مشروع سكني بالطباعة التجسيمية للعيش المستدام

قطاع البناء يولد الحصة الأكبر من انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً

مشروع سكني بالطباعة التجسيمية للعيش المستدام
TT
20

مشروع سكني بالطباعة التجسيمية للعيش المستدام

مشروع سكني بالطباعة التجسيمية للعيش المستدام

اليوم، وبينما تواصل البشرية معركتها مع أزمة مناخية تطول تأثيراتُها السلبية جميع الصناعات، تحتل التصميمات المستدامة صدارة عالم التصميم. وتبدو الاستدامة في عالم العمارة مهمة صعبة نظراً لحجم التصميم المطلوب، ولكن إيجاد الحلول الصحيحة سيولد آثاراً كبيرة لإحداث الكثير من التغييرات الإيجابية.

سكن مستدام
تواجه العالم، اليوم، حقيقة مدهشة بعض الشيء، وهي أن قطاع البناء يولد الحصة الأكبر من انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً، أي 39 في المائة منها... مقابل قطاع الطيران الذي لا تتعدى حصته 2 في المائة. وفي الواقع، ينتج الإسمنت وحده ما يقارب 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، ما يعكس أهمية تطوير مساكن مبنية بطريقة مستدامة.
ولهذا السبب، قررت شركتا «ماريو كوتشينيلا أركيتكتس» و«واسب» (WASP) المضي نحو هذا الحل وصممتا مشروع «تيكلا» الذي يرتكز على بناء مساكن بواسطة الطباعة التجسيمية (ثلاثية الأبعاد) وباستخدام مواد طبيعية.
بدأ مشروع «تيكلا» TECLA للعمارة كنموذج تجريبي عام 2019، بالقرب من مدينة بولونيا في إيطاليا للاستجابة لمشاكل اجتماعية ملحة ناتجة عن انفجار سكاني متصاعد أدى إلى نقص حاد في المساكن ذات الأسعار المعقولة.
وُلد المشروع بالاعتماد على مواد مُعاد استخدامها وتدويرها مستخرجة من الأرض المحلية، ويهدف إلى تأمين نموذجٍ للسكن الدائري الاقتصادي المناسب لمحدودي الدخل. وقد صممت هذا المسكن شركة «ماريو كوتشينيلا أركيتكتس» ونفذته على أرض الواقع شركة «واسب» لتقنيات الهندسة والطباعة.
يُعد «تيكلا» أول المشروعات المبنية بالكامل من الطباعة ثلاثية الأبعاد، ومن طين محلي المصدر استخدم لقرون في دول كالهند كبديل للإسمنت، غير مكلف وصديق للبيئة. ويتميز الطين بقابلية التحلل وإعادة التدوير ويعد بتصفير النفايات الصادرة عن هذا البناء.

تأقلم مع المناخ
استوحت الشركتان اسم المشروع من مدينة خيالية تحدث عنها الكاتب إيتالو كالفينو، وسيتم بناؤه باستخدام عدد من الطابعات ثلاثية الأبعاد، التي ستعمل مع بعضها في وقتٍ واحدٍ، الأمر الذي سيُعتبر إنجازاً بحد ذاته نظراً لحجم المشروع.
صُمم المشروع السكني وبُني ليتأقلم مع بيئات متعددة، وفقاً لموقع «يانكو ديزاين»، وليكون قادراً على الإنتاج الذاتي باستخدام «أدوات صانع الاقتصاد المبتدئ» من «واسب». يسهم هذا المشروع في تقليل النفايات الصناعية وينشّط الاقتصادات المحلية والوطنية باستخدام نموذج مستدام يتطلب مشاركة السكان، ما سيسهم في تمتين المجتمع والصحة البيئية. طُور المشروع بكامله بالاعتماد على بحث مستفيض قامت به مؤسسة مدرسة الاستدامة التي أنشأها ماريو كوتشينيلا نفسه، واستكشف هذا البحث القيم أسباب وآثار التشرد بناءً على دراسة حالات في مناطق مختلفة بمناخات مختلفة.
في النتيجة، نجحت الشركتان في تصميم مشروع سكني قادر على الصمود في أي مناخ مع الحفاظ على فاعليته على صعيد الطاقة، على عكس المساكن ونماذج البناء التقليدية. ويشكل «تيكلا» اليوم موضوع دراسة قد تتحول إلى قاعدة للمدن البيئية المكتفية ذاتياً.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT
20

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً