لم تنجح التهديدات الإيرانية بنقض مضمون «الاتفاق التقني المؤقت»، الذي توصلت إليه طهران مع رافاييل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية، في ثني الأوروبيين الثلاثة «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» عن تقديم مشروع قرار إلى مجلس محافظي الوكالة المجتمعين في فيينا منذ بداية الأسبوع الجاري، يندد بالتدابير الإيرانية الأخيرة التي تحد من تحركات المفتشين الدوليين المولجين، منذ صيف العام 2015، الرقابة على البرنامج النووي الإيراني.
ومنذ اللحظة التي بدأ الحديث فيها يدور عن مشروع القرار الأوروبي الذي يلقى دعماً أوروبياً، بدأت طهران بإطلاق النار عليه والتحذير من تبعاته، وهو ما جاء على لسان كبار المسؤولين الإيرانيين. وجاء التحذير الأول على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الاثنين الماضي، منبهاً إلى أن أي قرار يحمل تنديداً لإيران سيكون بمثابة «خطوة تربك الوضع». بعدها كرت سبحة التهديدات وآخرها على لسان علي ربيعي، الناطق باسم الحكومة الإيرانية، الذي حذر من أن صدور قرار بهذا المعنى عن الوكالة «سيطيح» بالجهود المبذولة لإعادة إحياء الاتفاق النووي.
تعكس هذه التحذيرات مخاوف طهران من تبعات قرار يمكن أن يقود الملف النووي مجدداً إلى مجلس الأمن، وفق ما أشارت إليه مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس.
ويعود آخر قرار صادر عن الوكالة بخصوص الملف المذكور لشهر يونيو (حزيران) الماضي، والذي قبله للعام 2012، ورغم ضعف احتمال الإحالة إلى مجلس الأمن، حاليا، فإنه، وفق متابعين للاتصالات الجارية، يشكل ورقة ضغط على طهران التي تتمنع حتى اليوم عن قبول العرض الأوروبي بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية في اجتماع «تقني» متوسط المستوى، لتمهيد الطريق أمام عودة الطرفين إلى الاتفاق.
وقد مضى أسبوعان على العرض الأوروبي - الأميركي الذي ورد في بيان مشترك، ولم يأتِ الرفض الإيراني إلا بعد عشرة أيام، معتبراً أن «الوقت لم يحن بعد» لقبول الاجتماع، لا بل عادت طهران للمعزوفة القديمة القائلة إن «لا حاجة» لمفاوضات، وإن شرطها للتراجع عن انتهاكاتها للالتزامات النووية هو أن ترفع واشنطن العقوبات كافة.
ليس سراً أن البعثة الأميركية لدى الوكالة الدولية كانت السباقة إلى توزيع وثيقة تحث المندوبين الدوليين إلى مجلس المحافظين الـ35 على التنديد بالأنشطة النووية الإيرانية، وبالتنكر للعمل بالبروتوكول الإضافي. لكن اللافت أن باريس تلقفت الكرة ودفعت بالتوافق مع لندن وبرلين إلى تقديم مشروع قرار سيصوت عليه مبدئياً غدا الجمعة.
وبهذا الخصوص، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أول من أمس، أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي، أن قرار إيران بشأن الحد من التعاون مع المفتشين الدوليين «سيدفعنا إلى إصدار احتجاج في إطار مجلس محافظي الوكالة». ويدعو مشروع القرار طهران «للعودة فوراً» للعمل بمجمل برنامج التفتيش الدولي، ما يعني، عملياً، التراجع عن جميع أشكال التضييق التي أخذت تفرضها على عمل المفتشين، وهو ما تتخوف الأسرة الدولية من نتائجه على صعيد تطوير البرنامج النووي الإيراني إن على صعيد مستوى التخصيب أو كميات اليورانيوم أو ما سيحصل في المواقع التي يُمنع المفتشون من زيارتها.
وتزامنت تحذيرات لودريان مع ما صدر عن قصر الإليزيه بشأن محادثة هاتفية جرت بين الرئيس ماكرون والرئيس الإيراني حسن روحاني. وبحسب بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية، ليل الثلاثاء، فإن ماكرون أعرب عن «القلق البالغ» لبلاده إزاء الانتهاكات الإيرانية لبنود الاتفاق النووي، وعلى الحاجة لأن تتعاون طهران «تماماً» مع الوكالة الدولية. بيد أن أهم ما جاء على لسان الرئيس الفرنسي دعوته روحاني إلى «القيام ببادرات واضحة ومن غير تأخير من أجل عودة الحوار مع جميع الأطراف الضالعة في اتفاق فيينا». ورغم أن الإليزيه أوضح لاحقاً أن الاتصال الهاتفي لم يأتِ على اجتماع محافظي الوكالة في فيينا، فإن الواضح أن باريس تقترب أكثر فأكثر من الموقف الأميركي في موضوع رفع العقوبات، الذي يطالب بأن تعمد طهران أولاً إلى التراجع عن انتهاكاتها وفي رغبتها توسيع إطار التفاوض لتشمل أطرافاً إقليمية، وهو ما ترفضه طهران.
كذلك، فإن المصادر الفرنسية أعربت عن غيظها مما تعتبره محاولة إيرانية للابتزاز في تأخرها أولاً عن الرد على العرض الأوروبي - الأميركي، وثانياً في رفضه بعد الخطوات «حسن النية» التي أقدمت عليها واشنطن إزاء طهران. وتعتبر باريس أن تقارب المواقف، بل تطابقها بين الجانبين الأميركي والأوروبي، يمنع طهران من أن تلعب، كما في السابق، على حبل التناقضات، ما يقوي الموقف الغربي. لكنها في الوقت نفسه، تسعى لإيجاد «مخرج» من وضع الانسداد الحاصل راهنا بسبب الشروط المتبادلة أميركياً وإيرانياً، والتخوفات الإيرانية مما قد يجره عليها قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات دون التأكد «سلفاً» من الحصول على «ثمن» أميركي على جبهة العقوبات وتخوفها من أن تجر لمناقشة برنامجها الصاروخي وسياستها في الإقليم.
وثمة مَن يرى في باريس أن طهران قد تكون أساءت تقدير معنى «الليونة» الأميركية، وأخطأت في الرد عليها من خلال تصعيد مطالبها وضغوطها العسكرية عبر حلفائها في اليمن والعراق.
وقال مصدر أوروبي إن طهران ربما اعتبرت بايدن «رئيساً من غير أنياب»، وأن جميع الاحتمالات فتحت أمامها بعد أن تراجع الخيار العسكري الأميركي مع رحيل الرئيس ترمب عن البيت الأبيض، ووصول رئيس يريد فقط سلوك درب الدبلوماسية.
ضغوط فرنسية ـ أوروبية على طهران لتسهيل التفاوض
ضغوط فرنسية ـ أوروبية على طهران لتسهيل التفاوض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة