المعارضة تيخانوفسكايا تصعّد الضغط على بيلاروسيا من المنفى

تيخانوفسكايا (إ.ب.أ)
تيخانوفسكايا (إ.ب.أ)
TT

المعارضة تيخانوفسكايا تصعّد الضغط على بيلاروسيا من المنفى

تيخانوفسكايا (إ.ب.أ)
تيخانوفسكايا (إ.ب.أ)

شنّت قوات الأمن البيلاروسية حملة قمع قاسية، وأوقفت متظاهرين ودفعت زعماء المعارضة إلى المنفى، وذلك بعد موجة من الاحتجاجات التي تلت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في أغسطس (آب) الماضي، والتي شهدت فوز ألكسندر لوكاشنكو الموالي لموسكو بولاية سادسة، إلا أن المعارضة تقول إن الانتخابات مزورة وأن سفيتلانا تيخانوفسكايا التي رشّحت نفسها مكان زوجها المسجون، كانت الفائز الفعلي. وكانت تيخانوفسكايا قد جاءت إلى في ليتوانيا خوفاً على حياتها، بعد أن شهدت بيلاروسيا أشهراً من التظاهرات غير المسبوقة المناهضة للحكومة. وقالت زعيمة المعارضة، من منفاها، إنها لا تعتزم وقف معركتها ضد حكومة لوكاشنكو، فيما ناشدت الأمم المتحدة المساعدة في تكثيف الضغط على النظام، كما صرحت لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأقرت تيخانوفسكايا بأن المعارضة خسرت معركة الشارع في بيلاروسيا، قائلة إن قوات الأمن تمكنت إلى حد كبير من إخماد التظاهرات التي نظمت على نطاق واسع العام الماضي.
وقالت تيخانوفسكايا التي تعيش في ليتوانيا: «نحن مقتنعون بأن هذا النظام سيسقط في مرحلة ما، لأن الضغط الذي يتعرض له يأتي من الداخل بقدر ما يأتي من الخارج». وأضافت: «في مرحلة ما، لن يكون قادراً على تجنب بدء مفاوضات للخروج من هذه الأزمة الضخمة». وشددت على أنه «يجب زيادة الضغط».
ويوم الجمعة، طلبت بيلاروسيا من ليتوانيا تسليمها تيخانوفسكايا «لمحاكمتها بجرائم ضد النظام والسلامة العامة»، وهو طلب رفضته ليتوانيا على الفور. وعند سؤالها عما إذا كانت تشعر بالأمان في أوروبا غداة طلب بيلاروس تسليمها، قالت تيخانوفسكايا: «أشعر بالأمان (...) في الاتحاد الأوروبي»، وهي كانت قد لجأت إلى ليتوانيا بعدما قادت حركة احتجاجية في بلادها عقب انتخابات العام 2020. وأضافت لوكالة الصحافة الفرنسية: «هناك حد أدنى من الأخطار لكن ذلك لن يمنعني من مواصلة القتال». تيخانوفسكايا موجودة حالياً في جنيف للمشاركة في نقاش حول بيلاروسيا نظمه المهرجان الدولي للأفلام ومنتدى حقوق الإنسان، لكنها تستغل هذه الفرصة لرفع قضية المعارضة البيلاروسية أمام مسؤولي الأمم المتحدة أيضاً. وبرفقة حراسة أمنية شديدة، أحيطت تيخانوفسكايا البالغة من العمر 38 عاماً وهي أم لطفلين، بعشرات المؤيدين خارج مقر الأمم المتحدة. ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة منعقد حاليا، وتأمل تيخانوفسكايا في أن يتبنى قراراً بشأن بيلاروسيا. وخلال جلسته السابقة في سبتمبر (أيلول)، أجرى مناقشة عاجلة بشأن بيلاروسيا واعتمد قراراً يدعو السلطات إلى بدء مفاوضات مع المعارضة. وقالت تيخانوفسكايا إنها تأمل في أن تواصل الهيئة المؤلفة من 47 عضواً مساعدة بلادها في الخروج من «القمع» وهي ستلتقي خبيرين مستقلين من الأمم المتحدة في الأيام القليلة المقبلة لعرض قضيتها. وأوضحت: «نود أن يشمل الحل إرسال مقرر خاص ببيلاروسيا حتى يتمكن من الوصول إلى السجون والمحتجزين وأن يرى بنفسه الظروف المزرية في هذه الأماكن».
وتريد تيخانوفسكايا أيضاً أن ينص القرار على إنشاء فريق خبراء مكلف بالتحقيق في وضع حقوق الإنسان في البلاد، لأنه «يمكننا أن نرى بوضوح أنه لا يمكن إجراء مفاوضات مباشرة بين المجتمع البيلاروسي والنظام»، إلا أنها تأمل في أن يتم إقناع السلطات البيلاروسية بإقامة «منصة للحوار» من خلال منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وقالت: «نود أن تكون هذه المفاوضات والمناقشات مفتوحة وشفافة قدر الإمكان، وأن تشمل الدول المجاورة (في إشارة إلى روسيا التي تدعم حكومة لوكاشنكو) وكذلك الدول الديمقراطية الأخرى». وأكدت: «ما زال الناس يخرجون إلى الشوارع لكن ضمن مجموعات أصغر في كل أنحاء المدينة، لأن مستويات العنف والقمع تدفعهم إلى البحث عن طرق للاحتجاج تجعلهم أقل عرضة للتوقيف والتعذيب في السجن».
وعندما سُئلت عما إذا كانت تضحياتها الشخصية من أجل القضية تستحق العناء قالت: «كنت سأسلك المسار نفسه مرة أخرى، لكنني لا أحب رؤية تضحيات يقدمها الشعب... كل ضحايا القمع».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟