باسيل أبدى رغبة في المشاركة باستقبال البابا فرنسيس في بغداد

الحكومة العراقية نأت عن دعوته كي لا تخرق برنامج الزيارة

TT

باسيل أبدى رغبة في المشاركة باستقبال البابا فرنسيس في بغداد

يتردد في الوسط السياسي أن رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، أبدى رغبة في التوجه إلى بغداد خلال زيارة البابا فرنسيس للعراق، ليكون في عداد مستقبليه على رأس وفد من تياره السياسي، لكن باسيل لم يلقَ تجاوباً من القيادة العراقية التي نأت بنفسها عن دعوته، بذريعة أن البرنامج الذي أعد للبابا، أكان بروتوكولياً أو سياسياً، يقتصر على كبار أركان الدولة والقيادات الروحية لمختلف الطوائف في العراق.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية لبنانية واسعة الاطلاع أن باسيل أبدى حماسة ليكون في عداد المشاركين في استقبال البابا فرنسيس لدى وصوله إلى مطار بغداد، وأنه بعث برسالة «جس نبض» عبر القنوات المعتمدة بين البلدين.
لكن رئاسة الحكومة العراقية -بحسب المصادر نفسها- فضلت التقيد بالبروتوكول الذي أعدته خصيصاً لاستقبال البابا فرنسيس، والذي يحصر استقباله بأركان الدولة العراقية والمرجعيات الروحية أو من يمثلها والسفراء المعتمدين لدى العراق، وبالتالي لم يلحظ توجيه الدعوات من خارج العراق، وهذا لا يسمح بتجاوز البرنامج، إن لجهة من يشارك في استقباله أو من يكون في عداد من سيلتقيهم، ومن بينهم المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العالم السيد علي السيستاني الذي سيستقبله في منزله في مدينة النجف.
ولفتت إلى أن هناك أكثر من سبب وراء إحجام القيادة العراقية عن منح باسيل سمة دخول «سياسية» إلى بغداد، ليس تقيداً منها بالأصول البروتوكولية فحسب، وإنما لتفادي الإحراج لبنانياً وقطع الطريق على من يحاول استغلال وجوده في بغداد بالتزامن مع وصول البابا فرنسيس، وتوظيفه في لعبة تصفية الحسابات التي ما زالت قائمة بين القوى السياسية اللبنانية المنقسمة على نفسها.
كذلك فإن القيادة العراقية، ممثلة برئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، أخذت على نفسها اتباع سياسة متوازنة في علاقاتها العربية لم تكن قائمة من قبل، وهذا ما يظهر جلياً في انفتاحه على الدول العربية، وأولها دول الخليج، بخلاف معظم أسلافه الذين ألحقوا العراق إلى حد كبير بـ«محور الممانعة»، بقيادة إيران.
ويحرص الكاظمي أيضاً -والكلام للمصادر نفسها- على اتباع سياسة متوازنة في لبنان، وهذا يحتم عليه تحييد الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق عن الصراعات اللبنانية - اللبنانية، ومنع أي طرف لبناني من توظيف استقباله له في الاستقواء على الآخر، في ظل التأزم السياسي الذي يعيق تشكيل حكومة مهمة، برئاسة سعد الحريري.
وفي هذا السياق، رأت المصادر أن حرص الكاظمي على اتباع سياسة «الحياد الإيجابي» حيال لبنان من جهة، ودعوته إلى إيجاد حل للأزمة اللبنانية على قاعدة التزام الأطراف بالمبادرة التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان من جهة ثانية، يتعارض مع وجود باسيل في عداد مستقبلي البابا فرنسيس، لئلا يفسر حضوره بأنه يريد الالتفاف على خريطة الطريق التي طرحها البطريرك الماروني بشارة الراعي لإخراج لبنان من دوامة التأزم الداخلي.
وكشفت المصادر أن قيادات لبنانية كانت أقد ُعلمت بوجود نية لدى باسيل لزيارة بغداد، وأحيطت علماً بالأسباب الموجبة التي كانت وراء إحجام القيادة العراقية عن دعوته، وقالت إن الموانع لبنانية بامتياز، انطلاقاً من التقدير العراقي لأبعاد زيارته التي قد تتيح له توظيفها داخلياً، إن لجهة تقديمها على أنها تصب في إطار دعم الجهود لتوفير الحماية للأقليات المسيحية في المنطقة، وهذا ما يتعارض مع البعد العراقي للأهداف المرجوة من لقاءات البابا فرنسيس الذي لا يخص طائفة في العراق دون الأخرى، وإنما يشكل حضوره أول رد مباشر من أعلى مرجعية كاثوليكية في العالم على الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في عملياته الإرهابية ضد الشعب العراقي، ولم تميز بين طائفة وأخرى، وإن كانت قد استهدفت المسيحيين بالدرجة الأولى.
وسألت المصادر إذا كان لإحجام القيادة العراقية عن دعوة باسيل علاقة بالعقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية عليه، وتحالفه مع «حزب الله» الحليف الاستراتيجي لإيران في المنطقة، ودوره من وجهة نظر عدد من الدول العربية في الخليج في زعزعة استقرارها. وكذلك إذا كان النفور الفرنسي من باسيل على خلفية اتهامه بتعطيل تشكيل الحكومة واحداً من الأسباب التي تتعامل معها بغداد بجدية لارتباطها بعلاقة وثيقة بالرئيس الفرنسي، في ضوء مبادرة باريس بالضغط على عون ووريثه السياسي باسيل لرفع الشروط التي تؤخر ولادة الحكومة.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن عون وباسيل قد أحيطا علماً بانزعاج باريس، خصوصاً بعدما أصرا على إقفال الأبواب في وجه المحاولات التي يقوم بها الحريري لفتح ثغرة في الحائط المسدود الذي وصلت إليه مشاورات التأليف، وهذا ما يؤكده عدد من المرجعيات السياسية التي تتواصل باستمرار مع أعضاء خلية الأزمة التي شكلها ماكرون لتذليل العقبات التي تعيق تشكيل حكومة مهمة.
فالكرة الآن في مرمى عون - باسيل، بعد أن أوصد الأبواب في وجه المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، من دون أن يتدخل «حزب الله» لدى حليفيه لإنقاذها.



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.