محافظ «السودان المركزي» في مرمى نيران «التفكيك»

محافظ «السودان المركزي» في مرمى نيران «التفكيك»
TT

محافظ «السودان المركزي» في مرمى نيران «التفكيك»

محافظ «السودان المركزي» في مرمى نيران «التفكيك»

يواجه محافظ بنك السودان المركزي، محمد الفاتح زين العابدين، مأزقاً قانونياً قد يعرضه للمساءلة القانونية، وذلك على خلفية تحديه قرارات لجنة تفكيك نظام 30 يونيو (حزيران) 1989، القاضية بإعادة موظفين للعمل بالبنك، كانت اللجنة قد أنهت خدمتهم في إطار إزالة تمكين النظام المعزول.
وأفادت تقارير صحافية أمس بعودة عدد من العاملين بفروع البنك بالخرطوم لمزاولة أعمالهم، استناداً إلى التوجيه الصادر من محافظ البنك بإعادة جميع المفصولين من العمل، الذين وُضعت أسماؤهم في قائمة، وصفها بـ«غير معتمدة»، تفيد بإنهاء خدماتهم وحرمانهم من الدخول لمباني البنك.
وبحسب القانون الذي أنشئت به اللجنة، يعد مرتكب جريمة كل من يقوم بأي فعل أو يمتنع عنه، بقصد إعاقة أو معارضة أعمال اللجنة، أو منع تنفيذ أي عمل أو إجراء أو أمر، أو قرار صادر عنها.
وقالت لجنة التفكيك، في تعميم صحافي حاسم اللهجة، أول من أمس، إن القرارات الصادرة من اللجنة غير قابلة لإيقاف وقف التنفيذ، وفقاً لنص المادة 8-3 من قانون التفكيك.
وتنص المادة على أنه لا يجوز وقف تنفيذ قرار صادر عن اللجنة قبل الفصل في الطعن. مشيرة إلى أنها فوجئت بصدور توجيه من محافظ البنك لنائبه ومدير عام الموارد البشرية بمخاطبة العاملين، الذين شملهم القرار بإنهاء الخدمة بالعودة فوراً لممارسة أعمالهم.
وأضافت اللجنة أن التوجيهات الصادرة من محافظ بنك السودان «مخالفة للقانون، ولا تجد ما يسندها»، مؤكدة أن قراراتها «جاءت خدمة العاملين بالبنك والمؤسسات التابعة له، وواجبة النفاذ، وعلى المحافظ تنفيذ القرار، وفقاً لمقتضيات القانون».
وقال رجل القانون، معز حضرة لـ«الشرق الأوسط»، إن محافظ بنك السودان موظف عام، يجب عليه أن يحترم القوانين والتشريعات السارية في البلاد. مضيفاً أن قانون لجنة تفكيك نظام الإنقاذ «ملزم، ويجب على الجميع احترامه وتنفيذه».
وأوضح حضرة أن ما قام به محافظ بنك السودان «جريمة يعاقب عليها قانون لجنة التفكيك، وقوانين أخرى»، داعياً رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، إلى إيقافه عن العمل وإخضاعه لمجلس محاسبة، ومن ثم فصله وتقديمه إلى المحاكمة الجنائية.
في سياق ذلك، قالت مصادر بالبنك لـ«الشرق الأوسط»، إن أغلبية العاملين الذين شملهم القرار يتقلدون وظائف عليا وقيادية، ومن بينهم مديرو إدارات بالبنك، ومعروف عنهم ولاؤهم للنظام المعزول. مشيرة إلى أن قرارات اللجنة طالت إنهاء مسؤوليات 7 من المديرين العامين، من أصل 20 مديراً بالبنك، بالإضافة إلى 34 آخرين من مديري الإدارات.
وأثار قرار محافظ البنك إعادة الموظفين للخدمة حالة من الاستياء وسط العاملين في القطاع المصرفي والشارع السوداني. وكانت لجنة تفكيك واجتثاث النظام المعزول قد أصدرت في 28 فبراير (شباط) الماضي قرارات بإنهاء خدمة 233 من المؤسسات التابعة لبنك السودان المركزي، من بينهم 129 موظفاً بالبنك.
ومن جهته، أعلن تجمع المصرفيين السودانيين، الذي نشط إبان الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس عمر البشير، خطوات تصعيدية مفتوحة في مواجهة محافظ بنك السودان. ودعا في بيان إلى تقديم «المحافظ» للمحاسبة والمساءلة، وإقالته من منصبه فوراً. متهماً محافظ بنك السودان بالوقوف أمام اجتثاث وإزالة تمكين النظام المعزول داخل البنك المركزي والقطاع المصرفي، وذلك بوقوفه ضد قرارات لجنة التفكيك.
وتكونت لجنة تفكيك نظام 30 يونيو واسترداد الأموال وإزالة التمكين، بموجب الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية في البلاد، وصادق على قانونها المجلس التشريعي المؤقت (مجلسا السيادة والوزراء) في 2019. وقد اتخذت اللجنة في وقت سابق قرارات بفصل العشرات من مديري البنوك، وحلّت مجالس إدارات عدد من البنوك، كما صادرت أموالاً طائلة، وأملاكاً وعقارات لنافذين في النظام المعزول.
ويعد اعتراض بنك السودان المركزي على قرارات لجنة التفكيك الأول من نوعه؛ حيث لم تشهد أي مؤسسة حكومية اعتراضاً على قرارات اللجنة.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.