مصر والسودان في سباق مع «الفيضان» والسد

توافق على تحديد سقف زمني للتفاوض... وحمدوك في القاهرة الخميس

الرئيس السيسي ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس السيسي ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

مصر والسودان في سباق مع «الفيضان» والسد

الرئيس السيسي ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس السيسي ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)

يبدو أن مصر والسودان يسابقان الزمن الآن في محاولة أخيرة للضغط على إثيوبيا للوصول إلى اتفاق ملزم حول «سد النهضة»، قبل موعد الملء الثاني لخزان السد مع حلول موسم الفيضان، منتصف العام الحالي.
وبدأت الدولتان تكوين جبهة موحدة لمواجهة «التعنت» الإثيوبي، اتضحت معالمها خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للخرطوم أول من أمس، ولقائه مع رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، الذي اتفقا فيه على رفض ما سموه «سياسة فرض الأمر الواقع، بإجراءات أحادية لا تراعي مصالح دولتي المصب».
واستمراراً للتنسيق بين البلدين، من المنتظر أن يصل رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى القاهرة يوم الخميس المقبل، في زيارة رسمية تستغرق يومين، يلتقي خلالها عدداً من الوزراء المصريين لبحث كثير من الملفات ذات الاهتمام المشترك، بحسب تصريحات السفير بسام راضي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية.
ويتوقع أن يكون للتنسيق بين القاهرة والخرطوم على هذا المستوى تداعيات على الموقف الإثيوبي من مفاوضات سد النهضة، وفقاً للدكتورة أماني الطويل، خبيرة الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، التي أوضحت في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط» أن «السودان بلد جوار لإثيوبيا، وله تفاعلات مباشرة مع القوميات الإثيوبية». كما أن «السودان يحظى بمصداقية أفريقية عند حديثه عن أضرار السد، وربما يفسر هذا الجولات الأفريقية التي تعتزم وزيرة الخارجية السودانية (مريم الصادق المهدي) تنفيذها في المرحلة المقبلة، لشرح أضرار سد النهضة على السودان، وهو ما سيمتد تأثيره بالتأكيد إلى مصر»، بحسب الطويل.
وترى السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الأفريقية، أن «المنطق يقول إن هذا التنسيق سيؤدي بالضرورة إلى الضغط على إثيوبيا للقبول باتفاق ملزم حول السد»، لكنها قالت في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط» إن «تحركات الإثيوبيين اعتادت أن تكون خارجة عن المنطق، فقد سبق وتحدوا الجميع من قبل، بما فيهم رئيس وزرائهم السابق الذي وقع على إعلان المبادئ مع مصر والسودان، وكذلك الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة الأميركية اللذين لم تنجح وساطتهما في إنهاء التعنت الإثيوبي»، مشيرة إلى أن «توحيد المواقف بين مصر والسودان يغير دفة المفاوضات، خاصة أن موقف السودان في السنوات السابقة كان أقرب إلى إثيوبيا في هذا الملف».
ويأتي التنسيق المصري - السوداني بعد سنوات من المفاوضات المتعثرة التي بدأت في أعقاب توقيع اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم عام 2015. ويتوقع خبراء أن تساهم وحدة موقف القاهرة والخرطوم في الضغط على أديس أبابا للوصول إلى اتفاق ملزم للأطراف الثلاثة.
وخلال لقاء السيسي والبرهان، اتفق الجانبان على توسيع مظلة الوساطة، لتشمل الاتحادين الأفريقي والأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة، وهو ما ترى الطويل أنه «سيكون مؤثراً على الموقف الإثيوبي، لكن تنفيذه يحتاج إلى وقت لا نعلم هل سيكون متاحاً مع انتهاء المهلة النهائية لاستمرار المفاوضات بشأن السد في أبريل (نيسان) المقبل».
وبدورها، لا ترى عمر أن «الوقت يشكل تحدياً، فأمام الدول الثلاث متسع من الوقت، لو تخلت إثيوبيا عن موقفها المتعنت، وأبدت استعداداً للتفاوض، خاصة أن معظم البنود قد تم تناولها في المفاوضات السابقة، والأزمة الآن في الوصول إلى اتفاق ملزم بشأن ملء السد وتشغيله».
وسيساهم دخول الأطراف الأربعة للوساطة في خلق رأي عام دولي حول القضية، بحسب عمر التي تؤكد أن «موقف إثيوبيا المتعنت خارج على القانون الدولي. فالنيل نهر دولي، والتعامل معه يجب أن يكون في إطار القوانين الدولية، وبما لا يضر بدول المصب».
وتأتي زيارة السيسي للخرطوم بعد أيام من زيارة قامت بها مريم الصادق المهدي، وزيرة الخارجية السودانية، للقاهرة مطلع مارس (آذار) الحالي، التقت خلالها مع نظيرها سامح شكري. وأكد الوزيران «أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي». وجاءت زيارة وزيرة الخارجية السودانية بالتزامن مع زيارة الفريق محمد فريد، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية للسودان، التي وقع خلالها اتفاقية تعاون عسكري مع الخرطوم.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».