«يوم غضب» في لبنان اعتراضاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية

متظاهرون يقطعون مدخل بيروت الجنوبي أمس (رويترز)
متظاهرون يقطعون مدخل بيروت الجنوبي أمس (رويترز)
TT

«يوم غضب» في لبنان اعتراضاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية

متظاهرون يقطعون مدخل بيروت الجنوبي أمس (رويترز)
متظاهرون يقطعون مدخل بيروت الجنوبي أمس (رويترز)

شهد لبنان أمس (الاثنين)، تحركات واسعة تحت عنوان «يوم الغضب»، احتجاجاً على تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، لا سيّما في ظلّ استمرار ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة (تجاوز في السوق السوداء 10 آلاف ليرة فيما سعره الرسمي 1515 ليرة) وغياب الحلول في ظل حكومة تصريف أعمال.
وتوافد المحتجون منذ الخامسة فجراً إلى الطرقات الأساسية في مختلف المناطق اللبنانية وعملوا على قطعها بالحجارة والسيارات والإطارات المشتعلة، رافعين شعارات متنوعة بدءاً بما هو معيشي مثل ارتفاع أسعار السلع الأساسيّة وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، مروراً بالمطالبة باستقالة رئيس الجمهورية ومحاسبة السياسيين وحاكم مصرف لبنان، وصولاً إلى شعارات تطالب بانتخابات نيابية مبكرة وأخرى مؤيدة لدعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى عقد مؤتمر دولي لدعم لبنان تحت رعاية الأمم المتحدة.
تنوع هذه الشعارات واختلافها من ساحة إلى أخرى لا يؤثر سلباً على الاحتجاجات، لكنّ بعض هذه الشعارات بطبيعة الحال يعكس محاولة استغلال عدد من أحزاب السلطة التقليدية للحراك لضرب خصومها السياسية، حسبما ترى غادة (33 عاماً)، إذ تشير في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ بعض الأحزاب ربما طلب من مناصريه النزول إلى الشارع لتوجيه رسالة سياسية معينة، ولكنّ هذا لا ينفي أنّ الأزمة الاقتصادية لم تستثنِ مناصري الأحزاب وهم عاجلاً أم آجلاً، لن يستطيعوا الصمود، وستصبح مطالبهم معيشية تشبه مطالب حراك السابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول).
أمّا علي زعيتر (25 عاماً)، فيعتبر أنّ السياسيين يريدون استغلال الشارع وخلق فتنة طائفية، لذلك يجب على المحتجين أن يكونوا واعين لهذا الأمر ومتمسكين بشعار «كلّن يعني كلّن».
يعمل علي حلاقاً إلّا أنّه وبسبب الظروف الاقتصادية لم يعد عمله يكفيه ليعيش، لذلك يشارك في الاحتجاجات بشكل دائم، مطالباً بسلطة غير فاسدة تؤمن له حقوقه، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أوصلونا إلى شفير الموت ولم يتركوا لنا خياراً سوى الشارع».
ونزل المحتجون في مختلف المناطق اللبنانية، ففي طرابلس (شمال لبنان)، قام عدد من المحتجين ببناء جدار بارتفاع متر من الخفان (الطوب) المستعمل وسط أوتوستراد طرابلس - بيروت لقطع الطريق مع ترك ممر للحالات الطارئة، مؤكدين عدم إزالته حتى تحقيق المطالب. كما جابت مسيرة راجلة أحياء طرابلس مطالبة بـ«استقالة جميع المسؤولين ومحاكمتهم. وكذلك تجمع عدد من المحتجّين في ساحة جبيل وقطعوا الطريق».
وفي بعلبك (شرق)، أقدم المحتجون على قطع الطريق الرئيسية بالإطارات المشتعلة.
وفي صور (جنوب)، حاول أحد المحتجين أثناء قطع الطريق إحراق نفسه بعد أن سكب على جسده كمية من البنزين، فتدخلت عناصر من الدفاع المدني وأنقذته. أما في صيدا فقد أقدم محتجون على قطع الطريق بإضرام النيران بمستوعبات النفايات.
وتجمع المحتجون ببيروت في الساحات المركزية، منها ساحتا رياض الصلح والشهداء (وسط بيروت) والدورة وجل الديب (شرق بيروت).
«لا أزال طالبة ولا أرى مستقبلاً لي في لبنان، عائلتي ميسورة، لكن الأمر لا يتعلق فقط برغيف الخبز، بل ببناء وطن أبناؤه يتمتعون بحقوقهم الأساسيّة، ويستطيعون فيه رؤية مستقبل يليق بهم»، تقول نيفين خزعل (18 عاماً) التي توجهت من بلدتها في بعلبك إلى بيروت منذ ساعات الصباح الأولى للمشاركة في الاحتجاجات، مضيفة في حديث مع «الشرق الأوسط»: «الشارع أملنا الوحيد، يجب أن يسمعوا صوتنا لم يتركوا لنا شيئاً، حتى الأمل سرقوه».
لم تترك خزعل الشارع يوماً فهي تشارك بالتحركات الاحتجاجية منذ أكثر من عام، تتنقّل من ساحة إلى أخرى ومطلبها واحد بناء بلد لا تخاف فيه على مستقبلها، وترى أنّ قطع الطرقات وسيلة مبررة لإيصال صوت المحتجين، وتقول: «لسنا قطاع طرق، والأزمة علينا تماماً كما على من يعترض على قطع الطرقات، نتمنى لو يشارك معنا، لقد حان الوقت لنأخذ حقوقنا من كل مسؤول أذلّنا».
على بعد أمتار قليلة من ساحة الشهداء (وسط العاصمة)، حيث تقف خزعل، يقف مايكل واضعاً على فمه كمامة ويراقب المحتجين، ينضم إليهم حيناً ويجلس حيناً آخر: «عمري 71 عاماً، عملت بلاطاً لسنوات، ولكنّ الظروف الاقتصادية التي يمرّ بها البلد جعلتني عاطلاً عن العمل». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنّه منذ أول تحركات السابع عشر من تشرين وهو في الشارع، على أمل أن تؤدي التحركات لتغيير ما، فهو كغيره من المسنين في لبنان لا يملك ضمان شيخوخة ولا حتى مالاً يعتاش منه، لذلك كان الشارع خياره».
وسجل انتشار لدوريات الجيش اللبناني والقوى الأمنية على مداخل عدد من المناطق وفي ساحات تجمع المواطنين، إذ عملوا على فتح عدد من الطرقات إلا أنّ المحتجين كانوا يعيدون إغلاقها.
عودة الناس إلى الشارع بهذا الزخم طبيعية، حسبما يعتبر شربل أبو زهرا (26 عاماً) الناشط بحراك «17 تشرين»، وذلك لأسباب موضوعية تراكمت، منها ارتفاع سعر الدولار ومضي سبعة أشهر بلا حكومة، فضلاً عن عدم وصول التحقيقات بانفجار المرفأ إلى نتيجة. ويرى أبو زهرا في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ الزخم سيزداد يوماً بعد يوم، لأنّ السياسات الاقتصادية المتبعة سترفع نسبة الفقر، وبالتالي سيخرج الناس ضد السلطة حتى جماهير الأحزاب الحاكمة.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.