنان، وهم ليسوا من عرقل تشكيل الحكومة وتقاعس عن حل الأزمات المالية والحكومية، بل هم يدفعون الثمن مرتين، ثمن حاجاتهم وثمنا يدفعونه على الطرقات".
ودعا الراعي مرارا الساسة إلى تنحية خلافاتهم جانبا وتشكيل حكومة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.