اليمن: إحياء وقف النار واستئناف السلام ليسا مستحيلين

رشا جرهوم
رشا جرهوم
TT

اليمن: إحياء وقف النار واستئناف السلام ليسا مستحيلين

رشا جرهوم
رشا جرهوم

يدخل اليمن السنة السابعة للحرب في ظل أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وانتشار جائحة «كوفيد-19»، وتحديات متعددة الأبعاد اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. ومنذ بداية العام، شهدنا تحركات دولية وإقليمية للدفع بعملية السلام، بدأت بتعيين الإدارة الأميركية المبعوث الخاص لليمن تيم ليندركينغ الذي انطلق سريعاً بعقد لقاءات في المنطقة، فضلاً عن انعقاد مؤتمر المانحين للدعم الإنساني.
كل ذلك يعكس اهتماماً دولياً باليمن، إلا أن هذا الاهتمام لن يتوج بنجاح إذا لم يتم الأخذ بالاعتبار لعدد من القضايا التي تتعلق بتصميم وإدارة الوساطة في اليمن.
في هذا الشهر، سيكمل المبعوث الأممي الحالي، مارتن غريفيث، ثلاثة أعوام في مهمته. وسيكون قد مضى عام واحد على إطلاق نداء الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لوقف إطلاق النار في العالم، الذي تلاه بعد أربعة أشهر من تبني مجلس الأمن لقرار يطالب بوقف إطلاق النار لمدة تسعين يوماً، وهو ما وجد ترحيباً لدى كثير من أطراف الصراع في العالم، من دول وجماعات مسلحة، بيد أن هذا الترحيب لم يُترجَم على أرض الواقع.
وبشكل عام، كان مخيباً أن نرى فشل المنظومة الأممية في تحقيق هذا المطلب البسيط الذي يعكس بذاته مدى تدني طموح المجتمع الدولي لإنهاء الصراعات في العالم.
في اليمن، رحبت جميع الأطراف بالنداء، واستجاب تحالف دعم الشرعية عبر وقف عملياته لمدة شهر ونصف، وذهبت جماعة الحوثي في اليمن إلى نشر رؤيتهم لإنهاء الحرب، ولكن على أرض الواقع حدث العكس، حيث وسعت الجماعة رقعة الصراع، وفتحت جبهات جديدة باتجاه الجوف ومأرب. وعكف المبعوث الأممي على إعداد عدد من المسودات لوقف إطلاق النار، كان آخرها ما سُمي «الإعلان المشترك» الذي يركز على ترتيبات لوقف إطلاق النار، وترتيبات اقتصادية وأمنية، وترتيبات استئناف العملية السياسية، إلا أن الأطراف لم توافق عليه حتى اللحظة. وذلك غير مستغرب لأن المسودة كانت ضعيفة جداً، لا تلبي طموح السلام المنشود، وهناك كثير من القضايا التي يجب أن تُؤخذ بجدية لتصحيح مسار الوساطة في عملية السلام في اليمن.
هناك أهمية للنظر للأطر المرجعية التي تحكم المرحلة، المتمثلة بالقرار (2216)، والمبادرة الخليجية وآليتها، ومخرجات الحوار الوطني، التي يتم ذكرها مراراً من باب رفع العتب، لا من باب الأخذ بها بشكل جدي لإنقاذ المرحلة، بل إن مسودة الإعلان المشترك تقترح إهمال هذه المرجعيات خلال مرحلة وقف إطلاق النار، والرجوع لها في مرحلة لاحقة عند صياغة الاتفاق الشامل للسلام. وتقتصر عملية الوساطة الحالية على طرفين، هما الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي، مستندة إلى القرار (2216)، ويصر على ذلك الأطراف أنفسهم، حيث تريد الحكومة الشرعية أن تصنف عملية السلام بين طرف الدولة والطرف المنقلب على الدولة، وتصر جماعة الحوثي أيضاً على قصر المفاوضات على طرفين لإضفاء مشروعية على أنفسهم، بل إنهم في مسودة رؤيتهم لم يعترفوا بطرف الحكومة الشرعية بالكامل، ووضعوا أنفسهم نداً للتحالف. هذا الإقصاء برعاية أممية أدى إلى تحول مجموعات سلمية إلى مسلحة لتحقيق مصالحهم، ويعطي رسالة لأي جماعة لديها مظلومية بحمل السلاح.
القرار (2216) نفسه لا يحصر بالضرورة عملية السلام على طرفين، فالقرار يوجه الخطاب «للأطراف اليمنية كافة»، ويضيف: «ومن بينهم جماعة الحوثي». كما أن القرار نفسه يذكر المبادرة الخليجية وآليتها، ومخرجات الحوار الوطني، بصفتها أساسيات للمرحلة، وكل هذه المرجعيات تتحدث عن أهمية المشاركة.
وعند استعراض أمثلة لعمليات السلام العالمية، نجد مثلاً في آيرلندا أنه تم فتح باب المشاركة في عملية مفاوضات السلام عبر عملية انتخابية، للتأكد من أن المتفاوضين والمتفاوضات على الطاولة يمثلون الشعب. ولأن عقد انتخابات اليوم في اليمن غير واقعي، فالحل هو فتح باب المشاركة الواسعة، واستيعاب مكونات الشعب كافة. فلا يمكن تحقيق وقف إطلاق نار شامل دون إشراك جميع المجموعات المسلحة، وتأكيد التزامها بذلك. ولن نستطيع الوصول إلى سلام دائم دون مشاركة واسعة لجميع مكونات المجتمع، من نساء وشباب ومجتمع مدني وقيادات محلية وقبلية وجميع الأحزاب والمكونات السياسية، ومن دون إشراك دول الإقليم بصفة ضامنين ورعاة لاتفاق السلام.
كذلك، فإن تصميم عملية السلام الحالية يطيل أمد الحرب. فخلال الأعوام الثلاثة الماضية، لم تعقد أي مفاوضات سلام حقيقية، واكتفت البعثة الأممية بعقد لقاءات قصيرة المدى لمناقشة قضايا تتعلق ببناء الثقة من المفترض أن يتم تشجيع الأطراف على تنفيذها بشكل ذاتي، وكان يجب الاستفادة من تسخير الموارد لإحضار الأطراف لمناقشة القضايا الجدلية الحقيقية بينهم.
على سبيل المثال، تم الاحتفال بمشاورات استوكهولم على أنها إنجاز عظيم، حيث اجتمعت فيها الأطراف بعد مرور عامين من آخر اجتماع لهم، ولكن الحقيقة أنه لم تكن أبداً هناك تحديات في جمع الأطراف اليمنية على غرار الأطراف في سوريا الذين يرفضون الجلوس بعضهم مع بعض في المكان نفسه، فالأطراف اليمنية يمكن جمعها بسهولة، بل إنهم يجلسون معاً لتناول الوجبات، وعادة ما يتغلل حديثهم بعض الفكاهة. لكن التحديات الحقيقية التي تعيق جمع الأطراف اليمنية عادة ما تتعلق بأمور لوجيستية.
وقد ركزت مشاورات استوكهولم على نقاط بناء الثقة المتعلقة بالهدنة الإنسانية لوقف القتال في الحديدة، وقضية أسرى الحرب، وقضية رفع الحصار عن تعز، وخرجت باتفاقية مبهمة غير واضحة الملامح أدت إلى تعقيد الأمور، وللأسف تم تسيس هذه القضايا الإنسانية، ولم يتم أي إنجاز يذكر لحلحلتها، عدا الإفراج عن 1056 أسيراً من أصل 15 ألفاً خلال العام الماضي، بل تم وصف هذه الاتفاقية بأنها جاءت لتحمي مصالح جماعة الحوثي الذين خرقوا كثيراً من بنودها، بما في ذلك نهب 50 مليون ريال يمني من البنك المركزي في الحديدة، فتحوا بها جبهات جديدة باتجاه الجوف ومأرب.
وكان على البعثة الأممية أن تبذل جهداً أكبر في جمع الأطراف لمناقشة القضايا الجدلية الحقيقية، وأن تتعمق بالأطر المرجعية التي تحتوي قضايا محورية يجب إدراجها في أجندة السلام، والتي تم إهمالها أو إغفالها تماماً، مثل قضية سحب السلاح من الجماعات المسلحة، ووقف تجنيد الأطفال، والقضايا المحورية التي بسببها اندلعت الحرب المتعلقة بشكل الدولة والحوكمة، والقضية الجنوبية التي لم يتم تناولها بعد، بل وافتقد تماماً باب ترتيبات استئناف العملية السياسية في الإعلان المشترك لماهية القضايا التي يجب أن يتم تناولها في أجندة السلام، والتي من المهم أن تتم إذا كانت هناك جدية فعلية لاستئناف عملية المفاوضات.
ووضعت أيضاً مسودة الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار مقترحات تعقد من حل القضايا، بدلاً من تبسيطها. فعلى سبيل المثال، اقترحت المسودة صرف الرواتب بحسب قوائم موظفي الخدمة المدنية لعام 2014، واشترطت أن تقوم الحكومة اليمنية بالتدقيق في قوائم المرتبات لعام 2014 التي ستسلمها جماعة الحوثي، وهذه وصفة لكارثة لأن التوصل إلى اتفاق حول قوائم الأسرى الـ15 ألفاً استغرق ثلاثة أعوام وعدداً من جولات المشاورات بين الأطراف، فكيف سيتم التوصل لاتفاق حول أكثر من مليون اسم في الخدمة المدنية؟ إن هذا المقترح يطيل من أمد التوصل إلى حل، ورفع معاناة الشعب. وكان الأجدر أن يتم إلزام الحكومة بصرف رواتب موظفي الخدمة المدنية بحسب القوائم 2014 التي لديهم، دون وضع خطوة إضافية قد تعرقل وتبرر تأخير صرف الرواتب، وأن يتم صرفها مباشرة إلى المواطنين والمواطنات في أنحاء الجمهورية اليمنية كافة، مع إلزام جماعة الحوثي بعدم مصادرة أموال الناس في مناطقهم، وإلزامهم بصرف رواتب الموظفين المستحدثين بعد عام 2015 في مناطق سيطرتهم.
كذلك، فإن تصميم عملية السلام لا يستند إلى منهجية حقوق الإنسان والمساءلة. فالبعثة الأممية الحالية تجنبت تماماً أن تشير صراحة للأطراف المعرقلة لعملية السلام في أثناء تقديم إحاطات لمجلس الأمن، بل غضت النظر على انتهاكات جسيمة تم ذكرها من قبل لجنة الخبراء الدوليين التابعة لمجلس حقوق الإنسان ولجنة الخبراء المتعلقة بدعم لجنة العقوبات لمجلس الأمن.
إن العمل في مجال الوساطة لا يعني أن يتغافل الوسيط عن المساءلة حول انتهاكات حقوق الإنسان. وعلى العكس، فإن المساءلة قد تشكل الحافز المفقود الذي يضغط على الأطراف للانخراط بشكل إيجابي في عملية السلام، وتقديم التنازلات للوصول إلى الحل السياسي السلمي.
وختاماً، لا يبدو أن عملية الوساطة الحالية سوف تحقق السلام في اليمن، من دون أخذ خطوات جادة لتصحيح مسار الوساطة، عبر تصميم عملية سلام مبنية على أساس المشاركة الواسعة الديمقراطية، ومنهجية حقوق الإنسان، والمساءلة ومناقشة القضايا الجدلية، ووضع حلول قابلة للتنفيذ لا تعقد الوضع بشكل أكبر. والشعب اليمني لا يستطيع أن يتحمل، وعلى المجتمع الدولي اليوم أن يقف أمام أداء الوساطة الأممية ويقيمه، ويصحح مسارها، إذا ما أراد فعلاً دعم عملية السلام في اليمن.
- رئيسة مبادرة «مسار السلام» عضو مؤسسة في شبكة التضامن النسوي


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.