إردوغان يطلق خطة تستهدف وضع دستور جديد لتركيا

المعارضة حددت شروطاً لقبوله أهمها علمانية الدولة والعودة إلى النظام البرلماني

يعلن إردوغان اليوم حزمة إصلاحات قانونية (رويترز)
يعلن إردوغان اليوم حزمة إصلاحات قانونية (رويترز)
TT

إردوغان يطلق خطة تستهدف وضع دستور جديد لتركيا

يعلن إردوغان اليوم حزمة إصلاحات قانونية (رويترز)
يعلن إردوغان اليوم حزمة إصلاحات قانونية (رويترز)

يعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم (الثلاثاء)، «خطة عمل حقوق الإنسان» التي أعدتها وزارة العدل ضمن إطار رؤية «فرد حر... مجتمع قوي... تركيا أكثر ديمقراطية»، وهي عبارة عن حزمة إصلاحات قانونية تقود إلى وضع دستور جديد للبلاد حددت المعارضة شروطاً صعبة من أجل قبول مناقشته. والهدف من خطة عمل حقوق الإنسان الجديدة أن تكون هي الوثيقة السياسية الأساسية للجمهورية التركية التي تستعد لدخول مئويتها الجديدة عام 2023، الذي سيشهد انتخابات رئاسية وبرلمانية سيترشح فيها إردوغان مرة أخرى للرئاسة، كما تهدف إلى تأكيد سعي إردوغان وحكومته لاستئناف مفاوضات عضوية تركيا بالاتحاد الأوروبي وتخفيف الضغوط الغربية على أنقرة بسبب ملفها السيئ في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير. ووجهت الدعوة إلى الأحزاب السياسية، باستثناء حزب الشعوب الديمقراطية (المؤيد للأكراد) الذي يتهمه إردوغان بدعم الإرهاب، للمشاركة في إطلاق الخطة من القصر الرئاسي في أنقرة، حيث سيكون إعلانها بمثابة إطلاق للبدء في أعمال وضع الدستور الجديد للبلاد.
وأعلنت المعارضة التركية شروطها للقبول بمناقشة مشروع الدستور الجديد الذي أعلن عنه مؤخراً الرئيس رجب طيب إردوغان، وفي مقدمتها العودة إلى نظام برلماني «معزز»، في حين يتمسك حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية بالنظام الرئاسي الذي طبّق في البلاد عام 2018، وعدم المساس بالمواد التي تؤكد على علمانية الدولة.
وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو، إنه يجب أولاً، قبل مناقشة تعديل الدستور، ضمان أن تظل المواد الأربع الأولى من الدستور كما هي، في إشارة إلى مبدأ «علمانية الدولة»، وإنهاء حالة الاستقطاب في البلاد، لافتاً إلى أن هناك حاجة، قبل كل شيء، إلى إيجاد المناخ السياسي الصحيح، والتفاهم السياسي الذي يتوافق مع الدستور الحالي. وأكد كليتشدار أوغلو، أنه يتعين من أجل تغيير الدستور، إقرار نظام برلماني قوي ومعزز لاستعادة المؤسسات القضائية وحماية حقوق الإنسان في تركيا.
وقال دولت بهتشلي، رئيس الحركة القومية شريك حزب العدالة والتنمية الحاكم في «تحالف الشعب»، إن حزبه سيعمل بوعي ضمن التحالف ويؤدي دوره لصياغة دستور جديد للبلاد. بينما رأت أحزاب المعارضة، أن طرح إقرار دستور جديد للبلاد يستهدف منه إردوغان تغيير الأجندة وتحويل الأنظار عن الإخفاقات والأزمات التي تعيشها البلاد منذ عام 2018 في ظل النظام الرئاسي الذي منحه صلاحيات مطلقة، مؤكدة أن الحديث عن دستور جديد هو أمر غير مبرر، ويعكس حالة الإفلاس التي وصل إليها إردوغان.
ورغم أن الدستور الحالي، الذي أُقر عام 1982، أجريت عليه تعديلات 19 مرة، 10 منها في فترة حكم العدالة والتنمية برئاسة إردوغان، آخرها تعديل أقر الانتقال للنظام الرئاسي عام 2017، فإن إردوغان يقول، إن جميع هذه التعديلات لم تنجح في استئصال «الجوهر الانقلابي» الذي بُني عليه دستور عام 1982، معتبراً أن سبب مشكلات تركيا هو الدساتير التي أعدها الانقلابيون.
ويتطلب إقرار التعديلات الدستورية في البرلمان التركي، الحصول على ثلثي الأصوات، حيث يتكون البرلمان التركي رسمياً من 600 نائب، ويضم في الوقت الراهن 584 نائباً. وبالتالي، فإن إجراء التعديلات الدستورية يحتاج إلى أصوات 400 نائب في الأحوال الطبيعية، بناءً على شرط الأغلبية المطلقة الممثلة بـ«ثلثي العدد الإجمالي للأعضاء، ويمكن لرئيس الجمهورية طرح مشروع الدستور للاستفتاء عليه بشرط الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان (367 صوتاً).
في سياق متصل، توعدت رئيسة حزب «الجيد» المعارض، ميرال أكشينار، إردوغان بعدم الفوز بالانتخابات المقبلة عام 2023، وقالت خلال مؤتمر لحزبها «الآن لدينا أمل في إمكانية الإطاحة بالبعض عن طريق الديمقراطية وعبر صناديق الانتخابات... لا يمكن انتخاب السيد إردوغان مرة أخرى.
وبصفتي شخصاً شهد 28 فبراير (شباط) (الانقلاب ما بعد الحداثي الذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان في 28 فبراير 1997)، هناك شيء واحد لن أتخلى عنه أبداً، وهو التعلم من الماضي. تعلمنا من النقص والخطأ، توصلنا إلى نتيجة مفادها أننا يجب أن نثق بأمتنا».
في سياق آخر، اتهم نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، إنجين أوزكوتش، وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، بالتورط في حادث الاعتداء على زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، الذي وقع أثناء مشاركته في تشييع جنازة أحد الجنود في بلدة تشوبوك التابعة للعاصمة أنقرة في يناير (كانون الثاني) 2019، والذي عقدت الجلسة الثانية للمحكمة التي تنظر قضيته أمس (الاثنين). وقال أوزكوتش، إن «المحرض الأكبر على هذا الحادث هو وزير الداخلية سليمان صويلو... لقد ألقى خطابات شجعت الجمهور على التصرف بدافع الكراهية، ووجه المجتمع إلى الفصل العنصري، نحن نعلم جيداً أن العدالة مطلوبة يوماً ما لأولئك الذين يحاكمون ولمن يحاولون تطبيق الأحكام خارج نطاق القانون.
من أجل هذا، سوف يستمر كفاحنا». وانتقد نائب رئيس الشؤون القانونية في حزب الشعب الجمهوري، النائب محرم إركيك، أحكام القضاء التركي، قائلاً «لا يوجد في بلادنا قضاء مستقل وحيادي... لم نعد دولة قانون، المشكلة الرئيسية لبلدنا هي أن القضاء غير مستقل ومسيس، لو كان هناك قضاء مستقل ونزيه لكان المخططون والمحرضون وراء هذا الحادث قد ظهروا، يتم النظر في هذه القضايا في المحكمة الجنائية العليا».
وأضاف «لا يمكن لأي هجوم غير عادل أن يجعلنا نتراجع ولو شبراً واحداً... نحن على استعداد لدفع أي ثمن للنضال من أجل الديمقراطية والعدالة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟