أحزاب تونسية ومرشحون للرئاسة على قائمة متهمين بـ«جرائم انتخابية»

TT

أحزاب تونسية ومرشحون للرئاسة على قائمة متهمين بـ«جرائم انتخابية»

تونس: المنجي السعيداني

تواجه أحزاب تونسية عدة ومرشحون سابقون للرئاسة اتهامات خطيرة بانتهاك القانون الانتخابي وقانون تنظيم الأحزاب، ما قد يؤدي إلى إسقاط عضوية بعض النواب الذين ترشحوا ضمن القوائم الانتخابية لتلك الأحزاب ومعاقبة مرشحين سابقين للرئاسة.
وشرعت الدوائر القضائية في محكمة المحاسبات (القضاء المالي) في النظر في هذه الاتهامات بعد أن تلقت إحالة رسمية من النيابة العامة التونسية.
وفي هذا الشأن، قالت القاضي في محكمة المحاسبات فضيلة القرقوري التي أثارت هذه المخالفات، إن الجرائم الانتخابية التي تستدعي إسقاط عضوية بعض النواب تتعلق أساساً بعدم الالتزام بمبدأ الشفافية المالية وعدم إيداع الحسابات المالية في الآجال القانونية بالنسبة إلى القوائم الانتخابية الفائزة.
وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم المحكمة الابتدائية في العاصمة التونسية محسن الدالي إن تعليق عضوية بعض النواب «أمر وارد»، مؤكداً أن النيابة العامة في المحكمة «تجري تحقيقات تتعلق بمسألة اللوبيات التي تشكلت أثناء العملية الانتخابية والتدخل الأجنبي في سير انتخابات 2019». وأكد على سماع أحزاب «النهضة» و«قلب تونس» على وجه الخصوص في تلك الاتهامات.
وأكد أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي أن «القانون الانتخابي التونسي واضح، فأعضاء القوائم الانتخابية الذين تتهمهم محكمة المحاسبات سيفقدون العضوية في البرلمان إذا تمتعوا بتمويلات أجنبية، ويعاقب المرشح لرئاسة الجمهورية بالسجن لمدة 5 سنوات». ولفت إلى أن هذه الجرائم الانتخابية تسقط تلقائياً إثر مرور 3 سنوات على تاريخ الإعلان النهائي عن نتائج الانتخابات.
وكشفت محكمة المحاسبات، وهي الجهة القضائية التي تراقب تمويل الحملات الانتخابية، في تقرير لها صادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، عن عدد من المخالفات الانتخابية، بينها تعاقد «النهضة» مع شركة للدعاية والضغط منذ سنة 2014 وإبرام عقد تكميلي حتى شهر ديسمبر (كانون الأول) 2019.
كما أورد التقرير أن التونسية ألفة التراس، المرشحة السابقة للرئاسة ورئيسة ائتلاف «عيش تونسي»، أبرمت عقداً مع شركة أميركية من مايو (أيار) إلى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بمبلغ 15 ألف دولار شهرياً من أجل الدعاية والتأثير على الناخبين.
أما حزب «التيار الديمقراطي» الذي أسسه محمد عبو، فقد حصل على تبرعات نقدية فاقت السقف المسموح به. وأبرم حزب «قلب تونس» عقداً مع شركة أميركية للدعاية والضغط، وهي عقود يجرمها القانون الانتخابي التونسي ومخالفة لقانون الأحزاب.
وكانت عشرات الجمعيات المدنية وأكثر من 100 شخصية قد طالبت في يناير (كانون الثاني) الماضي بالعمل الفوري على تنفيذ مخرجات تقرير محكمة المحاسبات حول الانتهاكات الجسيمة التي عرفتها مئات القوائم الانتخابية البرلمانية، وعدد من مرشحي الرئاسة، في أثناء الحملة الانتخابية لاستحقاقات 2019.
وأكدت هذه الجمعيات والشخصيات التي ضمت مجموعة كبيرة من الحقوقيين أن 347 قائمة مرشحة للانتخابات البرلمانية لم تقدم حساباتها، ولم تلتزم بمبدأ الشفافية الذي أقره القانون الانتخابي. كما أن 23 قائمة تشريعية لم تلتزم بنشر مختصر لحساباتها بصحيفة يومية تونسية، وينسحب الأمر ذاته على 8 مرشحين في الانتخابات الرئاسية الماضية.
وينص القانون المنظم للأحزاب على أن الإخلالات المرصودة تؤدي بالضرورة إلى حرمان القائمة أو المترشح المخل من استرجاع المصاريف الانتخابية، كلياً أو جزئياً، وهو ما ستقوم به مختلف هيئات محكمة المحاسبات. كما أن الانتهاكات المسجلة «ترقى إلى مستوى الجريمة، ما من شأنه أن يفضي إلى الحكم بنزع صفة النائب عن عشرات من أعضاء البرلمان التونسي الحالي، فضلاً عن عقوبات أخرى يضبطها القانون، وينطق بها القضاء».
على صعيد غير متصل، لوّح نحو 31 مديراً عاماً في وزارة المالية التونسية بتقديم استقالة جماعية من مهامهم إثر إعفاء 3 مديرين عامين من الوزارة نفسها بسبب ما قيل إنه «اختلاف بشأن التطبيق الصارم للقانون وخلافات مع وزارتي الاقتصاد ودعم الاستثمار». ووجّهوا عريضة شديدة اللهجة إلى علي الكعلي الذي يتولى هذه الوزارة.
ونفت وزارة المالية حصول الإقالات الثلاث على خلفية «ملفات مشبوهة» أو على خلفية أنهم مطلوبون للقضاء أو أنهم قدموا مؤشرات مغلوطة حول الوضع المالي والاقتصادي للبلاد. يُذكر أن هذه الإقالات شملت المدير العام للموارد والتوازنات، والمديرة العامة للدراسات والتشريع الجبائي، والمديرة العامة لمصالح المراقبة الجبائية في الوزارة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.