البابا وسط أطلال الموصل: السلام أقوى من الحرب

اختتم ثالث محطات زيارته للعراق بقداس في أربيل... وشكرها على إيواء المسيحيين

البابا يتحدث وسط أطلال كنيسة في الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)
البابا يتحدث وسط أطلال كنيسة في الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)
TT

البابا وسط أطلال الموصل: السلام أقوى من الحرب

البابا يتحدث وسط أطلال كنيسة في الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)
البابا يتحدث وسط أطلال كنيسة في الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)

قال بابا الفاتيكان، في ختام عظته التي بدأ بها قداساً ضخماً في أربيل أمس، إن الكنيسة «حية في العراق، والمسيح حي فيها»، وإن العراق «سيبقى دائماً معي، وفي قلبي»، داعياً الجموع إلى العمل معاً متحدين من أجل مستقبل مزدهر، يسوده السلام للجميع دون تمييز.
واستقبل رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، البابا فرنسيس في مطار أربيل الدولي الأحد (اليوم الثالث من زيارته للعراق)، مرحباً به، قائلاً إن «زيارتكم هذه حدث تاريخي عظيم، وهي موضع سرور وتشريف لنا نحن، ومحل اعتزاز لكل شعب كردستان»، مضيفاً: «نحن نؤمن بالحرية والتعددية الدينية، والتسامح والتعايش وقبول الآخر بين المكونات هوية وثقافة عريقة في كردستان. وإننا نعمل على حماية هذه الثقافة دائماً، ونرفض الإرهاب والتشدد، ولا نسمح أبداً بأن يكون أي مكون ديني أو قومي في كردستان ضحية للإرهاب والتشدد».
ومن جهته، قال البابا لرئيس الإقليم إن «احتضانكم للنازحين المسيحيين من سهل نينوى والموصل، وباقي المكونات الأخرى، رغم الحرب التي تخوضونها، محل تقدير واحترام كبير لدينا»، مضيفاً: «جئت لندعو ونصلي معاً من أجلكم، ومن أجل المسيحيين والإنسانية جمعاء». وتابع: «جئت لمباركة هذه الأرض؛ أنتم أطهار، مددتم يد العطف للجميع، فادعوا لي أيضاً... شكراً لما تفعلونه وتبذلونه لكل الأديان، وكل المكونات، الحرية مستتبة في كردستان... أشكركم مرة أخرى على الاستقبال الحار، وعلى ضيافتكم».
كان البابا قد التقى بعيد وصوله إلى مطار أربيل (صباح أمس) الزعيم الكردي مسعود بارزاني، إلى جانب رئيس الإقليم ورئيس الحكومة. وتوجه البابا من مطار أربيل الدولي بطائرة هليكوبتر إلى مدينة الموصل، وتحديداً المدينة القديمة، حيث أقام فيها صلاة على أرواح ضحايا الحرب، وقال في كلمته: «إنني سعيد بوجودي بينكم اليوم في هذه المدينة التي فيها كثير مما يشدنا للقدوم إليها، منها منارة الحدباء في جامع النوري وكنيسة الساعة»، متابعاً: «نحن نرفع صلاتنا ترحماً على جميع ضحايا الإرهاب، داعين أن يحفظ الرب هذه المدينة وأهلها». وأكد البابا أن «السلام أقوى من الحرب»، مشدداً على ضرورة عودة المسيحين إلى الموصل، قائلاً إن «التناقص في أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط يعد ضرراً جسيماً؛ ندعو المسيحيين إلى العودة إلى الموصل والبقاء فيها».
ومن الموصل، توجه البابا إلى بلدة قرقوش التي شهدت أجواء احتفالية في استقبال البابا الذي مر بين الحشود الذين استقبلوه بالتراتيل والهتافات حتى وصوله إلى كنيسة الطاهرة التي ألقى فيها كلمة بعد استماعه لشهادات مسيحيي قرقوش حول المحنة التي شهدتها المدينة إبان سيطرة تنظيم داعش.
وقال البابا: «أشكر الله الذي منحني هذه الفرصة لأكون بينكم، وأشكر مواطني قرقوش لإلقاء شهاداتهم المؤلمة»، مؤكداً أن «هذا الوقت ليس لترميم المباني فقط، بل لترميم الروابط بين الجميع، فحافظوا على الروابط التي تجمعكم معاً».
ومن قرقوش، عاد البابا إلى أربيل، حيث احتشد قرابة 10 آلاف شخص في ملعب فرنسو حريري الدولي، بانتظار إقامة قداسه الأكبر خلال زيارته للعراق. وقبل إقامة القداس، تنقل البابا فرنسيس بين الحاضرين بعربته الخاصة حول الملعب، محيياً الحضور الذين كان بينهم كبار المسؤولين في إقليم كردستان، ثم بدأ مراسيم القداس الذي قال خلاله مخاطباً المصلين: «كثير من إخوانكم يحملون جراح العنف في العراق... صبركم وتراحمكم هو ما جعلني أشد الرحال إليكم»، مضيفاً أن الكنائس في العراق «حية، والمسيح حي فيها، بصبركم وتحملكم»، واختتم كلمته بالقول إن «العراق سيبقى دائماً معي، وفي قلبي».
وقداس أربيل كان آخر حدث رسمي للبابا قبل عودته إلى روما صباح اليوم، لينهي به زيارته التي جاءت تحت عنوان «أنتم جميعاً أخوة، فاعملوا معاً». وشدد خلال زيارته على السلام بين الأديان منذ بداية رحلته يوم الجمعة التي جاءت بهدف طمأنة المجتمع المسيحي في العراق، فضلاً عن تعزيز الحوار بين الأديان.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.