روبوتات متناهية الصغر.. لميادين الطب والبيئة

برامج لتوظيفها في تشخيص وعلاج الأمراض بدقة وتحويل الإنسان إلى «مخلوق فائق»

روبوت نانوي ياباني «يسبح» داخل الجسم
روبوت نانوي ياباني «يسبح» داخل الجسم
TT

روبوتات متناهية الصغر.. لميادين الطب والبيئة

روبوت نانوي ياباني «يسبح» داخل الجسم
روبوت نانوي ياباني «يسبح» داخل الجسم

عندما نتحدث عن التكنولوجيا المتطورة المبتكرة على نطاق واسع حقا، فلا يوجد ما هو أكثر إثارة، بل ورعبا، من الروبوتات متناهية الصغر.
يعمل العلماء على ابتكار روبوتات سمكها أصغر من سمك شعرة الرأس حتى يمكن السيطرة عليها على مستوى الجزيء، وهو ما يعني حرفيا تحريك ذرات وخلايا لا نستطيع نحن البشر تحريكها. ويمكن برمجة تلك الروبوتات ووضعها داخل أجسام البشر لتتحرك مع أصغر خلايانا، لتصبح جزءا من قوة عمل مليونية ضئيلة لإتمام عملية بناء سريعا أو حتى لاستخدامها كسلاح محتمل.

* ماكينات النانو
كانت فكرة عمل ملايين الماكينات الميكروسكوبية، بوصفها وحدة واحدة لتفكيك جزيئاتنا التي تكون أجسامنا، كافية لتثير مخاوف أشخاص مثل الأمير البريطاني تشارلز، وأيضا إيلون ماسك، المخترع المليونير والرئيس التنفيذي والرجل الحديدي الذي يتصدّر عالم الابتكار. لذا هل ستقتلنا هذه الماكينات جميعا أم أنها ستنقذ البشرية؟
إن تكنولوجيا تطوير مثل هذه الماكينات لا تزال في المرحلة التجريبية، لكن إذا تم استخدام إمكانات التقنيات المتناهية الصغر على الوجه الأمثل، فإنها ستكون جديرة بأن تكون مادة لفيلم خيال علمي.

* استخدامات طبية
قد تكون تطبيقات التكنولوجيا متناهية الصغر في مجال الطب من الأمور الأكثر إثارة والأكثر قدرة على تغيير شكل الحياة. وهو ما قد يثير حماس الأطباء والمرضى.
وما زالت الأبحاث مستمرة من أجل تطوير روبوتات متناهية الصغر يمكن حقنها داخل أجسام البشر للقضاء على مرض ما وأداء جراحات على خلايا مفردة لا يمكن أن نجريها حاليا. ويمكن أن يرتبط علاج مرض السرطان بتلك الروبوتات متناهية الصغر، حيث يتم إجراء تجارب باستخدام جزيئات متناهية الصغر ترصد وتدمر الخلايا السرطانية لكن من دون الإضرار بالنسيج السليم كما يفعل العلاج الكيميائي. وربما لا نمرض أبدا في المستقبل بفضل الروبوتات متناهية الصغر التي تحافظ على أجهزة المناعة، حيث ستتمكن الأجهزة الصغيرة من مراقبتك باستمرار من الداخل وتتحسب من المرض وتقوم بكل ما يلزم مثل توصيل العقاقير حتى تظل صامدا على قدميك. على سبيل المثال إذا تم رصد فيروس الأنفلونزا يمكن للروبوتات متناهية الصغر تحليل الذرات المكونة لجزيء الفيروس.
ووداعا للزكام، إذ يأمل العاملون في مجال الطب أن تتمكن الروبوتات متناهية الصغر من توصيل العقاقير بشكل أسرع إلى جسم الإنسان حيث من الممكن برمجتها بحيث تصل مباشرة إلى المنطقة المستهدفة. وتعمل وكالة «داربا» لمشاريع الأبحاث المتقدمة الأميركية على تطوير برنامج «إن فيفو نانوبلاتفورم» In Vivo Nanoplatform للمساعدة في تشخيص وعلاج الأمراض سريعا بين صفوف الجنود، بل وربما القضاء على الحاجة إلى العقاقير على جبهة القتال حيث يمكن أن تصبح الروبوتات التي تحمل العقاقير هي البديل. وكذلك يُنتظر من الروبوتات متناهية الصغر في مجال الطب أن تساعد في إجراء عمليات جراحية في المخ بفضل قدرتها على المناورة في الممرات الدقيقة والمعقدة نظرا لحجمها الصغير جدا.

* الإنسان الخارق
مع ذلك لن تتوقف التكنولوجيا متناهية الصغر عند حد القضاء على الأمراض، حيث تشير تأملات العلماء والمتنبئين بالمستقبل إلى كيفية استخدام تلك التكنولوجيا في تطوير بنية جسم الإنسان وتحويله إلى «الإنسان رقم 02»!
وقد صمم روبرت فريتاس، الرائد في التكنولوجيا المتناهية الصغر، روبوتا متناهي الصغر يسمى «ريسبيروسايت» Respirocyte يستطيع حمل 9 ملايين جزيء أكسجين وثاني أكسيد الكربون، أي أكبر مما يمكن لكرات الدم الحمراء حمله بـ200 مرة، مما يعني أن البشر سيتمكنون من الركض بكامل قوتهم لمدة 15 دقيقة من دون الشعور بانقطاع أنفاسهم. ويعني هذا أيضا أننا سنتمكن من السير لساعات دون الشعور بالحاجة لالتقاط الأنفاس.
ومثلما سيصبح من الممكن تحليل النسيج العضلي فائق القوة عن طريق تلك الروبوتات ومن ثم إعادة تركيبه حتى يمنحنا قوة أكبر، كذلك سيصبح إصلاح عيوب البصر والحفاظ على نظافة الأسنان بدقة متاحا. ويمكن برمجة الروبوتات متناهية الصغر لترصد الخلايا الشائخة، والأنسجة، والعضلات التي فقدت قدرتها على العمل نتيجة الضعف، من أجل إصلاحها أو استبدالها أو إدخال بعض التعديلات عليها. ويعني هذا أننا سنتمكن من إطالة العمر مع التمتع بصحة جيدة.

* البيئة
إذا كنت لا تزال تشعر بالحذر من الروبوتات المتناهية الصغر، فكر فيما يمكن أن تصنعه للبيئة. وعلى سبيل المثال كارثة مثل بقعة النفط التي تم بذل جهد غير عادي لتنظيفها هذا إذا جاز القول إنه تم تنظيفها بالكامل، لكن كثرة الأيادي تخفف من عبء العمل، لذا يمكن أن تقوم ملايين الروبوتات متناهية الصغر بعملية التنظيف من خلال تدمير كل الجزيئات الملوثة على نحو أسرع من أي طريقة أخرى متاحة.
وفي المدن التي يلفها التلوث، أو في المصانع التي تنبعث منها المواد الكيميائية، يمكن إطلاق مجموعة من تلك الروبوتات في الجو لتقضي على الملوثات. ويمكن توفير مياه الشرب المنقاة الآمنة من دون الحاجة إلى مواد كيميائية في أي مكان حيث تدمر الجزيئات متناهية الصغر البكتريا التي تحملها المياه والتي تؤدي إلى وفاة الكثيرين.
وبطبيعة الحال هناك عدد لا متناه من الاستخدامات الغريبة المحتملة للروبوتات متناهية الصغر، بداية من الملابس التي تنظف ذاتها، والسيارات التي تصلح نفسها، والأطعمة التي يمكن الحفاظ عليها طازجة.



«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية
TT

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

​يبدو أن مركب «البنزول» المسمَّى أيضاً «البنزول الحلقي» ظهر في كل مكان خلال السنوات الأخيرة.

معقِّمات بمواد مسرطنة

أولاً، كانت معقمات اليدين التي تحتوي على «مستويات غير مقبولة» من هذه المادة المسرطنة. ثم كانت هناك عمليات سحب من السوق لرذاذات القدم المضادة للفطريات، إضافة إلى ظهور تقارير مثيرة للقلق عن وجوده في مزيلات العرق والشامبو الجاف وكريمات الوقاية من الشمس الملوثة، كما كتب كنفول شيخ، وجانا مانديل*.

وأدت بعض هذه النتائج إلى ظهور عناوين الأخبار المذعورة، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ حذَّر المؤثرون في مجال العافية - على «تيك توك» - الناس من التوقف عن ارتداء واقيات الشمس. وذهب أحد الأطباء على المنصة إلى مقارنة استخدام الشامبو الجاف المنتج بمادة البنزول بعملية التدخين. كما تم رفع كثير من الدعاوى القضائية الجماعية بشأن تأثيراته.

رُصد البنزول في واقيات الشمس

«تسلل» البنزول الطبيعي

يوجد «البنزول» (Benzene)، بشكل طبيعي في النفط الخام. ولا يضاف عمداً إلى هذه المنتجات؛ بل إنه يُستخدم لتصنيع المواد الكيميائية، مثل الأصباغ والمنظفات والدهانات والبلاستيك. وقد ينتهي به الأمر إلى التسلل إلى منتجات العناية الشخصية، عندما لا تتم تنقية المواد الكيميائية التي يوجد البنزول فيها بشكل كافٍ، أو عندما تتفاعل بعض المكونات النشطة في المنتجات بعضها مع بعض أو تتحلل.

لا توجد بيانات حتى الآن تشير إلى أن المستويات المنخفضة من التعرض للبنزول من منتجات العناية الشخصية تحمل مخاطر صحية كبيرة. وحذَّر بعض الخبراء من أن كثيراً من النتائج الأكثر إثارة للقلق حول البنزول، جاءت من مختبر واحد تعرّض لانتقادات؛ لانحرافه عن طرق الاختبار القياسية.

ومع ذلك؛ ونظراً لارتباط مستويات عالية من التعرض للبنزول بالسرطان، يقول الخبراء إنه من الجدير إلقاء نظرة فاحصة على الشامبو الجاف وواقي الشمس، وغيرهما.

ويشعر الباحثون بالقلق من أن المكونات التي تساعد المستحضرات الواقية من الشمس على الذوبان في الجلد، قد تسرّع من امتصاص الجسم له.

تنشُّق البنزول

نظراً لأن البنزول يمكن أن يتبخر بسهولة؛ فقد يستنشق الأشخاص أيضاً بعض المواد الكيميائية أثناء وضع المنتج موضعياً، ما يعني أنهم قد يتعرّضون له من خلال الطريقتين كلتيهما، كما قال لوبينغ تشانغ، عالم السموم في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. لكن حقيقة تبخره بسرعة تشير إلى أن التعرُّض الجلدي ليس مصدر قلق كبيراً مثل تعرض العمال للبنزول بانتظام في الهواء.

أبحاث محدودة

ولا تشير الأبحاث المحدودة حول هذا الأمر حتى الآن إلى أي خطر كبير. في إحدى الدراسات، فحصت مجموعة من الباحثين الأكاديميين بيانات من أكثر من 27 ألف شخص استخدموا كريمات طبية تحتوي على «بيروكسيد البنزويل» (benzoyl peroxide) الذي يعمل مطهِّراً. وعندما قارنوها ببيانات من مرضى لم يتعرضوا لبيروكسيد البنزويل، لم يجد الباحثون أي خطر متزايد للإصابة بالسرطان المرتبط بالبنزول بين أولئك الذين يستخدمون الكريمات.

ومع ذلك، قال بعض الخبراء إنهم قلقون بشأن هذه التعرضات المحتملة؛ نظراً لأن هذه المنتجات يتم استخدامها مباشرة على الجسم – يومياً عادةً - وفي أماكن صغيرة سيئة التهوية، مثل الحمامات.

ارتفاع مستويات البنزول في الجسم

وفي حين تظهر الدراسات الاستقصائية الأميركية أن مستويات البنزول في الهواء قد انخفضت - بفضل القيود الأكثر صرامة على البنزول - فقد زادت مستويات البنزول في عيّنات البول من الأميركيين في العقود الأخيرة. في الوقت نفسه، وجد العلماء أن مزيداً من المنتجات قد تحتوي على البنزول، بما في ذلك الحفاضات والمناديل التي تستخدم لمرة واحدة، والسدادات القطنية، والفوط الصحية.

وقالت إمي زوتا، الأستاذة المساعدة في علوم الصحة البيئية في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، إن اكتشاف البنزول في هذه المنتجات يسلّط الضوء على الفجوات في الرقابة التنظيمية على سلامة منتجات العناية الشخصية. وأضافت أن كثيراً من اختبارات سلامة المنتجات طوعية: «لذا؛ فإن الصناعة تضع معاييرها الخاصة».

تلوث منتجات العناية بالبنزول

كان كثير من الاهتمام حول التلوث بالبنزول في منتجات العناية الشخصية مدفوعاً بشركة اختبار مخدرات صغيرة، مقرّها في نيوهافن بولاية كونيتيكت. فقد أفادت شركة «فاليشور» (Valisure)، بالعثور على تلوث بالبنزول في معقمات اليدين، وبخاخات الجسم، وكريمات الوقاية من الشمس، والشامبو الجاف، وأدوية حب الشباب التي تحتوي على بيروكسيد البنزويل. وانتشرت بعض هذه النتائج على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، مثل «تيك توك» و«تروث سوشيال».

لكن بعض العلماء شكّكوا في منهجية شركة «فاليشور»، زاعمين أن بروتوكول الاختبار الخاص بها ينطوي في كثير من الأحيان على تسخين المنتجات إلى درجات حرارة تتجاوز درجات الحرارة التي قد تصل إليها في الحياة العادية؛ وهو ما قد يؤدي إلى تسريع تحلل المكونات، ويشير إلى خطر أعلى للتعرّض للبنزين مما قد يواجهه المستهلكون بالفعل.

أدلة تاريخية حول «سرطان البنزول»

ينظر كثير من الأبحاث حول البنزول بشكل خاص - حتى الآن - إلى التعرّض المنتظم لمستويات عالية من المادة الكيميائية في البيئات المهنية.

تأتي الأدلة على أن البنزول قد يسبب السرطان لدى البشر، من ملاحظات العمال في الصناعات الدوائية والبترولية التي تعود إلى عشرينات القرن العشرين. في عام 1987، قالت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، إن هناك «أدلة كافية» على أن البنزول مسبب للسرطان لدى البشر والحيوانات. واليوم، تتفق منظمة الصحة العالمية، ووكالة حماية البيئة الأميركية، وبرنامج علم السموم الوطني الأميركي، على أن البنزول يمكن أن يسبب السرطان، وخصوصاً سرطان الدم.

هناك أيضاً أدلة على أن استنشاق مستويات عالية من البنزول لفترات طويلة من الزمن يرتبط بسرطانات الدم الأخرى، وسرطان الرئة، فضلاً عن فقر الدم، وانخفاض القدرة على محاربة العدوى، وعدم انتظام الدورة الشهرية.

توصيات دولية

يوصي مسؤولو السلامة المهنية في جميع أنحاء العالم عموماً، بأن يقتصر التعرض في مكان العمل على جزء واحد من البنزول لكل مليون جزء من الهواء، أو جزء واحد في المليون على مدار يوم عمل مدته 8 ساعات.

ويتعرض كثير منا للبنزول أيضاً - من خلال انبعاثات المركبات ودخان السجائر ومواقد الغاز - ولكن بمستويات أقل بكثير.

وقد قدَّرت إحدى الدراسات أن التعرض البيئي للشخص العادي ينبغي أن يكون أقل من 0.015 جزء في المليون في اليوم، أو أقل بنحو مائة مرة من الحد المهني المذكور أعلاه.

خطوات لتقليل التعرض للبنزول

أظهرت حفنة من الدراسات المختبرية أن كمية معينة من البنزول على الأقل يمكن أن تخترق حاجز الجلد.

أكد الخبراء أنه لا داعي للذعر بشأن البنزول في منتجات العناية الشخصية؛ لكن اقترح كثير منهم التأكد من تخزين هذه العناصر بشكل صحيح لتجنب تحللها.

وفيما يلي بعض الخطوات البسيطة لتقليل تعرضك:

- واقي الشمس: لم يقترح أي من الخبراء الذين تمت مقابلتهم التخلص من واقي الشمس خوفاً من البنزول. حتى في الاختبارات التي أجرتها شركة «فاليشور»، لم يكن لدى غالبية واقيات الشمس مستويات يمكن اكتشافها. وقال تشانغ: «فوائد واقيات الشمس معروفة جيداً». ولكن إذا كنت تريد أن تكون حذراً، فيجب عليك تجنب تخزين واقي الشمس في سيارتك، والابتعاد عن الهباء الجوي. فكثير من المنتجات التي وُجد أنها تحتوي على البنزول هي عبارة عن رشاشات للرذاذ.

- الشامبو الجاف: إذا كنت قلقاً بشأن التعرض المحتمل للبنزين، فحاول التبديل إلى الشامبو الجاف الذي يأتي في تركيبات مسحوقة بدلاً من منتجات مرشاشات الرذاذ.

- كريمات حب الشباب: إذا كنت ترغب في الاستمرار في استخدام منتجات بيروكسيد البنزويل، فخزِّنها في مكان بارد ومظلم، مثل خِزانة أو ثلاجة، فسيساعد ذلك في بقاء مكوناتها مستقرة لفترة أطول. يمكنك أيضاً التحدث مع طبيب حول بدائل بيروكسيد البنزويل التي قد تناسبك. ويجب عليك دائماً التحقق من منتجاتك من خلال قائمة إدارة الغذاء والدواء القابلة للبحث للمنتجات التي تم سحبها من الأسواق، وتنبيهات السلامة.

* خدمة «نيويورك تايمز»