مستشعرات ضوئية للكشف المبكر عن آفات النخيل

باحثون من «كاوست» يطوّرون طريقة فعّالة تستخدم نبضات الليزر لرصدها

سوسة النخيل الحمراء
سوسة النخيل الحمراء
TT

مستشعرات ضوئية للكشف المبكر عن آفات النخيل

سوسة النخيل الحمراء
سوسة النخيل الحمراء

تُصنّف الخنفساء الحمراء على أنها أكثر الآفات تدميراً لنخيل التمر، وتتسبب في خسائر اقتصادية سنوية تقدر بملايين الدولارات حول العالم، إلا أن فريقاً بحثيّاً صغيراً في السعودية ابتكر طريقة فعّالة من حيث التكلفة، تستخدم نبضات الليزر لاكتشاف المراحل المبكرة جدّاً من تفشِّي الإصابة بالآفة، مما يمنح المزارعين وقتاً كافياً لإنقاذ أشجارهم.
سوسة النخيل الحمراء هي خنفساء طائرة، تتغذى وتضع بيضها داخل نخيل التمر، وتعد نوعا من الخنافس النباتية التي نشأت في آسيا الاستوائية. وانتشرت هذه الخنفساء على مدى العقود القليلة الماضية، حتى وصلت إلى جزء كبير من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإلى منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها تقريباً.
تتسبب يرقات السوسة، أي الحشرات وهي في مرحلة تطورها من بيضة إلى ما قبل شكلها البالغ، بأضرار جسيمة وواسعة النطاق لأنواع معينة من أشجار النخيل. وتقضي يرقات السوسة دورة حياتها البالغة أربعة أشهر، داخل جذوع أشجار النخيل، وتعمل على تفريغها من الداخل حتى تموت الشجرة.
ووفقاً للدكتور إسلام عشري، الباحث في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) والذي يعمل على مستشعرات الألياف البصرية، واستشعار البلازمونات، والمواد النانوية، فإنه عندما تظهر أضرار واضحة بالأشجار بسبب تفشِّي الإصابة بالسوسة، يكون أوان إنقاذ الأشجار قد فات، مشيراً إلى أن هناك عدة وسائل تُستخدم حاليّاً للكشف عن تفشِّي الإصابة بسوسة النخيل الحمراء، «لكنها غير موثوق فيها أو غير مُجدية في مزارع النخيل الكبيرة»، على حد قوله.
يوضح البروفسور خالد نبيل سلامة، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية في «كاوست»، أن الصعوبة الرئيسية لهذا التحدي تكمن في أن المرض كله يحدث داخل الشجرة، لذلك سيكون من الضروري أن تركّز طرق الكشف المبكر على معرفة ما إذا كانت السوسة تعيش داخل الشجرة، حتى يتمكن الخبراء من اتخاذ الإجراءات المناسبة والقضاء عليها قبل أن تفتك بها. وفي أثناء قراءة مقال عن الآثار المدمرة لهذه الآفة، أدرك البروفسور بوون إس أووي، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية في «كاوست» أن عمله في علم الضوئيات يمكن أن يكون مفيداً في هذا الصدد.
ويقول أووي موضحاً: «يمكن للألياف البصرية أن تكشف بكفاءة عن صوت ضعيف جدّاً على مدى عدة كيلومترات»، ومن ثمَّ قاد فريقاً من الباحثين، بالتعاون مع يوسف الفهيد في وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، لتقصِّي إمكانية استخدام الألياف البصرية كوسيلة فعّالة من حيث التكلفة وغير مؤذية لاكتشاف أصوات المضغ الصادرة عن اليرقات الصغيرة في وقت مبكر جدّاً.
والألياف البصرية هي عبارة عن خيوط طويلة ورفيعة جداً لا يتعدى سمكها سمك الشعرة، وتُستخدم في نقل الإشارات الضوئية لمسافات بعيدة.
واستجابة لهذه التحديات، طوّر باحثو «كاوست» طريقة تتضمن إرسال نبضات ليزر من جهاز استشعار إلى ألياف بصرية، يمكن لفها حول جذوع أشجار على مساحة شاسعة؛ إذ يتفاعل الصوت مع الإشارة الضوئية داخل الألياف ويغيّر من ترددها، في حين تقوم الألياف بإرسال البيانات إلى المستشعر، الذي يمكنه - بدقة نسبية - إبلاغ المزارعين بالأشجار السليمة أو المصابة.
قبل استخدام نظامهم، سجل الباحثون صوت يرقات عمرها 12 يوماً لتحديد بصمتها الصوتية، كما قاموا بتسجيل وتحديد البصمات الصوتية لضوضاء الخلفية المعتادة، مثل الرياح والطيور.
كانت ترددات الأصوات مختلفة بما يكفي ليتمكنوا من استخدام مرشح في مستشعرهم يتجاهل معظم الضوضاء غير ذات الصلة، كما طوّروا أيضاً خوارزمية تحلّل الإشارة الواردة لإبراز ضوضاء اليرقات.
أظهرت الاختبارات المختبرية على الأشجار الصغيرة أن النظام يميّز بين الأشجار السليمة والأشجار المصابة على نحوٍ موثوق.
وفي هذا الصدد يقول الباحث العلمي الدكتور يوان ماو من، في «كاوست»: «يمكن لمستشعرنا توفير ميزة المراقبة المتزامنة، منخفضة التكلفة، غير المؤذية، على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع لنحو ألف نخلة باستخدام ألياف بصرية بطول 10 كيلومترات، واكتشاف يرقات لا يتجاوز عمرها 12 يوماً».
يخطط فريق الباحثين لخطواته المقبلة لنشر نظامهم للاستشعار في مزارع واسعة النطاق في الهواء الطلق، ويقول عشري: «سيتطلب ذلك تعديلات على النظام، ليشمل تقنيات متقدمة لمعالجة الإشارات، يمكنها تجاهل الضوضاء الموجودة في هذه البيئات».



مصاعد فضائية لرحلات جماعية إلى القمر

رسم تخيلي للمصعد القمري
رسم تخيلي للمصعد القمري
TT

مصاعد فضائية لرحلات جماعية إلى القمر

رسم تخيلي للمصعد القمري
رسم تخيلي للمصعد القمري

حتى مع انخفاض أسعار رحلات الفضاء بشكل كبير في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين المقبلة، فإن التكاليف البيئية والمالية المترتبة على استخدام الصواريخ المعبأة بوقود كيميائي للإفلات من جاذبية الأرض، كانت سبباً في إعاقة التوسع البشري إلى القمر وما بعده. كما كان هناك أيضاً غضب واسع النطاق من أن استكشاف الفضاء أصبح حكراً على الأغنياء، ما أدى إلى الرغبة في إضفاء «الطابع الديمقراطي» على الوصول إلى الفضاء.

مصاعد فضائية

كان الحلم، منذ قرون، أن نبني مصعداً فضائياً لنقلنا من الأرض إلى الفضاء من دون استخدام الصواريخ. ولكن كيف يمكن بناؤه، وأين؟ كانت التحديات الهندسية، جنباً إلى جنب مع العقبات السياسية، بالغة الضخامة. وكانت الإجابة تتلخص في قلب الفكرة وبناء خط واصل من سطح القمر إلى مدار الأرض... كل ما عليك فعله هو أن تنتقل من الأرض إلى نهاية الخط الواصل ثم القفز إلى ترام يعمل بالطاقة الشمسية والتحرك على طول المسار إلى القمر.

لكن تظل هناك حاجة إلى الصواريخ للوصول إلى النهاية المتدلية للخط الواصل، ولكن بما أن تلك الصواريخ لن تضطر إلى الإفلات تماماً من جاذبية الأرض، فانها ستحتاج إلى وقود أقل بكثير.

وكتب روان هوب في مجلة «نيو ساينتست» العلمية، وعلى عكس التصميمات التقليدية للمصاعد الفضائية، أن الخط الذي تسير عليه لم يكن بحاجة إلى ثقل موازن عملاق، يكون الضغط على الكابل أقل بكثير، وتكون المواد اللازمة لجعل هذا الأمر حقيقة متاحة، وأصبحت الفكرة قابلة للتطبيق بحلول عام 2040.

بمجرد بنائه، يصبح من الممكن نقل البشر والبضائع من الأرض بواسطة الصواريخ إلى الخط الواصل ثم إلى القمر، مع خفض إجمالي كمية الوقود اللازمة لنقل شيء ما من عالمنا إلى القمر الطبيعي بمقدار الثلثين. وأدى انخفاض الأسعار الناجم عن ذلك إلى تغيير جذري فيما يمكن القيام به في الفضاء ومن يمكنه أن يذهب من البشر.

خط قمري

يتم تصميم قاعدة أول خط قمري واصل بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، على الجانب القريب من القمر، حيث يجري إنشاء العديد من القواعد القمرية في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين للاستفادة من الضوء شبه الثابت في القطب الجنوبي والاحتياطيات الكبيرة من المياه المتجمدة في فوهة «شاكلتون».

على عكس قواعد القمر، التي ترتبط بالشركات الخاصة والدول على الأرض، يعد المصعد مورداً مشتركاً. وقد تم بناؤه بموجب قوانين وضعتها المنظمات غير الحكومية مثل مؤسسة «من أجل كل أنواع القمر» For All Moonkind ومؤسسة «القمر المفتوح» Open Lunar Foundation، والمنظمات المناظرة في المناطق المساهمة الرئيسية (الهند، واليابان، والصين، والاتحاد الأوروبي).

إن الخط الواصل يتصل بالقمر عبر نقطة «لاغرانج» القمرية «إل 1». هذه هي المناطق في الفضاء حيث تتوازن الجاذبية للقمر والأرض، ولا تكون هناك حاجة إلى الوقود للحفاظ على موضع الجسم.

في الواقع، فإن هذه النقطة هي عبارة مواقف سيارات في الفضاء، ومن ثمّ فهي مواقع مفيدة للغاية للمستودعات والموانئي الفضائية. الخط الواصل - أو السلم القمري Lunar Ladder، أو الممشى القمري MoonWalk، أو «عصا الجبن» Cheese Stick، كما كان يُطلق عليه بشكل مختلف - تم بناؤه في وقت واحد من مستودع فضائي في «إل 1» والقاعدة على سطح القمر. وتم اختيار البوليمر الاصطناعي فائق القوة «إم 5» كمادة، لتسليم آلاف الأطنان منه إلى «إل 1» للبناء.

كل ما عليك فعله هو الانتقال من الأرض إلى نهاية الخط الواصل والقفز إلى الترام الشمسي والتحرك على طوله إلى القمر.

تطورات المصعد القمري التاريخية

أثار هذا المشروع عدة تطورات مفيدة. كانت الصواريخ الكيميائية، التي توفر قوة دفع كافية للخروج من سطح كوكب، لا تزال قيد الاستخدام للوصول إلى مدار الأرض المنخفض، ولكن بعد ذلك، انضمت المحركات الأيونية إلى المصعد، ثم استُخدمت بعد ذلك للتحرك في جميع أرجاء النظام الشمسي. تولد هذه المحركات قوة دفع عن طريق تسريع الذرات المشحونة كهربائياً عبر حقل كهربائي، وكانت تعمل بالطاقة الشمسية، ولقد سمح هذا باستكشاف الكون الواسع على نحو أقل تكلفة وأكثر عمقاً.

يرجع أول اقتراح للمصاعد الفضائية إلى عام 1895، في تجربة فكرية ابتكرها رائد الفضاء الروسي «كونستانتين تسيولكوفسكي». كتب تسيولكوفسكي في عام 1911 يقول: «الأرض مهد الإنسانية، ولكن البشرية لا يمكن أن تبقى في المهد إلى الأبد». وقد أجري أول اختبار لهذه التكنولوجيا عام 2018، مع ظهور مشروع «STARS - Me»: القمر الاصطناعي الآلي المستقل المربوط بالفضاء - المصعد المصغر».

حدث هذا بجوار محطة الفضاء الدولية، باستخدام تصميم من قبل الباحثين في جامعة شيزوكا في اليابان. ويتكون من قمرين اصطناعيين صغيرين متصلين بكابل طوله 11 متراً مع زاحف يتنقل بينهما.

في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، عندما تبدأ بعثات «أرتميس» إلى القمر، سيتم بناء محطة «البوابة الفضائية» في المدار القمري، وأصبح هذا حجر انطلاق لمستودع «إل 1».

إن الخط الواصل يلعب دوراً محورياً في إضفاء الطابع الديمقراطي على الفضاء، إذ يصبح الذهاب إلى القمر للعمل أو قضاء وقت الفراغ شيئاً يمكن لأي شخص تقريباً فعله إذا أراد. ويتبع ذلك تحقيق اختراقات علمية من إنشاء قاعدة أبحاث في «إل 1»، ويتم نقل العمليات المدمرة - مثل التعدين - خارج كوكب الأرض. فقد تم نقل جزء كبير من البنية الأساسية الصناعية الملوثة للأرض - لا سيما منشآت الخوادم التي تدعم الطلب على الكومبيوترات - إلى القمر، حيث يمكن استخدامها بكفاءة أكبر بواسطة الطاقة الشمسية.