شرطة {الكابيتول} تطلب تمديد وجود الحرس الوطني

اعتراضات جمهورية وديمقراطية بعد أن مرّ 4 مارس بهدوء

لا يزال نحو 5200 جندي من الحرس الوطني ينتشرون في محيط مبنى الكابيتول بعد هجوم  6 يناير الماضي (أ.ب)
لا يزال نحو 5200 جندي من الحرس الوطني ينتشرون في محيط مبنى الكابيتول بعد هجوم 6 يناير الماضي (أ.ب)
TT

شرطة {الكابيتول} تطلب تمديد وجود الحرس الوطني

لا يزال نحو 5200 جندي من الحرس الوطني ينتشرون في محيط مبنى الكابيتول بعد هجوم  6 يناير الماضي (أ.ب)
لا يزال نحو 5200 جندي من الحرس الوطني ينتشرون في محيط مبنى الكابيتول بعد هجوم 6 يناير الماضي (أ.ب)

طلبت شرطة مبنى الكابيتول في العاصمة الأميركية واشنطن، تمديد وجود قوات من الحرس الوطني لحمايته، لمدة 60 يوماً إضافية. وقالت في بيان مساء الخميس، إن القائمة بأعمال رئيس الشرطة يوغاناندا بيتمان، قدمت طلب التمديد إلى وزارة الدفاع.
لكنّ وزارة الدفاع تتريث في دراسة الطلب، ووزير الدفاع لويد أوستن ومسؤولون في الجيش سينظرون فيه، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تمديد وجود تلك القوات حتى شهر مايو (أيار) المقبل.
جاء ذلك على الرغم من عدم وقوع أي حادث أمني أو أعمال شغب أو أي تجمعات احتجاجية، كانت تقارير استخبارية قد حذّرت من وقوعها أول من أمس (الخميس) 4 مارس (آذار). ولا يزال نحو 5200 جندي من الحرس الوطني في واشنطن، ينتشرون بشكل خاص في محيط مبنى الكابيتول، حيث قُطع معظم الطرق المؤدية إليه، وأُقيمت الحواجز والأسلاك الشائكة، محوّلة المنطقة إلى ما يشبه القاعدة العسكرية، وهو أمر لم تعهده واشنطن من قبل في تاريخها الحديث. ونشرت وحدات الحرس الوطني في أعقاب الهجوم الدامي الذي تعرض له مبنى الكابيتول خلال جلسة التصديق على انتخاب جو بايدن رئيساً جديداً للبلاد، في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتم رفع عددهم إلى أكثر من 26 ألفاً، قَدِموا من ولايات عدة، للمشاركة في حماية احتفال تنصيب بايدن الذي جرى في 20 يناير. وكان مسؤولون في شرطة الكابيتول قد أشاروا إلى وجود معلومات حول محاولة محتملة من مجموعات متشددة لاختراق مبنى الكابيتول يوم الخميس 4 مارس، وهو التاريخ الذي يزعم بعض أتباع آيديولوجية «كيو أنون» المتطرفة أنه يمثل عودة ترمب إلى البيت الأبيض. ونتيجة لذلك ألغى مجلس النواب جلسة يوم الخميس، فيما واصل مجلس الشيوخ جلسته للنظر في حزمة المساعدة الاقتصادية التي قدمها الرئيس بايدن للإغاثة من فيروس «كورونا» البالغة 1.9 تريليون دولار. ورغم ذلك لم تقع أي أعمال عنف ولم تشهد المنطقة تجمعات احتجاجية، غير أن استمرار الشائعات فرض طرح خطط إضافية، حيث أشار بعضها إلى احتمال تقليص عدد القوات حول مبنى الكابيتول، مع إبقاء آخرين في جهوزية كاملة في منطقة تبعد نحو ثلاثة كيلومترات للحالات الطارئة.
غير أن مشرّعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أبدوا اعتراضهم على استمرار نشر القوات العسكرية في العاصمة، في مشهد عدّوه مسيئاً لواشنطن. وقال السيناتور الجمهوري جيمس إينهوف العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، إن الطلب «مشين». وأضاف: «إن الانتشار الموسّع لأفراد الحرس الوطني الذين يشغلون وظائف مدنية في الغالب، يدمّر وظائف الناس، هذه ليست مهمتهم، إنها مهمة شرطة الكابيتول». وقالت السيناتور الديمقراطية إيمي كلوبوشار، رئيسة لجنة قواعد مجلس الشيوخ والإدارة، إنها تودّ أن يتم تقليص عدد أعضاء الحرس «في نهاية المطاف». وأضافت: «لكنك تريد الاستماع إلى استخبارات إنفاذ القانون حول ما هو آمن». كما أعرب النائب الجمهوري بيتر ميجر الذي تشارك ولايته ميشيغان بأفراد من حرسها الوطني في حماية الكابيتول، عن إحباطه من نقص الشفافية من شرطة الكابيتول. وكتب على «تويتر»: «الحصول على معلومات من قيادة شرطة الكابيتول كان مثل اقتلاع الأسنان. من الصعب الحصول على إجابات مباشرة، أتعلم من المعلومات التي تسربت إلى وسائل الإعلام أكثر مما أتعلمه من الإحاطات. لا يمكننا السماح باستخدام الحرس الوطني بسبب افتقار شرطة الكابيتول إلى استراتيجية واضحة». وقالت النائبة الديمقراطية إليسا سلوتكين، في بيان يوم الخميس، إنها كانت تسمع من مسؤولي الحرس الوطني حول طلب شرطة الكابيتول تمديد وجود الحرس الوطني والطلب من الولايات إرسال قوات أو الاحتفاظ بها في المنطقة. لكنها دعت إلى مزيد من الشفافية. وأضافت: «لا أحد يحب رؤية الأمن الشبيه بالقلعة حول مبنى الكابيتول. ولا أحد يريد أن يواجه مشكلة أمنية مرة أخرى في هذا المكان الرمزي وحوله. ولكن سواء تم طلب التمديد أو إنهاء المهمة بالفعل في 12 مارس، فمن الأهمية بمكان أن يحصل أعضاء الكونغرس على إحاطة بشأن سبب هذه القرارات». وبدا أن طلب التمديد لبقاء القوات فاجأ أيضاً عمدة العاصمة الديمقراطية موريل باوزر، التي قالت: «كنا نتوقع أن تغادر القوات الإضافية الآن». وأضافت: «إن اتصالات شرطة الكابيتول مع المدينة محدودة بشأن طلباتها الأمنية، ولا نعرف سبب طلب قوات إضافية حتى مايو، في الوقت الذي كنا نتوقع أن ينخفض ​​بشكل كبير في هذا الوقت». وبات من الواضح أن مشكلة سياسية تَلوح في الأفق في ظل النقاش عن الدور الذي لعبه بعض القيادات العسكرية والمدنية في البنتاغون، خصوصاً من الموالين لترمب في تأخير الاستجابة لطلب المساعدة الذي تلقته وزارة الدفاع من شرطة الكابيتول يوم 6 يناير، عندما اقتحم متظاهرون المبنى.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟