«إنجازات» ما قبل الرحيل... حكومة السراج «تناور» في اللحظات الأخيرة

TT

«إنجازات» ما قبل الرحيل... حكومة السراج «تناور» في اللحظات الأخيرة

قبيل ساعات من تولي السلطة التنفيذية الجديدة مهامها في ليبيا، إذا ما نالت الشرعية من مجلس النواب، تكثف حكومة «الوفاق» ومجلسها الرئاسي بقيادة فائز السراج، في طرابلس، بالإضافة إلى وزراء في الحكومة المؤقتة، بشرق ليبيا، من جهود اللحظات الأخيرة من فترة توليهم المسؤولية.
وكان السراج كلف نهاية الأسبوع الماضي فقط، وزارة الصحة بالتعاقد مع 4 شركات لتوريد لقاح «كورونا»، وتشمل أسترازینيكا، وجونسون آند جونسون، وفايزر، وموديرنا؛ فيما يجري نائبه أحمد معيتيق محاولات حثيثة بهدف توحيد المؤسسات المنقسمة منذ عام 2014.
ورأى عضو مجلس النواب عبد السلام نصية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ما يحدث من قبل حكومة «الوفاق» هو «أمر طبيعي لشخصيات تتحلى بدرجة كبيرة من الالتزام والمسؤولية للقيام بمهامهم بكل كفاءة حتى اللحظة الأخيرة، وهو الأمر الذي يستحق توجيه التحية»، مستبعداً أن «يتعارض ذلك الأداء بأي حال مع تسليم المهام للسلطة الجديدة فور منحها ثقة مجلس النواب».
وقال عضو مجلس النواب بطبرق، حسن الزرقاء، إن تحركات حكومة «الوفاق» ليست سوى «جزء من مناورة تمارسها قوى داخل البلاد بهدف عرقلة تسليم السلطة للقيادات الجديدة، محذراً مما سماه «مبالغة بعض الشخصيات بإبراز جهودها في التوقيت الراهن، وما قد يؤدي إليه ذلك من تشتيت الأنظار وتفتيت الدعم والالتفاف المطلوب توافره للحكومة الجديدة».
وتابع الزرقاء في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هم يحاولون أن يقولوا للجميع: نحن نعمل على قدم وساق وننجز كل ما يستلزم فعله لتوحيد المؤسسات الليبية ولتمهيد الطريق للانتخابات، وبالتالي لا حاجة لوجود حكومة جديدة، خاصة أن الفارق الزمني عن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري لا يتجاوز تسعة أشهر».
وذهب عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة إلى أنه رغم ترحيب بعض القوى الخارجية بالسلطة الجديدة «فإنها لا تزال تسعى لتحريض قيادات بعينها لإفشال المشهد لما ينتابها من توجس حول إمكانية خروج ليبيا من مربع وصايتها إذا ما استقرت أوضاع البلاد تدريجياً، وذهب الجميع نحو الانتخابات».
وقال أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الجميع رصد كيف حاول بعض الشخصيات مراراً قبل تقديم دبيبة التشكيلة الوزارية لمجلس النواب أن يفرضوا أنفسهم عليها، وكيف حاول آخرون خلق وضع جديد خاص بهم على الأرض من خلال تأسيس كيانات وأجهزة»، لافتاً إلى أن «وجود تلك الشخصيات بالمشهد كان ولا يزال يتم بالتنسيق وبدعم دول خارجية منخرطة بالأزمة الليبية».
واحتفى وزير الداخلية الليبي بحكومة «الوفاق» فتحي باشاغا، الأسبوع الماضي، بتمكن أجهزته من القبض على عنصرين بـ«تنظيم داعش» الإرهابي، مؤكداً على المضي قدماً في «مكافحة الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله في البلاد»، وجاء هذا بعد أيام معدودة من إعلان الوزير عن انتصار كبير حققته مديرية أمن غريان (غرب ليبيا) بالقبض على المتورط الرئيسي في واقعة قتل 21 مهاجراً في مدينة مزدة في مايو (أيار) الماضي.
أما المحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير فيرى أن «هامش المناورة قد بات ضيقا جداً أمام الآمال والمحاولات الأخيرة التي تبذلها شخصيات جربت السلطة وتذوقت امتيازاتها وتتشبث بالبقاء لحين إجراء الانتخابات»، لافتاً إلى ثقل الدعم الأميركي والأوروبي الذي تحظى به حكومة دبيبة.
وكان السراج أصدر قراراً يوصي بوقف تعامل وزرائه وكافة المسؤولين بالهيئات والمؤسسات التابعين لحكومته مع السلطة التنفيذية الجديدة لعدم حصول الأخيرة على ثقة البرلمان.
وقال الكبير إن «هناك شخصيات تستعد عبر ما تبرزه من جهود لإعلان خوضها للانتخابات المقبلة مثل باشاغا، والذي يتمتع بشعبية واسعة بكل من مصراتة وطرابلس، فضلاً عن كونه من قيادات (ثورة فبراير)، وقد تتعزز فرصه إذا ابتعد عن أي تحالفات حزبية».
وتوقع المحلل السياسي الليبي خالد الترجمان أن تكون الجهود الدؤوبة التي بذلها معيتيق على الفترة الماضية وإلى الآن والتي كان أبرزها اتفاق عودة إنتاج وتصدير النفط في إطار تحضير أوراقه لخوض غمار الانتخابات المقبلة. وقال: «الرجل بخبرته السياسية وتجربته في الحكم لن يرتضي بأقل من منصب رئيس الوزراء. هناك آخرون أيضاً قد يرشحون أنفسهم في الانتخابات المقبلة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.