واجه «كورونا» بالـ«سوبر فود»

تناول السكّر والدهون يهدم ما تبنيه الأطعمة الصحية الغنية بالزنك والفوسفور

واجه «كورونا» بالـ«سوبر فود»
TT

واجه «كورونا» بالـ«سوبر فود»

واجه «كورونا» بالـ«سوبر فود»

بينما يتسابق العالم لتلقي لقاح «كوفيد 19»، كانت لوسيكا ديكيلرك، 105 أعوام، تنقع حبات الزبيب وتتناولها كل صباح لتحارب الفيروس الذي أصابها في يناير (كانون الثاني) الماضي؛ وحسب صحيفة «الغارديان» فإن العجوز الأميركية هزمت الفيروس خلال 9 أيام فقط، واضعة كل سرها في حبات الزبيب.
لوسيكا ليست الوحيدة حول العالم التي حاربت «كورونا» بالطعام، منذ ظهور الفيروس ووقوف العالم أمامه مكتوف الأيدي، لم يجد الجميع أمامه سوى تقوية جهاز المناعة بنظام غذائي متوازن، ولا سيما أن الأطعمة الطازجة هي مخزن الفيتامينات والمعادن وسر الصحة الجيدة.
حتى الآن، وبعد ظهور اللقاح، ما زالت الطريقة الآمنة لمواجهة العدوى هي تعزيز جهاز المناعة بالأطعمة فائقة القيمة أو ما يسمى «سوبر فود»؛ بيد أن الأمر لا يقتصر على التجارب القصصية، إذ إن الأطباء يؤكدون أن الحماية تأتي أولاً من نظام غذائي متوازن.
يتحدث الدكتور مروان سالم، اختصاصي التغذية العلاجية، عن علاقة الطعام بالوقاية من الفيروس التاجي، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الوقاية تبدأ باتباع الإجراءات الاحترازية، مثل التباعد الاجتماعي، والكمامة، وغسل اليدين، بينما دور الأطعمة يأتي لاحقاً، فهو لا يقي من الإصابة، بينما يحد من تأثير الفيروس على الجسم في حال أُصيب الشخص». ويردف: «لا جدال حول دور ما يتناوله الشخص وقدرة الجسم على مقاومة (كورونا)، أو أي فيروس آخر، قبل البحث عن اللقاح أو العلاج، علينا الانتباه إلى جيشنا الأول، وهو جهاز المناعة».
بيد أن الأمر ليس مستحدثاً، فكلما شهد العالم جائحة صحية اتجه فوراً إلى كنوز الطبيعة. ففي عام 1918 عرف العالم جائحة الأنفلونزا الإسبانية، وهو الحدث الأكثر فتكاً في التاريخ المسجل؛ حيث أصيب ما يصل إلى 500 مليون شخص، وقتل عشرات الملايين حول العالم. حسب «بي بي سي فيوتشر»، اتجه العالم وقتذاك إلى محاربة الأنفلونزا بزيت الثعبان ومستخلصات النعناع والبصل، بل تصدرت إعلاناتهم الصحف إلى جوار العناوين الرئيسية عن مستجدات المرض.
وعن العناصر الغذائية التي يجب التركيز على تناولها لمحاربة الفيروس، يضيف اختصاصي التغذية العلاجية: «للحصول على جرعة أولية من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة المعززة للمناعة، املأ نصف طبقك بالخضراوات والفواكه» متابعاً: «الزنك من أهم المكملات الغذائية اللازمة لمواجهة الفيروس وتقوية جهاز المناعة، وهو عنصر متوفر في عدد من الأطعمة الشعبية طيبة المذاق، مثل حساء العدس المزينة بأوراق البقدونس أو الكزبرة»؛ حيث ينتمي العدس إلى عائلة البقوليات، التي يوصي بها سالم باعتبارها مصدراً للزنك، بجانب هذا هناك بذور مثل القنب واليقطين والسمسم، كذلك الأطعمة البحرية مثل المحار، وسرطان البحر، وبلح البحر والجمبري، جميعها مصادر للزنك، كما أنها تحتوي على الألياف والدهون الصحية والفيتامينات، «فهي إضافة صحية لنظامك الغذائي».
ويولي سالم أهمية خاصة للبروتين، ويشير إلى أنه يساعد على تكوين الأجسام المضادة، وكذلك البيتاكاروتين التي تتحول إلى «فيتامين أ»، الذي يساعد الأجسام المضادة على مواجهة السموم والمواد الغريبة في حالات العدوى؛ ومن الأطعمة الغنية بالبيتاكاروتين الجزر واللفت والمشمش.
وربط الدكتور عامر نصر، استشاري الجراحة العامة والأوعية والسمنة المفرطة والأورام، بين فقر التغذية واحتمالية الإصابة بـ«كورونا»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «مقاومة الفيروس تحتاج إلى ارتفاع بعض العناصر في الجسم مثل الفسفور والزنك وفيتامين (د)، ولا سيما إذا كان الشخص يعاني من أي أمراض مزمنة مثل السكري، لأن هؤلاء يعانون من ضعف المناعة».
ويرى استشاري السمنة أن النظام الغذائي خلال فترة الجائحة لا يقل أهمية عن اتباع الإجراءات الاحترازية، فكلاهما يسير بالتوازي للوقاية من الفيروس، ويقول: «الحمضيات مثل البرتقال، والليمون، واليوسفي، والكيوي، والتفاح، والجوافة، يجب أن تكون حصة أساسية كل يوم، لأنها مصدر لفيتامين (ج) المسؤول عن زيادة مستويات الأجسام المضادة في الدم».
ويذهب إلى أن «أطعمة مثل البصل الأخضر والخضراوات الورقية كالبقدونس والجرجير، يمكن أن تكون رئيسية في طبق من السلطة الشهية مع إضافة الدهون الصحية مثل زيت الزيتون».
ويشير استشاري السمنة إلى أهمية فيتامين «د» الذي ينظم إنتاج البروتين المسؤول عن مواجهة العوامل المعدية، بما في ذلك البكتيريا والفيروسات، ومن أهم مصادره البيض، وأنواع الجبن الصحية، والفطر و«التوفو».
ويعود اختصاصي التغذية العلاجية ليؤكد على أهمية المشروبات فهي على حد تعبيره «الطريق الأسهل لتعزيز صحة الجسم»، وهنا ينصح بالإكثار من المشروبات المضادة للفيروسات، على غرار الينسون النجمي، والحمضيات، والجوافة الغنية بفيتامين «ج».
ويشير إلى أنه كما للجهاز المناعي جيش يحميه ويقويه، فثمة أطعمة هي الأعداء الأساسية، وحدد سالم نوعين من الطعام يجب التوقف عن تناولهما خلال فترة الجائحة، يقول: «السكر والدهون هما العنصران اللذان يهدمان ما بنته الأطعمة الصحية السابق الحديث عنها، فهما بمثابة الأعداء لصحة جهاز المناعة».
بجانب ذلك، فإن طريقة الطهي وعدد الحصص اليومية عوامل أخرى لتعزيز المناعة، لذلك ينصح الدكتور مروان سالم: «علينا أن نتناول حصصاً صغيرة على مدار اليوم، بدلاً من تناول وجبة رئيسية وحيدة، حتى لا يترك الجسم عرضة للجوع، من ثم أنظمة إنقاص الوزن القاسية لا مجال لها في وقت الجائحة».
أما نصيحة الدكتور نصر فتتعلق بطريقة الطهي نفسها، ويقول: «طريقة طهي الطعام تلعب دوراً بارزاً في تحديد قيمتها الغذائية، لذلك، من الأفضل أن تُحضر الخضراوات بطريقة التبخير أو على الأقل ترفع غير كاملة النضج، حتى لا تفقد قيمتها».


مقالات ذات صلة

الأحياء المزدحمة تشجع السكان على المشي

صحتك الأحياء الحضرية تشجع السكان على المشي (جامعة ويسترن أونتاريو)

الأحياء المزدحمة تشجع السكان على المشي

أفادت دراسة أميركية بأن تصميم الأحياء السكنية يُمكن أن يؤثر بشكل كبير على مستوى النشاط البدني للأفراد، خصوصاً المشي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك التقرير يوضح أنه من الأقل احتمالاً أن يكون أمام الأطفال في وسط المدن فرصة للحصول على خيارات غذائية صحية وبتكلفة مقبولة (رويترز)

بريطانيا: الأطفال يعيشون حياة أقصر بسبب الوجبات السريعة

كشف كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا عن أن «الصحاري الغذائية» في المدن إلى جانب إعلانات الوجبات السريعة تتسببان في عيش الأطفال حياة «أقصر وغير صحية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة جديدة تشير إلى إمكانية علاج مرض قصور القلب (ميديكال إكسبرس)

علاج ثوري جديد لقصور القلب... والتعافي غير مسبوق

تاريخياً، عُدَّت الإصابةُ بقصور القلب غير قابل للعكس، لكن نتائج دراسة جديدة تشير إلى أن هذا قد يتغير يوماً ما.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».