إنجازات شابات لبنانيات عابرة للحدود

حققن نجاحات بارزة في مجالات عدة من التكنولوجيا إلى الإعلام إلى مكافحة السرطان

TT

إنجازات شابات لبنانيات عابرة للحدود

لم يعد تحقيق لبنانيات في الخارج إنجازات كبيرة يفاجئ اللبنانيين، فقد اعتاد أهالي بلاد الأرز أن يتلقوا أخبار نجاحات أبنائهم في الخارج بفرح عارم، عالمين أن بلادهم أضيق من أن تتسع لطموحاتهم.
وهكذا شكلت أخبار اللبنانيات العابرات للقارات من الجيل الجديد، بتفوقهن إلى جانب الرجال، جزءاً من الأخبار الاعتيادية اليومية. فالأسماء كثيرة والمهارات موزعة على الاختصاصات والقارات. ومن نذكرهن هنا لسن سوى عينة تم اختيارها كغيض من فيض عشرات الأسماء الأخرى التي يمكن التوقف عندها. بعضهن نشأن في لبنان وهاجرن بفعل الحرب مع عائلاتهن، والبعض الآخر درسن في لبنان، وذهبن لشق طريقهن وحيدات في غربة لا تزال غضة، وثمة مَن هنّ من الجيل الثاني.
- آية بدير... التصميم للمستقبل
مهندسة، مخترعة، فنانة ومصممة، آية بدير. شركتها الناشئة «ليتل بيتس» شكلت ثورة في ميادين عدة، منها التعليم، واللعب، وحتى في عالم التصميم، بمنتجاتها التي تشبه لعبة «ليغو» لكنها إلكترونية هذه المرة. وهي عبارة عن قطع مبرمجة لكل منها وظيفتها يمكن لمن يقتنيها أن يركّبها ليصنع منها روبوتات، أو مكانس، وربما سيارات أو أجهزة إنذار. فكل يستطيع أن يبتكر من هذه القطع الجاهزة للتركيب ما يشاء، ويوظفها حيث يريد، بعد أن يصنع جهازه الذكي منها.
شابة وُلدت عام 1980 في عزّ الحرب الأهلية. عاشت طفولتها في لبنان، وتنقلت بين مدارسه، وتخصصت في هندسة الكومبيوتر في الجامعة الأميركية ببيروت. لكنها وجدت المادة جافة، وفضلت أن تقرنها بالابتكار والاختراع والضوء والمسرح والتصاميم. انتقلت إلى أميركا لتكمل دراستها، ودخلت أهم مركز جامعي للتكنولوجيا في العالم «إم آي تي»، وهناك سجلت اختراعها «ليتل بيتس» الذي سيصبح نواة لشركتها الناشئة في نيويورك، يوم أطلقتها عام 2011، بعد ثلاث سنوات من التحضير، ولقيت منتجاتها الذكية نجاحاً باهراً.
وتقول آية إنها تقصّدت عرض ما كانت تتوصل إليه أولاً بأول على وسائل التواصل، لتعرف ردود الفعل ومدى التفاعل مع أفكارها. وترى أيضاً أن عملاً بهذا الحجم «يجب أن يقبل عليه الإنسان بسذاجة، ومن دون كثير حسابات، كي لا يدرك سلفاً حجم الصعوبات التي ستواجهه ويُحبط». تمكنت هذه الشابة الطموحة من توزيع منتجاتها في 45 بلداً، ومن أن تمنح التكنولوجيا طابعاً إنسانياً، فيه التسلية والابتكار، التعليم والتفكير. وحين تسألها عن تصورها لمستقبل بلدها لبنان والمنطقة العربية، تقول: «إنها من أكثر المناطق شباباً في العالم. وبالتالي نحن مبتكرو السنوات المقبلة، ومخترعو ما سيستخدمه العالم، إذا ما أعطينا أولادنا القدرة على الخلق والتفكير».
تم اختيارها كواحدة من مائة شخصية أكثر إبداعاً في قطاع الأعمال، كما اختارتها مجلة «بوبيلار ميكانكس» واحدة من 25 شخصية تعيد إنتاج الحلم الأميركي، فيما اعتبرت محطة «سي إن إن» أن شركتها إحدى أهم عشر شركات للمصادر المفتوحة في العالم. كما اختيرت ضمن قائمة أكثر النساء إبداعاً في المجال التقني.
- ليا سلامة في «متحف الشمع»
برز نجم الإعلامية اللبنانية - الفرنسية ليا سلامة عام 2014 بعدما أطلت كمقدمة للبرنامج السياسي الحواري «لم ننم» على القناة الفرنسية الثانية، الذي كان يقدمه قبلها لسنوات لوران روكييه، وهو يخلط بين الفكاهة والجدية، مما جعل مهمتها صعبة، لكنها رغم التحدي نجحت في مهمتها وأثارت الإعجاب. وأثارت مقابلتها مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عام 2016 جدلاً، بعد الأسئلة الجريئة التي طرحتها عليه. وتحولت إلى نجمة إعلامية من الصف الأول، أصبح لها تمثال إلى جانب المشاهير في متحف الشمع الباريسي.
وُلدت في بيروت عام 1979. هي ابنة وزير الثقافة اللبناني السابق والسفير السابق والمبعوث الدولي غسان سلامة. والدتها هي ماري بوغوصيان، من عائلة لبنانية - أرمنية معروفة بتجارة الماس. وقد تركت هالة، وهو اسمها الأصلي، مع عائلتها لبنان صغيرة بسبب الحرب الأهلية، وكانت في الخامسة. في عمر الحادية عشرة حصلت على الجنسية الفرنسية. درست القانون في جامعة السوربون في باريس، وأمضت عاماً في نيويورك لتكمل دراستها، وأصيبت أثناء هجوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على البرجين.
كانت بداية رحلتها المهنية من «لا شين برلمنتير»، ثم انتقلت إلى محطة «فرنسا 24»، ومن بعدها القناة التلفزيونية الأولى. ومنذ بداية ظهورها على الشاشة عام 2004، تميزت بقوة حضورها وجرأتها ومتانة تأهيلها.
قدمت العديد من البرامج التلفزيونية، ولها حضورها البارز في العمل الإذاعي. معروفة ليا سلامة بجديتها في العمل، وتحضيرها المتين للملفات التي تناقشها، وإحاطتها بالمواضيع التي تحاور حولها ضيوفها.
أصبحت وجهاً إعلامياً بارزاً في فرنسا، رغم صعوبة المنافسة وقساوتها، واحتجزت لها مكاناً متقدماً. نالت جائزة امرأة العام للنسخة الفرنسية من مجلة «جي كيو» البريطانية عام 2014، وجائزة أفضل مقابلة سنة 2015.
تزوجت ليا سلامة من الفيلسوف الفرنسي رافائيل غلوكسمان الذي التقته وهو يحلّ ضيفاً على أحد البرامج التلفزيونية.
- ناتالي نصر الدين: سرطان الثدي معركتها
شابة لبنانية برز نجمها في مجال الأبحاث السرطانية والريادة الاجتماعية. أسست جمعية «بينك ستبس» التي تهدف إلى نشر التوعية الاجتماعية وتركز على أهمية اللياقة البدنية لدى الناجيات من مرض سرطان الثدي. عملت كباحثة في كلية الطب في جامعة واشنطن، وتم اختيارها من مجلة «فوربس» ضمن قائمة المبدعين الشباب في الشرق الأوسط تحت الثلاثين.
وكانت ناتالي قد شاركت في برنامج بهاواي عام 2006. أما شهادتها الجامعية في العلوم فحصلت عليها من الجامعة الأميركية في القاهرة عام 2013. لتتمكن بعدها من نيل منحة تؤهلها إكمال دراستها للماجستير في جامعة «جورج تاون» المعروفة في واشنطن. ومن ثم عادت لتكمل الدكتوراه في الجامعة الأميركية في بيروت. رحلة خوّلتها الانخراط أكثر في فهم المشكلات المجتمعية لمريضات السرطان. وهي لم تتوقف منذ عام 2015 عن القيام بنشاطات متواصلة من أجل التوعية والوقاية من مرض السرطان.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.