عبد الحميد دبيبة... «مهندس التخطيط» في مهمة إنهاء الانقسام الليبي

رئيس الحكومة المكلف يدخل إلى عالم السياسة من «باب الثروة»

عبد الحميد دبيبة... «مهندس التخطيط» في مهمة إنهاء الانقسام الليبي
TT

عبد الحميد دبيبة... «مهندس التخطيط» في مهمة إنهاء الانقسام الليبي

عبد الحميد دبيبة... «مهندس التخطيط» في مهمة إنهاء الانقسام الليبي

وقف عبد الحميد دبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المكلف، في أعلى منصة خصصت لمؤتمره الصحافي الأول، بفندق «كورنثيا باب أفريقيا» الشهير في العاصمة الليبية طرابلس، لإطلاع مواطنيه على جانب من ترتيبات المرحلة الراهنة، والتعهد بطي صفحة الماضي. في تلك اللحظات، حرص دبيبة أيضاً على تأكيد علاقته بتركيا، ما بدا لكثيرين - وخصوصاً في شرق ليبيا - أن الرجل، الذي لا يزال يتلمس خطاه بمواجهة عثرات عديدة، يسير على درب سلفه فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لـ«حكومة الوفاق الوطني».
دبيبة (61 سنة) المعول عليه في إزالة ضغائن الحرب من طرابلس، لم يكن منغمساً في العمل السياسي بقدر ما كان منشغلاً بالاقتصاد وعالم المال والأعمال، لدرجة قول البعض إنه كان «قيد التصنيع» طوال السنوات العشر الماضية، قبل أن تحين اللحظة لتدشينه. ومع ذلك، يرجى منه مستقبلاً - إذا ما اجتاز اتهامات «استخدامه للمال السياسي»، ونال الثقة من البرلمان - أن يعمل مع فريقه خلال الأشهر المتبقية من العام الجاري على إنهاء الانقسام، وتجهيز ليبيا للانتخابات الرئاسية والنيابية يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، قبل أن يترك منصبه للسلطة الجديدة. وهذه هي المهمة التي ينظر إليها بـ«الأمر المستحيل» لأسباب عديدة منها جملة العثرات التي واجهها فقط أثناء تشكيل حكومته بعد مضي شهر من تكليفه؛ وما تردد عن تعرضه «للابتزاز» من برلمانيين وشخصيات معتبرة شاركت في «الملتقى الليبي» بجنيف، كي يوزر أعوانهم وأقربائهم، فضلاً عن تمسك كل فصيل سياسي بضرورة التمثيل في هذه الحكومة، وإلا فسيعترض عليها ولن يعترف بها!

في مصراتة، ثالث أكبر مدن ليبيا، ولد عبد الحميد محمد دبيبة عام 1959 لأسرة يعمل غالبية أفرادها بالتجارة والمقاولات. وتلقى تعليمه في مدارس المدينة، قبل أن يلتحق بجامعة تورونتو الكندية، وهناك درس الهندسة المعمارية وتقنيات التخطيط والبناء إلى أن حاز شهادة الماجستير في هذا التخصص.
وإلى مصراتة، الواقعة على بعد (200 كلم من العاصمة طرابلس) عاد دبيبة من كندا متحصناً بالعلم ليبدأ حياته العملية والانخراط في عالم التشييد والمقاولات. وفي هذا المجال عمل مع ابن عمه وصهره الملياردير علي دبيبة، الذي يرى سياسيون أنه لعب دوراً في وصول عبد الحميد إلى سدة الحكومة الجديدة بعد انتخابه من قبل المشاركين بـ«الملتقى السياسي» المنعقد في جنيف يوم 5 فبراير (شباط) الماضي بحصوله على 39 صوتاً. وهناك، في المدينة الساحلية، التي لعبت دوراً كبيراً في إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، تزوج دبيبة وأنجب ستة من الأبناء. ومن هذه المدينة باشر بناء إمبراطوريته الاقتصادية بهدوء وعلى مهل، بعيداً عن متاعب السياسة، التي لم يكن مسموحاً بالاشتغال بها قبل عام 2011. وحقاً، ما كان مكترثاً بما قد تسفر عنه الأيام، فالمال يسبق «الجاه والسلطان»، ولم لا وقد سبقه كثيرون تولوا مناصب سياسية واقتصادية مهمة في الحكومات الليبية المتعاقبة منذ استقلال البلاد في عام 1951.

- عهد معمر القذافي
لم يكن دبيبة بعيداً عن نظام القذافي، بل كان مقرباً منه، لدرجة أن البعض وصفه بأنه «عابر للأنظمة». ويرصد مقربون من عائلته حصولها على نصيب وافر من المشاريع الصناعية والاقتصادية التي شهدتها مصراتة - آنذاك - على خلفية الفورة النفطية وارتفاع أسعار البترول.
وبالتالي، ارتقى دبيبة، الذي كان يحلو لمقربين منه مناداته بـ«المهندس» في عدد المناصب الرسمية إبان هذه الفترة، من بينها تولي إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار، وهي أكبر الشركات الحكومية بالبلاد. كذلك، أسند إليه الإشراف على بعض مشاريع البناء التي أمر بها القذافي حينذاك، أهمها مشروع بناء ضخم في سرت، مسقط رأس الرئيس السابق، بالإضافة للإشراف على بناء المطارات والملاعب وتمديد شبكات المياه، وبناء مجمع إداري في منطقة الجفرة (وسط ليبيا)، وذلك ضمن المشاريع التابعة لجهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، الذي ترأسه علي دبيبة بين عامي 1989 و2011.
ومع التنامي السريع لثروة آل دبيبة، تناقلت وسائل إعلام محلية تحقيقاً نشرته صحيفة «غلوب آند ميل» الكندية عام 2018 عن حجم ثروة علي دبيبة، رئيس جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية سابقاً في ليبيا؟ وتساءلت عن مصادرها. وللعلم، علي دبيبة، هو واحد من بين 75 مشاركاً في «ملتقى الحوار السياسي» الذي أطلقته الأمم المتحدة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من تونس، وانتخب سلطة انتقالية جديدة من أربعة مسؤولين (رئيس وزراء ومجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء).
- تيار «ليبيا المستقبل»
ومثل كثيرين من الليبيين جمع عبد الحميد، رئيس الحكومة المكلف، ثروة من البناء والمقاولات والإشراف على المشاريع الكبيرة. ثم اتجه بعد إسقاط القذافي إلى العمل في السياسة، إلا أنه لم ينشط بالقدر الكافي كأقرانه الذين باتوا نجوماً في الحياة العامة، ما يعني أن الاقتصاد والنشاط التجاري كانا غالبين على أولوياته.
ولكن، في أعقاب «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011، أخذ عبد الحميد دبيبة يشق طريقه إلى عالم السياسة تدريجياً من خلال تأسيس تيار «ليبيا المستقبل»، الذي جمع فئات من الشباب والمهمومين آنذاك بنهضة ليبيا، وإن لم يترك بصمة حقيقية في الشارع، أو يتمكن من إحداث تغيير مقارنة بحركات مماثلة. ولذا ظل حضوره متواضعاً طوال السنوات العشر الماضية.
تيار «ليبيا المستقبل» هذا هو الواجهة التي تحرك من خلالها دبيبة منذ إعلانه اعتزامه الترشح لرئاسة الحكومة، وشارك بشكل رسمي في لقاءات دولية حول ليبيا، منذ انطلاقه، اعتمد على الاتصال بالأطراف كافة. وفي الوقت الذي بدا «التيار» داعماً المطالبة بالاستفتاء على الدستور - وهو الذي يمثل أحد أهم مطالب تيار الإسلام السياسي في غرب ليبيا -، نجده يتحالف مع «حراك شباب من مصراتة» القريب من القيادة العامة لـ«الجيش الوطني الليبي»، ما ينم بحسب متابعين، عن «توازن في المواقف وارتباط بالجميع».
واللافت أن مجلس النواب في مدينة طبرق (بأقصى الشرق الليبي) أصدر في يونيو (حزيران) عام 2017، قائمة ضمت أسماء 75 شخصاً وجهت إليهم تهم دعم الإرهاب، وتمويل الكتائب المسلحة، وتصدر يومذاك عبد الحميد دبيبة وابن عمه علي، القائمة التي احتوت أسماء مثل صلاح بادي قائد ما يسمى بـ«لواء الصمود» وزعيم عملية «فجر ليبيا»، بجانب بشير الفقيه، الموصوف بـالزعيم الروحي لتنظيم «القاعدة» و«الجماعة المقاتلة» في ليبيا.
- بين أنقرة والقاهرة
من ناحية ثانية، منذ اختيار دبيبة لترؤس الحكومة الجديدة، والبعض يحسبه على نظام القذافي تارة، وعلى الإسلاميين تارة أخرى. بيد أن الرجل الذي زار القاهرة والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أظهر حرصاً لافتاً، خلال مؤتمر فندق «كورنثيا باب أفريقيا» على رسم شكل علاقة حكومته مع أنقرة مستقبلاً، وتمسكه بالاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أبرمتها «حكومة الوفاق الوطني» مع الجانب التركي، وتتعلق بترسيم الحدود البحرية، والتعاون العسكري والأمني.
رئيس الحكومة المكلف وصف تركيا بـ«الصديقة والحليفة»، ورأى أنها «بوابة الليبيين» بعد تونس. وهو ما أثار دهشة وقلق «المعسكر الشرقي» الممثل ببعض أعضاء مجلس النواب في طبرق، من الموالين للمشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي». ويرى هؤلاء أن أنقرة «لا تزال تشعل فتيل الحرب في بلادهم من خلال الدفع بشحنات السلاح»، فضلاً عن «دفعها بآلاف المقاتلين و(المرتزقة) الموجودين على محاور القتال بسرت والجفرة»... وبالتالي، أن دبيبة يسير على خطى «حكومة الوفاق».
غير أن دبيبة، ببحة صوته المعهودة، قال إن حكومته ستعمل على «طي صفحة الماضي وتأسيس دولة ليبيا المستقبل». وأردف «سيكون السلام شعارنا والمشاركة أسلوبنا، وازدهار المواطن وتحسين جودة الخدمات هدفنا، وتحقيق التداول السلمي على السلطة من خلال دستور وانتخابات وجهتنا»... وفي الاعتبار «الأبعاد التي عاشتها البلاد في الفترة الأخيرة وخروجها مؤخراً من حالة نزاع حاد وشعور الكثير من أبناء الأمة الليبية بالتهميش وغياب التمثيل، وكذلك إشكالية الشرعية السياسية والقانونية وانقسام المؤسسات».
وفور انتهاء دبيبة من مؤتمره الصحافي، أخذ متابعون يقرأون «لغة جسد»، وانقسموا بين من يراه بحاجة إلى مران في الخطابة يقيه اللعثمة، وبين مدافعين عنه على قاعدة «انصر رئيس حكومتك».
- حديث طبرق
في سياق آخر، عبر جولات بين أنحاء البلاد، ذهب دبيبة، ابن مدينة مصراتة، (غرباً) التي لعبت قواتها دوراً رئيسياً في صد هجوم قوات «الجيش الوطني» على العاصمة، إلى طبرق (شرقاً)، وقال لهم: «جئت إلى مدينة السلام، وفي قلبي السلام، وفي يدي السلام، ونريد السلام لجميع مناطق الوطن، وكفانا حروباً واقتتالاً... نريد بناء مشروعات لجميع الأجيال».
وحقاً، ألهب كلام دبيبة باللهجة المحلية، وهو يرتدي زياً وطنياً، مشاعر مشايخ وحكماء طبرق، لا سيما بتأكيده على ضرورة احترام السيادة والكرامة الليبية من جميع دول العالم. وقبل أن يشدد على أهمية طي صفحة الماضي، ذكرهم بموت الشباب على جبهات القتال «أولادنا ماتوا في الحروب، نريد أن ننظر إلى المستقبل ونبني المشاريع للجميع». ولكن، رغم الروح الحماسية التي أبداها دبيبة في شرق ليبيا، فإنه غادر المنطقة عائداً إلى العاصمة من دون لقاء حفتر، وهو ما عده البعض أمراً قد يعقد مهمته في بناء توافق على تشكيل الحكومة، بالنظر إلى أن حفتر لا يزال يمتلك جانباً من أوراق اللعبة السياسية.
كذلك، مع أن دبيبة نوه إلى أن زيارته إلى طبرق هدفت لقاء عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، فثمة من أرجع إحجامه عن زيارة حفتر في مقر القيادة العامة بمدينة الرجمة، إلى الانتقادات اللاذعة التي طالت رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي، عندما زار حفتر!
- مزاعم «الرشوة»
أمام تزايد الحديث عن شبهات بتوزيع «رشاوى» على عدد من المشاركين بـ«الملتقى السياسي» في جولته الأخير بجنيف - لاختيار شخصيات بعينها لمناصب بالسلطات الجديدة - دافع دبيبة عن نفسه، فقال إنه يعول على الليبيين واستيعابهم «لمدى التحديات والعراقيل الموضوعة أمام عملية توحيد المؤسسات وتحقيق المصالحة». وكانت هذه الاتهامات قد تصاعدت عقب تسريب حول تقرير رفعه خبراء بالأمم المتحدة إلى مجلس الأمن يزعم «شراء أصوات ثلاثة مشاركين على الأقل في الملتقى السياسي». ويتناول التقرير أنه خلال مباحثات تونس عرض اثنان من المشاركين «رشاوى تتراوح بين 150 و200 ألف دولار أميركي على ثلاثة أعضاء على الأقل في الملتقى إذا التزموا بالتصويت لدبيبة كرئيس للوزراء».
كما أفاد التقرير، الذي سيصدر رسمياً منتصف الشهر الجاري، أن أحد المشاركين «انفجر غضباً في بهو فندق فورسيزونز بتونس عند سماعه أن بعض زملائه ربما حصلوا على ما يصل إلى 500 ألف دولار مقابل منح أصواتهم إلى دبيبة، بينما حصل هو فقط على 200 ألف دولار»، لكن الأخير عدها «تشويشاً وعرقلة». وأكد من ثم على «نزاهة العملية التي جرى فيها اختيار السلطة الجديدة ممثلة في المجلس الرئاسي، ورئاسة حكومة (الوحدة الوطنية)». ومضى يقول «أطمئن كافة أبناء الأمة الليبية بأن إنجاز المرحلة الأولى من خارطة الطريق من خلال عملية منح الثقة للحكومة أصبحت قريبة، وأن مرحلة العيش في ظل انقسام سياسي ومؤسساتي وغياب الخدمات وسوء الأوضاع الاقتصادية قد قاربت على الانتهاء».
ولكن، لم يمنع دفاع دبيبة عن نفسه مخاوف البعض من وقوع ما سموه بـ«تزوج المال والسياسة»، وانسحاب ذلك مستقبلاً إلى منطقة «تضارب المصالح، وتقاطع العلاقات داخلياً خارجياً».


مقالات ذات صلة

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

حصاد الأسبوع الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين…

الشيخ محمد (نواكشوط)
حصاد الأسبوع ميرتس

فريدريش ميرتس... محافظ وواقعي يقود سفينة الديمقراطيين المسيحيين الألمان في حقبة صعبة

انتظر فريدريش ميرتس 23 سنة قبل تحقيق طموحه بأن يصبح المستشار الألماني؛ إذ كان زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي قاد حزبه إلى الفوز بالانتخابات

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع شولتز (رويترز)

ألمانيا: حسابات الداخل والخارج تدفع نحو تسريع التفاهم على الائتلاف الحاكم الجديد

تنتظر ألمانيا أسابيع، أو حتى أشهراً، من المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (المحافظ) بزعامة فريدريش ميرتس الذي فاز بالانتخابات الأخيرة،

«الشرق الأوسط» ( برلين)
حصاد الأسبوع زامير

إيال زامير... رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد عسكري من خارج معارك السياسة

لم يعرف الجيش الإسرائيلي في تاريخه وضعاً أصعب من الوضع الذي يعيشه اليوم، لدى استعداده لاستقبال رئيس أركانه الجديد، إيال زامير. صعب، ليس لأنه يعاني من نقص في الذخيرة والعتاد، ولا لأنه ثبت فشله في تحقيق أي من أهداف الحرب على غزة، بل إن المشكلة الراهنة والاستثنائية هي أنه يفقد مزيداً من ثقة الناس، ويتعرّض في الوقت ذاته إلى حملة تحريض شعواء من الحكومة ورئيسها ووزرائها وجيش «النشطاء» في الشبكات الاجتماعية التابع لحزب «الليكود» الحاكم. هذه المشكلة تُدخل الجنرالات في أجواء توتر دائم وتهزّ ثقتهم بأنفسهم؛ ولذا فبعضهم يحاول إرضاء الحكومة بالنفاق، والبعض الآخر يحاول إرضاءها بتشديد القبضة ضد الفلسطينيين، وثمة فئة ثالثة أفرادها يرفضون فيستقيلون، وآخرون يرفضون ويبقون «دفاعاً عن أهم ركن من أركان الدولة العبرية» معتبرين أن الجيش يعيش موجة عابرة سيستطيع تجاوزها. ومع كل هذا، الجميع يشعرون أنهم في قلب معركة أقسى عليهم من الحرب على ست جبهات، ولا أحد سيخرج منها بلا جروح.

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع تعزيز سلاحي الدبابات والمدرعات في مقدم المطالبات الإسرائيلية لتطوير قدرات الجيش (آ ف ب)

رسالة مفتوحة إلى زامير من أكاديمي استيطاني يميني

إحدى الإشارات التي تدل على ما هو مطلوب من رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد إيال زامير، وردت على شكل رسالة مفتوحة وجّهها إليه الدكتور عومر أريخا؛ وهو ناشط يميني.


اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
TT

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين اتهمها بتمويل جماعات إرهابية من بينها «بوكو حرام»، التنظيم الإرهابي الذي يخوض حرباً داميةً ضد نيجيريا منذ 2009، قتل فيها عشرات آلاف النيجيريين. في نيجيريا لا صوتَ يعلو اليوم على مطالب التحقيق في مزاعم وصول أموال الوكالة الأميركية إلى «بوكو حرام»، ومحاسبة المتورطين في القضية جميعاً؛ لأن النقاش الذي يدور في الصحافة المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ أبعاداً خطيرة بعد اتهام شخصيات في الوسط السياسي والمجتمع المدني بأنها متورطة في إيصال أموال الوكالة إلى التنظيم الإرهابي. واتسعت دائرة الجدل ليطرح أسئلة حول خطورة أموال المساعدات الخارجية على الأمن القومي للدول المستفيدة منها، خصوصاً إثر الكلام عن دور سياسي لعبته تمويلات «الوكالة» في خسارة الرئيس النيجيري الأسبق غودلاك جوناثان رئاسيات 2015.

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقَّع الرئيس العائد عدداً من القرارات أو «الأوامر التنفيذية»، التي كان في مقدمها قرار بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأميركية باستثناء تلك المخصَّصة لمصر وإسرائيل. وكانت الذريعة، انتظار التدقيق في نشاطات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» التي ظلت لأكثر من 7 عقود تمثّل وجه الدبلوماسية الناعمة للولايات المتحدة.

ترمب يريد اليوم طيّ حقبة هذه الوكالة، وأسند مهمة تفكيكها إلى الملياردير إيلون ماسك، وزير «كفاءة العمل الحكومي» في فريقه الخاص. ولم يتأخر الأخير في وضع يده على جميع وثائق الوكالة، التي وصفها بأنها «عشٌ للأفكار اليسارية المتطرفة التي تكره أميركا».

هذا النقاشُ ظل أميركياً خالصاً، حتى جاءت تصريحات سكوت بيري، عضو الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، لتخرج به نحو دوائر أبعد. إذ قال الرجل إن 697 مليون دولار أميركي من التمويلات السنوية لـ«الوكالة» تنتهي بحوزة تنظيمات إرهابية، من بينها جماعة «بوكو حرام»، وجماعة «طالبان»، وتنظيم «القاعدة».

تصريحات بيري جاءت خلال جلسة استماع للجنة الفرعية لمراقبة كفاءة الحكومة، تحت عنوان «الحرب على الهدر: القضاء على ظاهرة المدفوعات غير المشروعة والاحتيال». وقال بيري أمام اللجنة: «أموالكم تذهب لتمويل الإرهاب، عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية... يجب أن يتوقف هذا فوراً».

وأضاف بيري في حديثه أمام لجنة الاستماع أن الوكالة خصَّصت 136 مليون دولار لبناء 120 مدرسة في باكستان، إلا أنه لم يُعثر على أي دليل يثبتُ تنفيذ هذه المشاريع، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك حول مصير هذه الأموال.

علم "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (آ ف ب)

مطالب التحقيق

تصريحات عضو الكونغرس أثارت بطبيعة الحال جدلاً واسعاً في نيجيريا، وحظيت بحيّز واسع من التداول في الصحافة المحلية. وخلال برنامج تلفزيوني على قناة محلية لنقاش تصريحات سكوت بيري، قال علي ندومة، عضو مجلس الشيوخ في نيجيريا عن ولاية بورنو، إن على نيجيريا فتح «تحقيق شامل حول الادعاءات التي تفيد بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تموّل (بوكو حرام)».

وأردف السياسي النيجيري الذي ينحدرُ من بورنو، أكثر ولايات نيجيريا تضرراً من هجمات «بوكو حرام» الإرهابية: «لا يمكنكم القول إنها مجرد مزاعم، الأمر يتجاوز ذلك. ولهذا السبب يتوجَّب على الحكومة النيجيرية، والبرلمان الوطني على وجه الخصوص، التحقيق في هذه الادعاءات والتحقّق من صحتها، لأنها خطيرة للغاية».

ثم تابع ندومة: «هذا التطوّر مقلق للغاية، خصوصاً أن إحدى الجماعات الإرهابية التي ذكرها سكوت بيري هي (بوكو حرام)، التي لم تدمّر شمال شرقي نيجيريا فحسب، بل امتد تأثيرها أيضاً إلى مناطق أخرى من البلاد. تتذكرون أن (بوكو حرام) فجَّرت مقر الشرطة، ومكتب الأمم المتحدة في أبوجا، وكانت الخسائر البشرية هائلة. لذا، يجب أن تكون الحكومة النيجيرية مهتمةً بهذا الأمر».

ومن ثم، أعرب ندومة عن قلقه الكبير حيال هذه المزاعم، لافتاً إلى أن «أجهزة الأمن النيجيرية سبق أن أثارت هذه القضية بشكل غير مباشر مرات عدة»، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها قائد أركان الجيش النيجيري أخيراً ذكرت أن «دولاً ومنظمات أجنبية» متورطة في تمويل «بوكو حرام». وخلص عضو مجلس الشيوخ النيجيري إلى التأكيد على ضرورة التحقيق في هذه المزاعم، وأن الجميع «كان يتساءل منذ سنوات طويلة عن مصدر تمويل هؤلاء الأشخاص».

قرويون نيجيرون إثر تعرّض قريتهم لإحدى هجمات "بوكو حرام" (آ ب)

المسلمون... و«بوكو حرام»

في الواقع، لأكثر من 15 سنة، دأبت جماعة «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا، وكان السؤال الذي يُطرَحُ بإلحاح من قِبَل الجميع هو: مَن يقف خلف هذا التنظيم الإرهابي؟ ومَن يوفر له التمويل والسلاح... ويمكِّنه من تجنيد آلاف الشباب المحبطين وفاقدي الأمل؟.

طيلة تلك الفترة، كانت أصابع الاتهام توجَّه إلى زمر من المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان شمال نيجيريا، حيث تنشط الجماعة الإرهابية. ولكن مع إثارة الجدل حول مزاعم تمويل «بوكو حرام» عبر «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» أصدرَ «مركز الشؤون العامة للمسلمين» في نيجيريا بياناً يستحضر فيه اتهامات سابقة للمسلمين بتمويل الجماعة.

ولقد طلب «المركز» من البرلمان النيجيري التحقيق في تلك المزاعم، وأعرب رئيسه ديسو كامور، عن «قلقه العميق إزاء هذه الادعاءات»، قبل أن يستحضر «حملة التدقيق والاتهامات الظالمة التي واجهها المسلمون النيجيريون، ومنها التعاطف مع (بوكو حرام)».

وقال كامور: «إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها ستكشف نفاق أولئك الذين ألقوا باللوم على المجتمعات المسلمة المحلية، بينما كانت جهات خارجية تدعم الإرهابيين». وطالب، بالتالي، السلطات النيجيرية بالتحقيق في المزاعم لأن «النيجيريين يستحقون الشفافية والمساءلة بشأن أي تورّط أجنبي في تمويل الإرهاب على أراضينا».

شكوك كبيرة

من جانبه، ذهب آدامو غاربا، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في نيجيريا، والقيادي في حزب «المؤتمر التقدمي الشامل»، إلى أن «شكوكاً كبيرة» تحوم حول تمويلات الوكالة في نيجيريا، وأعلن تصديقه للادعاءات بأن بعض التمويلات قد تكون بالفعل أسهمت في تسليح «بوكو حرام» و«داعش في غرب أفريقيا».

وادعى غاربا، في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «الوكالة» أنفقت مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا العام الماضي، وتساءل عن طريقة صرف هذا المبلغ الكبير.

ثم أضاف: «ذكرتُ سابقاً أن (بوكو حرام) و(داعش)، ومختلف التنظيمات الإرهابية في المنطقة، تتلقى أسلحتها عبر جهات أجنبية سرّية تموّلها وتزوّدها بالسلاح. وبعد الكشف عن دور (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، يكفي أن نعرف أنه في العام الماضي وحده، أنفقت الوكالة مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا، فأين ذهب هذا المال؟ هل تعلم ماذا يعني 824 مليون دولار؟ عند تحويله إلى النيرة (العملة النيجيرية)، يساوي 1.3 تريليون نيرة».

واستطرد قائلاً: «هذا يعني أن كل ولاية يمكن أن تحصل على 36 مليار نيرة، ومع ذلك، يزعمون أنهم أنفقوا هذه الأموال على الحدّ من وفيات الأطفال والتعليم، لكن ماذا رأينا؟ لا شيء. متى دخل هذا المال؟ وأين ذهب؟ هذه الأموال تذهب لتمويل (بوكو حرام)، والخاطفين الذين يستخدمونها للقتل وتدمير بلادنا، هذه هي الحقيقة».

قضية باينانس

في سياق موازٍ، بينما يحتدم النقاش في نيجيريا حول اتهام «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بتمويل أنشطة «بوكو حرام»، اتهم فيمي فاني-كايودي، وزير الطيران السابق في نيجيريا، أخيراً، مسؤولاً تنفيذياً في شركة باينانس، أكبر منصة عالمية لتداول العملات الرقمية، بالتورط في إيصال التمويلات إلى الجماعة الإرهابية.

وزعم الوزير السابق إن تيغران غامباريان، المسؤول التنفيذي في شركة «باينانس» كان «أداة» استخدمتها الوكالة لتمويل الجماعة، قبل أن يصف غامباريان بأنه كان «عامل تمكين للإرهاب وأسهم في تخريب اقتصاد نيجيريا».

وللعلم، اعتُقل غامباريان في نيجيريا العام الماضي بعد اتهام السلطات النيجيرية شركة «باينانس» بالتهرب الضريبي، والتورّط في عمليات غسل أموال، بالإضافة إلى المساهمة في إضعاف العملة المحلية «النيرة». إلا أنه أُفرِج عن الرجل؛ بسبب تدهور وضعه الصحي، بينما تشير بعض المصادر إلى أن السلطات النيجيرية تعرَّضت لضغط دبلوماسي أميركي كبير.

وفي آخر تطور للقضية، رفعت نيجيريا دعوى قضائية في الأسبوع قبل الماضي ضد منصة «باينانس»، تطالبها بدفع 79.5 مليار دولار، تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن عملياتها في البلاد، بالإضافة إلى مليارَي دولار ضرائب متأخرة عن العامين الماضيين.

تمويل دون قصد!

في أي حال، لا يخلو النقاش الدائر في نيجيريا حول العلاقة بين «الوكالة» و«بوكو حرام» من حسابات سياسية ضيقة. ومن الأصوات التي بدت أكثر رصانةً، السفير والخبير الأمني نورين أبايومي موموني، عضو «حزب المؤتمر التقدمي» الحاكم، الذي نشر مقالاً تطرَّق فيه إلى طريقة عمل المنظمات الدولية، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى المراجعة، لأنها قد تُموِّل أنشطة إرهابية «دون قصد».

وتابع: «أنا قلق للغاية بشأن الاتهامات الأخيرة» التي تفيد بأن الوكالة قد تكون دعمت الإرهاب دون قصد في نيجيريا ومناطق أخرى من العالم... «هذه الادعاءات تثير تساؤلات جوهرية ليس فقط حول نزاهة المساعدات الإنسانية، ولكن أيضاً حول تداعياتها الأوسع على الأمن العالمي، والعلاقات الدبلوماسية».

وأضاف أبايومي موموني أن «على الوكالات الدولية العاملة تقديم الدعم الإنساني من دون الإضرار بأمن المجتمعات المستضيفة». ورأى أن الاتهامات الأخيرة تؤكد «الحاجة الملحة إلى تعزيز الرقابة والمساءلة في برامج المساعدات الدولية. ومن الضروري أن تعزز وكالات مثل الوكالة الأميركية آليات المتابعة والتقييم والتدقيق؛ لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها ولا يتم تحويلها لدعم التطرف العنيف».

وأوضح أنه «إذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فقد تؤدي إلى زيادة التدقيق في سياسات المساعدات الخارجية الأميركية، ما يستدعي عملية إصلاح جذرية... لأن اتباع نهج شفاف في تمويل المساعدات والالتزام بالمعايير الأخلاقية في تقديم الدعم الإنساني أمران أساسيان. وبالتالي، على الحكومة الأميركية أن تعزز التزامها بمنع تمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن تكون المساعدات وسيلةً لتحقيق السلام والاستقرار، لا العنف».

المال السياسي

غير أن الاتهامات الموجَّهة إلى «الوكالة» لم تقتصر على تمويل الإرهاب في نيجيريا، بل وصلت إلى أن بعض تمويلاتها أسهمت في التأثير على الانتخابات الرئاسية في البلد الذي يملك الاقتصاد الأكبر في غرب أفريقيا، والذي يبلغ تعداد سكانه نحو ربع مليار نسمة.

إذ كتبت الصحافة المحلية، ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن «علاقة» ربطت «الوكالة» مع قيادة حملة «أعيدوا فتياتنا» التي أطلقها ناشطون في المجتمع المدني عام 2014 إثر اختطاف «بوكو حرام» مئات الفتيات من بلدة شيبوك في قضية هزَّت الرأي العام العالمي آنذاك. ولقد ادعى ناشطون سياسيون أن الحملة كانت مدعومة سراً من «الوكالة» بهدف الإطاحة بالرئيس النيجيري آنذاك، غودلاك جوناثان، بعد حملة واسعة لتشويه سمعته، ربطه بالفشل، وحمَّلته مسؤولية اختطاف الفتيات والعجز عن تحريرهن، ما فتح الباب واسعاً أمام فوز محمدو بخاري بانتخابات 2015 الرئاسية.

كذلك تعرَّضت الناشطة النيجيرية عائشة يسوفو، التي كانت من أبرز وجوه الحملة، لهجوم حاد على منصة «إكس»، حين طالبها البعض بتقديم تفسير أو اعتذار، لكن الناشطة النيجيرية في ردِّها على هذه الاتهامات، نفت أي علاقة لها أو للحملة بـ«الوكالة» أو أي منظمة دولية أخرى. وقالت في تغريدة مقتضبة: «أنا أعمل مع نيجيريين ملتزمين ببناء أمة عظيمة، بعيداً عن نظريات المؤامرة والتشكيك». لأكثر من 15 سنة دأب تنظيم «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا... وكان السؤال المطروح بإلحاح:

مَن يقف خلفه؟