اجتماع استثنائي لـ«العدالة والتنمية» المغربي لتطويق تداعيات «الاستقالات»

ابن كيران يهدد بالانسحاب من الحزب بسبب قانون «القنب الهندي»

الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة سعد العثماني (ماب)
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة سعد العثماني (ماب)
TT

اجتماع استثنائي لـ«العدالة والتنمية» المغربي لتطويق تداعيات «الاستقالات»

الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة سعد العثماني (ماب)
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة سعد العثماني (ماب)

عقدت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المغربي، مساء أول من أمس، اجتماعاً استثنائياً، في مسعى لتطويق الأزمة، التي أثارتها استقالة إدريس الأزمي من الأمانة العامة للحزب ومن رئاسة المجلس الوطني للحزب (أعلى هيئة تقريرية في الحزب بعد المؤتمر). كما اتخذت قيادة الحزب خطوات لإقناع مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، بالتراجع عن طلب الاستقالة من العضوية في الحكومة.
في غضون ذلك، ترأس الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة، سعد العثماني، وفداً زار الرميد مساء أول من أمس في مستشفى بضواحي مدينة الدار البيضاء، حيث خضع لعملية جراحية، لكن لم يتم تناول موضوع استقالته، حسبما أكد مصدر حزبي لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «الزيارة كانت بهدف الاطمئنان على صحته». بيد أنه راج داخل الحزب أن الرميد قد يتراجع عن استقالته دون أن يصدر عنه أي موقف.
وحسب المصدر ذاته، فإنه من المرجح أن يتراجع الرميد، لأن استقالته لم تكن بسبب خلافات جوهرية داخل الحزب، بل فقط بسبب غضبه من سوء تواصل رئيس الحكومة معه بخصوص عقد دورة استثنائية للبرلمان.
أما بشأن الأزمي، الذي برر استقالته بتحفظه على توجهات الحزب، فإن الأمانة العامة أعلنت تمسكها به «ليستمر في مهامه رئيساً للمجلس الوطني، وعضواً في الأمانة العامة»، وقررت «تكوين لجنة من بين أعضائها لزيارته، والتواصل معه لمراجعته في الموضوع».
ورغم أن الأمانة العامة للحزب أعلنت أن اختصاص النظر في الاستقالة يرجع للمجلس الوطني، فإن بعض أعضاء الحزب انتقدوا إعلان قيادة الحزب موقفاً مسبقاً يقضي بتمسكها بالأزمي، واعتبروا أن من له صلاحية البت في الاستقالة حسب النظام الداخلي للحزب هو المجلس الوطني.
ويرمي هؤلاء إلى نقل النقاش حول أسباب الاستقالة وأسبابها إلى المجلس، في سياق قد يتحول إلى مساءلة للأمانة العامة ووزراء الحكومة، وقد يؤدي إلى تبني طلب عقد مؤتمر استثنائي لتغيير القيادة الحالية، قبل الانتخابات.
وكان حزب العدالة والتنمية قد عاش سلسلة من الاستقالات، منذ توقيع اتفاق استئناف العلاقات مع إسرائيل في 22 ديسمبر (كانون الثاني) الماضي، آخرها يوم الجمعة الماضي حين طلب مصطفى الرميد، وزير الدولة، من رئيس الحكومة الاستقالة من عضوية الحكومة، وتبعتها في اليوم نفسه استقالة الأزمي من رئاسة المجلس الوطني ومن الأمانة العامة. وبينما برر الرميد استقالته بأسباب صحية، فإن الأزمي انتقد في رسالة استقالته توجهات الحزب، وقال إنه لم يعد يتحمل ولا يستوعب «ما يجري داخل الحزب... ولا أقدر أن أغيره، وعليه لا يمكنني أن أسايره من هذا الموقع، أو أكون شاهداً عليه»، في إشارة إلى موضوعي توقيع العثماني على اتفاق استئناف العلاقات مع إسرائيل، واستعداد الحكومة للمصادقة على مشروع قانون حول الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي. وسبقت هاتين الاستقالتين استقالة عبد العزيز العمري من الأمانة العامة، وهو عمدة مدينة الدار البيضاء، وتجميد النائب البرلماني المقرئ أبو زيد لعضويته في الحزب، وكلاهما بسبب استئناف العلاقات مع إسرائيل.
كما هدد عبد الإله ابن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق، أمس، بالانسحاب من الحزب «بشكل نهائي» إذا صادق نواب الحزب على مشروع قانون حول الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.
وجاء في التزام مكتوب لابن كيران، نشره موقع «كود» المغربي أمس، أنه بصفته عضواً في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، «وإذا وافقت الأمانة العامة للحزب على تبني القانون المتعلق بالقنب الهندي (الكيف)، المعروض على الحكومة للمصادقة عليه، فإنني أجمد عضويتي في الحزب»، مبرزاً أنه في حالة إذا صادق ممثلو الحزب في البرلمان على القانون المذكور، فإنه سينسحب من الحزب «نهائياً».
في غصون ذلك هدد حزب العدالة والتنمية المغربي أمس بالتصويت ضد مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، (الغرفة الأولى في البرلمان)، الذي ينظم انتخابات المجلس المقررة في الأشهر المقبلة.
وقال سليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب في تسجيل مصور بثه أمس الموقع الإلكتروني للحزب، إنه في حالة إدخال تعديلات تعتمد توزيع المقاعد على أساس حساب «القاسم لانتخابي»، اعتماداً على المسجلين في اللوائح الانتخابية، بدل حسابه على أساس «الأصوات الصحيحة»، كما هو معمول به، فإن فريقي الحزب في غرفتي البرلمان (مجلسي النواب والمستشارين) سيصوتان بالرفض.
وأضاف العمراني أن الحزب قدم «تنازلات» للتوصل إلى توافق بين الأحزاب حول تعديلات القوانين الانتخابية. لكن بخصوص حساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين فإنه «يرفضه لاعتبارات مبدئية ودستورية»، لأنه يمس «بالاختيار الديمقراطي».
يأتي ذلك في وقت يفتتح فيه البرلمان اليوم (الثلاثاء) دورة استثنائية للتصويت على مشروعي قانونين، الأول يتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء، واستعمال وسائل الاتصال المسموع والمرئي العمومية خلال الحملات الانتخابية. فيما يتعلق الثاني بمدونة الانتخابات، وتنظيم المراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية الخاصة بالغرف المهنية. وهما نصان سبق أن صادقت عليهما لجنة الداخلية بالمجلس، ويرتبط بهما تحيين اللوائح الانتخابية، وتحديد جولة إجراء الانتخابات.
وينتظر أن تشرع لجنة الداخلية في المصادقة على التعديلات على مشروعات القوانين التنظيمية الأخرى المتعلقة بالانتخابات خلال هذا الأسبوع، والتي سيتم إيداع تعديلات بشأنها من طرف الفرق البرلمانية. ويرجح أن تقدم مجموعة من الفرق البرلمانية تعديلات لاحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح، وهو ما يغضب «العدالة والتنمية»، الذي يقول إن ذلك يستهدف تقليص مقاعده في البرلمان المقبل.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.