قوى الأمن ترد بعنف على المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في ميانمار

تواصل القمع في ميانمار أمس، ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية والذين نزلوا بالآلاف إلى الشوارع، رغم مداهمات اليوم السابق التي أوقف خلالها أعضاء من حزب الزعيمة أونغ سان سو تشي، أحدهم تعرّض للضرب حتى الموت.
واستخدمت القوى الأمنية المنتشرة بأعداد كبيرة الغاز المسيّل للدموع والرصاص المطاط وكذلك الذخيرة الحية لتفريق التجمعات. وأصيب بعض المتظاهرين خصوصاً في رانغون عاصمة البلاد الاقتصادية، حيث أظهرت صور انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي معاناة شاب يبلغ العشرين من جراء قطع أذنه.
وفي ماندالاي (وسط) حيث قتل عدد من المتظاهرين في الأيام الأخيرة، أصيب مسعفان بطلقات نارية تمكن أحدهما من الفرار بينما اقتادت الشرطة الآخر، وفق زميلهما يان نينغ. وأصيبت متظاهرة كذلك.
وعلى بعد نحو مائة كيلومتر، في باغان الشهيرة بمعابدها قديمة، أصيب شاب يبلغ 18 عاماً برصاصة مطاطية في فكّه بينما تعرضت امرأة لإصابة في رجلها، وفق ما نقل مسعفون.
وتزامناً مع ذلك، استمرت عمليات الاعتقال، إذ نُفّذت عمليات دهم في رانغون استهدفت مسؤولين من الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، حزب سو تشي التي أطاح بها الجيش في الأول من فبراير (شباط) الماضي. وقال أحد أعضاء الحزب سو وين: «لا نعرف عدد الأشخاص الذين أوقفوا»، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
ولوحق أيضاً محام في الحزب إلا أن قوات الأمن لم تجده. وقال نائب سابق في الحزب إن شقيق المحامي «تعرض للضرب (...) والتعذيب لأنه لم يكن هناك أحد ليتمّ توقيفه».
وحذّرت وسائل الإعلام أمس من أن النواب الذين لا يعترفون بشرعية الانقلاب وشكلوا لجنة لتمثيل الحكومة المدنية يرتكبون «خيانة عظمى» قد تصل عقوبتها إلى السجن 22 عاماً. ودعت المواطنين إلى «عدم المشاركة في التجمعات لمنع تخريب مستقبل أطفالهم».
لكن الآلاف تظاهروا في ميانمار أمس رغم التهديدات، كما نظم رهبان اعتصاماً كبيراً في ماندالاي. وقالت مونغ ساونغكا إحدى الشخصيات في حركة الاحتجاج: «لا يكفي أن ندعو إلى العصيان المدني والإضراب من دون النزول إلى الشوارع. علينا المحافظة على نضالنا في أعلى مستوى (...) نحن مستعدّون للموت».
ولهذه الدعوات إلى الإضراب تأثير كبير على عدد هائل من قطاعات اقتصاد ميانمار الضعيف أصلاً، مع مصارف غير قادرة على العمل ومستشفيات مغلقة ومكاتب حكومية فارغة. وحذر المجلس العسكري من أنّ الموظفين الذين لا يستأنفون أعمالهم الاثنين سيطردون من العمل.
ويسيطر الخوف على الجميع. فقد قُتل أكثر من خمسين شخصاً منذ بدء التمرّد السلمي ضد الانقلاب.
وانتشرت مشاهد بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر قوات الأمن تُطلق الرصاص الحي على تجمّعات وتنقل جثث متظاهرين. وتنفي وسائل الإعلام الحكومية أي ضلوع لوحدات إنفاذ القانون في مقتل مدنيين. ولم يستجب المجلس العسكري لأسئلة عدّة وجهتها وكالة الصحافة الفرنسية.
ويشارك حزب الاتحاد للتضامن والتنمية المدعوم من الجيش، في الهجمات. وقُتل أعضاء من هذا الحزب الجمعة إضافة إلى ممثل محلّي للرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، ومراهق يبلغ 17 عاماً، بحسب جمعية مساعدة السجناء السياسيين.
وأوقف مئات الأشخاص منذ الأول من فبراير من بينهم مسؤولون محليون وسياسيون وصحافيون وناشطون وفنانون. وغالباً ما يقتاد الأشخاص الذين يتمّ توقيفهم في رانغون، إلى سجن «إنساين» حيث نفّذ كثرٌ من السجناء السياسيين عقوبات قاسية في ظل ديكتاتوريات سابقة.
وفي مواجهة تدهور الوضع، فرّ عدد من سكان ميانمار. ووصل نحو خمسين شخصاً بينهم ثمانية من عناصر الشرطة يرفضون المشاركة في القمع، إلى الهند المجاورة. وطلبت ميانمار من الهند إعادة عناصر الشرطة الثمانية «بهدف الحفاظ على العلاقات الجيّدة بين البلدين» في رسالة اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية. ولا يزال نحو مائة شخص متجمّعين عند الحدود آملين السماح لهم بالدخول إلى الهند.
ويصمّ الجنرالات آذانهم في مواجهة موجة التنديد التي تطلقها الأسرة الدولية المنقسمة حيال الاستجابة للوضع في ميانمار. ولم ينجح مجلس الأمن الدولي الجمعة في التوافق على إعلان مشترك. ويُفترض أن تتواصل المفاوضات الأسبوع المقبل، بحسب مصادر دبلوماسية.
وأعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تدابير قسرية ضد الجيش، إلا أن مراقبين يدعون إلى الذهاب أبعد من ذلك مع فرض حظر دولي على تسليم الأسلحة للجيش، في قرار يتطلب توافق كافة أعضاء المجلس. غير أن بكين وموسكو، الحليفتين التقليديتين لجيش ميانمار ومصدرتي الأسلحة إلى البلاد، تعتبران هذه الأزمة شأناً داخلياً لميانمار.
وفي بانكوك، تظاهر آلاف العمّال المتحدرين من ميانمار والمهاجرين إلى تايلاند أمس أمام مقرّ بعثة الأمم المتحدة، داعين الأسرة الدولية إلى التصرف بصرامة أكبر ومطالبين المجموعة العسكرية بالإفراج عن أونغ سان سو تشي المحتجزة منذ توقيفها من دون إمكانية التواصل مع أي شخص.