لبنان: دياب يرمي كرة النار في حضن عون

الرئيس اللبناني ميشال عون (يسار) ورئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب (وسائل إعلام لبنانية)
الرئيس اللبناني ميشال عون (يسار) ورئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب (وسائل إعلام لبنانية)
TT

لبنان: دياب يرمي كرة النار في حضن عون

الرئيس اللبناني ميشال عون (يسار) ورئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب (وسائل إعلام لبنانية)
الرئيس اللبناني ميشال عون (يسار) ورئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب (وسائل إعلام لبنانية)

رفع تلويح رئيس الحكومة اللبنانية المستقيلة حسان دياب بالاعتكاف من منسوب الفراغ في السلطة التنفيذية، وزاد من الأعباء الملقاة على عاتق القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش، فيما الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 تعود مجدداً لإثبات وجودها في الشارع، وإنما هذه المرة بشكل يومي، مع أن تلويح دياب، كما يقول رئيس حكومة سابق لـ«الشرق الأوسط»، يشكّل سابقة للمرة الأولى في تاريخ الحكومات.
وإن كان يهدف من خلالها إلى الضغط على المعنيين لتشكيل الحكومة وإخراجها من التأزم الذي يحاصرها، وصولاً إلى رمي المسؤولية في هذا الخصوص على عاتق رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، في ضوء ما يتردد بأنه يدير شؤون البلد بحكومة ظل اتخذت من القصر الجمهوري في بعبدا مقراً لها، من دون العودة إليه، وفق رئيس الحكومة السابق.
ويلفت رئيس الحكومة السابق - الذي فضّل عدم ذكر اسمه - إلى أنه لم يسبق لرئيس حكومة مستقيلة أن لوّح بالاعتكاف، ويعزو السبب إلى أن مجرّد التلويح بمثل هذه الخطوة يسبق تحضير الأجواء للاستقالة، ما لم يتجاوب معه رئيس الجمهورية لتفعيل العمل الحكومي وإخراجه من الجمود القاتل.
ويؤكد أن دياب ماضٍ في اعتكافه، ولا يتردد إلى مكتبه في «السراي» إلا نادراً، وكان صارح عدداً من الوزراء برغبته في الاعتكاف لكنه لم يلق منهم التجاوب المطلوب، لاعتقادهم أنه من غير الجائز تخلّيهم عن مسؤولياتهم في تصريف الأعمال، ويقول إنه أراد أن يوفّر لنفسه الحماية عندما لوّح، وفي العلن هذه المرة، بالاعتكاف من جهة، وتوخى في المقابل تمرير رسالة إلى الداخل ومنه إلى الخارج مفادها بأنه يضغط لتسريع تشكيل الحكومة لدرء الأخطار التي تهدد البلد مع عودة الانتفاضة إلى الشارع.
ويرى رئيس الحكومة السابق أن عون هو المستهدَف الأول من تلويح دياب بالاعتكاف في ظل انقطاع التواصل بينهما الذي أتاح لرئيس الجمهورية التصرف وكأنّه الآمر الناهي، ولا يتشاور معه إلا نادراً، ما يعني أنه مرتاح لوضعه بصرف النظر عن تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية مع الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، وبالتالي فهو يعقد الاجتماعات بالتعاون مع فريقه السياسي الذي بات يشكّل حكومة ظل يعاونها فريق آخر من كبار المستشارين هم بمثابة «غرفة أوضاع»، ويصدر الفرمانات ويعطي التوجيهات حتى إنه لم يبادر منذ فترة إلى دعوة المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد، كما جرت العادة سابقاً.
ويُعتبر رئيس الحكومة السابق، ومن وجهة نظر دياب، أن تلويحه بالاعتكاف يوفّر له الحماية السياسية في شارعه، بعد أن أدّى الادعاء عليه في ملف تفجير مرفأ بيروت إلى فتح قنوات التواصل مع رؤساء الحكومات السابقين، بعد أشهر على القطيعة السياسية الناجمة عن ترؤسه لحكومة من لون سياسي واحد ويستبعد في الوقت ذاته أن يرمي بتلويحه هذا في وجه الرئيس المكلف سعد الحريري.
ويُعتقد أن دياب رمى بكرة النار في حضن عون لأنه لا يريد، كما يقول أحد الوزراء لـ«الشرق الأوسط»، أن يتحوّل إلى شاهد زور، فيما بات البلد مهدّداً في أي لحظة بانفجار اجتماعي وليس هناك من يتحرك لتفاديه.
وعليه، فإن الدولة بكل إداراتها تقترب من الزوال، ولم يعد من حضور لها إلا من خلال القوى الأمنية، وعلى رأسها الجيش، في مقابل تصاعد تبادل الحملات بين عون وتياره السياسي، وتيار «المستقبل»، في الوقت الذي هدأت فيه الأحوال بين الأخير و«حزب الله» على خلفية السجال الذي خلّفه قول نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بأن الحريري ينتظر أن يرضى عليه الخارج ليشكل الحكومة، وتردد بأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتدخّله أعاد الهدوء بينهما إلى ما كان عليه قبل أن يدلو الشيخ قاسم بدلوه الذي استدعى رداً من المكتب الإعلامي للحريري.
وبالعودة إلى دور الجيش والقوى الأمنية الأخرى مع عودة الانتفاضة الشعبية إلى الشارع، أكد مصدر أمني رفيع لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش يشكل رأس حربة لملء الفراغ بغياب الدولة وتخلّيها عن مسؤولياتها، وهو يتولى بالتعاون مع هذه القوى، وتحديداً قوى الأمن الداخلي، الحفاظ على الأمن والاستقرار رغم اتساع المساحة الجغرافية لحركات الاحتجاج التي تغطي جميع المناطق اللبنانية.
ولفت المصدر الأمني إلى أن الجيش بتوجيهات قيادته ينطلق في الحفاظ على الأمن والاستقرار، من معادلة يحرص على تطبيقها ولا يفرّط فيها، وتقوم على حرية التعبير عن الرأي والتجمُّع احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشية التي بلغت ذروتها في مقابل حماية الأملاك العامة والخاصة ومنع التعرّض لها وفتح الطرقات، وأكد أن الجيش برغم حجم المعاناة التي يشكو منها السواد الأعظم من اللبنانيين يشكّل صمّام الأمان لقطع الطريق على إقحام البلد في الفوضى، وأن تحرّكهم هو في وجه السلطة السياسية التي يُفترض فيها الاستجابة للحد الأدنى من مطالبهم.
ورأى أن الجيش الذي يحافظ على الاستقرار بالتعاون مع القوى الأمنية الأخرى هو كسائر اللبنانيين يشكو من تردّي الأوضاع، لكنه يعضّ على الجرح ويحاول استيعاب الحركات الاحتجاجية من دون الصدام مع المحتجين، وهو يستخدم «القوة الناعمة» لضبط التحرّكات في الشارع، وينأى بنفسه عن الإفراط في استخدام القوة إلا في حال حصول صدامات تؤشر إلى أبعاد طائفية ومذهبية أو العودة إلى خطوط التماس التي كانت قائمة طوال اندلاع الحرب الأهلية.
وبكلام آخر، فإن الجيش سيتصدّى لكل محاولة يراد منها حرف الاحتجاجات الشعبية عن مسارها باتجاه حصول صدامات بين هذا الشارع أو ذاك، وهو يمارس أقصى درجات ضبط النفس لإعادة فتح الطرقات وعدم السماح بتجاوز الخطوط الحمراء التي تدفع باتجاه إحداث فتن متنقّلة، وبالتالي يتقيّد بالمعادلة التي رسمها لنفسه بإشراف قيادته لئلا يتحول إلى طرف في النزاع، ويبقى على المعنيين التعاطي بجدية مع المحتجين بدءاً بتشكيل حكومة مهمة.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.