انقسامات ليبية شرقاً وغرباً... وحكومة «ضعيفة» ومرتزقة

جولة على تحديات ستواجهها السلطة الجديدة «المؤقتة»

انقسامات ليبية شرقاً وغرباً... وحكومة «ضعيفة» ومرتزقة
TT

انقسامات ليبية شرقاً وغرباً... وحكومة «ضعيفة» ومرتزقة

انقسامات ليبية شرقاً وغرباً... وحكومة «ضعيفة» ومرتزقة

تستعد ليبيا هذه الأيام لامتحان جديد يدل على مدى استعداد الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي حالياً لتسليم الحكم إلى سلطة تنفيذية مؤقتة جديدة انبثقت عن منتدى الحوار السياسي في جنيف وتتمثل في مجلس رئاسي من رئيس وعضوين ورئيس للحكومة.
هذه جولة على بعض التحديات التي ستواجهها السلطة الجديدة.
- ثقة مجلس النواب
يتمثل التحدي الأول في الحصول على ثقة مجلس النواب، بحسب ما تم الاتفاق عليه في جنيف برعاية الأمم المتحدة. وفيما لا يبدو هذا الأمر مضموناً حتى الآن، تجري جهود لعقد جلسة للبرلمان، ربما في مدينة سرت، لمنح الثقة للحكومة التي سيقترحها رئيس الوزراء المكلف عبد الحميد دبيبة. ورغم أن دبيبة، وهو من مدينة مصراتة بغرب ليبيا، أعلن الخميس ملامح التشكيلة التي قدمها لمجلس النواب، ليس واضحاً تماماً ما إذا كانت ستحصل على ثقة النواب، المنقسمين أصلاً فيما بينهم. ويقول دبيبة إن تشكيلته ستضم وزراء قادرين على التنقل في عموم ليبيا، ما يعني أنهم يفترض أن يكونوا على علاقة جيدة مع مختلف الأطراف المتنازعة على السلطة. وقد يعني هذا بالتالي أن بعض الوجوه المشاركة في السلطة حالياً، بغرب البلاد وشرقها، ربما سيكونون مستبعدين من الحكومة الجديدة، وهو ما سيوسع دائرة المعارضين للحكم الجديد بحكم أن نقل السلطة سيؤدي إلى خسارتهم الامتيازات التي يتمتعون بها حالياً.
وإذا ما فشلت حكومة دبيبة في نيل ثقة النواب فإنه سيعني تكراراً للسيناريو الحالي الذي مر به المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج عقب اتفاق الصخيرات بالمغرب في ديسمبر (كانون الأول) 2015. لم يمنح مجلس النواب ثقته للسراج، لكن ذلك لم يمنعه من تولي مهامه وفرض نفسه على رأس سلطة فعلية معترف بها دولياً بحكم دعمها من الدول الغربية الكبرى. وواضح الآن أن السلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة، ممثلة برئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي ونائبيه وبرئيس الحكومة الجديدة، تحظى بدعم كبير من المجتمع الدولي، تمثل خصوصاً بتحرك خماسي لحكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة يدعو «السلطات والفاعلين الليبيين الحاليين إلى تسليمها (السلطة التنفيذية الجديدة) جميع الصلاحيات والمهام بشكل سلس وبناء». ويلعب السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاد دوراً أساسياً في هذا المجال، إلى جانب سفراء الدول الكبرى مثل بريطانيا التي يعتبر مسؤولها أن «تعيين سلطة تنفيذية مؤقتة موحدة جديدة يعتبر خطوة أساسية نحو حل شامل ومستدام للنزاع، ومستقبل أكثر سلاماً لكل الليبيين». كذلك كررت فرنسا، الخميس، «دعمها الكامل» للسلطة التنفيذية الليبية، وهو ما أبلغه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدبيبة والمنفي، بحسب الخارجية الفرنسية.
- سلطة جديدة «ضعيفة»
وليس واضحاً ما إذا كان المجلس الرئاسي الجديد وحكومته سيتسلمان السلطة عبر ثقة مجلس النواب، أو عبر العودة إلى ملتقى الحوار السياسي في جنيف (في حال تعذر الحصول على ثقة النواب)، أم عبر فرض الأمر الواقع، كما حصل مع حكومة السراج نتيجة حصولها على غطاء أممي. لكن انتقال السلطة بدون موافقة السلطات الحالية في شرق البلاد وغربها يمكن أن يعني ظهور حكم جديد لا يتمتع بقوة عسكرية تمسك بالأرض، كما حصل في بدايات حكم السراج عندما لم تكن سلطته تتجاوز مقره في القاعدة البحرية بطرابلس، قبل أن تنضم له جماعات مسلحة عديدة تنضوي، اسمياً، تحت لواء «حكومة الوفاق» لكن ولاءها يبقى في أحيان كثيرة لمناطقها في الدرجة الأولى (مثل بعض جماعات مصراتة والزاوية وغيرها). وفي مقابل الجماعات العديدة المنتشرة في الغرب والموالية لحكومة «الوفاق»، يبقى الشرق الليبي فعلياً تحت سلطة «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر الذي لا يتوقع أن يقبل بحكومة جديدة إلا إذا حصل على ضمانات بأنها لن تلجأ إلى عزله في حال نيلها ثقة مجلس النواب. ويصر معارضو حفتر في غرب البلاد على استبعاده من أي سلطة جديدة. وهو، في المقابل، يعتبر معارضيه إما موالين لجماعات إسلامية متشددة أو يعملون لمصلحة الأتراك.
لكن كلوديا غازيني، المحللة المختصة بليبيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، لا ترى الوضع شديد القتامة. إذ تقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هناك في الواقع علامات على أن المسؤولين المنتخبين في جنيف يتمتعون بدرجة من الدعم من حفتر ومن العسكريين في غرب ليبيا». وتوضح: «السؤال الأساسي هو هل هؤلاء المسؤولون سيتمكنون من نيل ثقة مجلس النواب الذي هو المفتاح الذي يعطي قيمة قانونية لعملية الاختيار التي تمت في جنيف. للأسف، خريطة الطريق للانتخابات (المقررة في 24 ديسمبر المقبل) ما زالت غير محسومة. مندوبو منتدى الحوار السياسي الليبي ما زالوا يناقشون أي انتخابات سيتم إجراؤها، وكيف، ومتى. يجب الإقرار بأن فرص إجراء الانتخابات بحلول نهاية السنة ضئيلة، ولذلك يجب أن نتوقع تأخرها».
- الشرق والغرب
وليس سراً أن هناك تمايزات واضحة في شرق ليبيا بين المشير حفتر ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، ظهرت على وجه الخصوص خلال الهجوم الفاشل الذي شنه حفتر في غرب البلاد. لكن الغرب الليبي يعاني بدوره من تمايزات بين أطرافه المفترض أنها جميعاً تشكل جزءاً من حكومة {الوفاق}. ولعل أبرز مثال على هذا التمايز في الغرب ما حصل مع وزير الداخلية في حكومة «الوفاق» فتحي باشاغا الذي تحدث عن محاولة اغتيال استهدفته في طرابلس قبل أيام. وتقول المحللة غازيني في هذا الإطار: «هناك توترات بين التشكيلات المسلحة المختلفة في العاصمة، ولكن يجب أن نكون واضحين أن الحادثة التي تعرض لها باشاغا لم تكن محاولة اغتيال لكنها فوضى مرورية». وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «في الحقيقة معظم المجموعات المسلحة التي تنتمي إلى طرابلس هي ضد باشاغا، والشخص الذي تورط في حادثة باشاغا تبين أنه جزء من قوة حماية الاستقرار وهي تحالف لجماعات مسلحة معارضة للترشح السياسي لباشاغا. لكنني أعتقد أن وزارة الداخلية استعجلت في وصفها الحادثة بأنها محاولة اغتيال. ورغم ذلك، لا أتوقع اندلاع مواجهات كبرى في العاصمة، لكن الوضع متوتر».
- المرتزقة
ومن التحديات الأخرى التي تواجه السلطة الجديدة توحيد المؤسسة العسكرية وإخراج المقاتلين الأجانب الذين يدعمون الطرفين المتقاتلين في شرق البلاد وغربها. ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تشهد ليبيا وقفاً للنار عند خط سرت – الجفرة الذي انكفأت إليه قوات «الجيش الوطني» بعد انكسار هجومها في غرب البلاد. وتعمل لجنة عسكرية مشتركة من قوات الشرق والغرب (لجنة 5+5) على تنفيذ خطوات تسمح بإعادة فتح الطريق الساحلي بين سرت وغرب ليبيا. وحتى ولو أعيد فتح طريق سرت – مصراتة، فإنه غير واضح ماذا سيحصل للمقاتلين الأجانب المفترض أنهم ينتشرون إلى جانب قوات حفتر في سرت (مرتزقة فاغنر مثلاً) أو إلى جانب قوات «الوفاق» قرب مصراتة (مرتزقة سوريون يعملون بإشراف الاستخبارات التركية). تقول المحللة غازيني، في هذا الإطار، إنه «إذا نال المسؤولون الجدد الذين تم اختيارهم الثقة (في مجلس النواب) فهذا يعني ازدياد فرص الاتجاه نحو سحب المرتزقة لأن الحكومة الجديدة سيكون لديها قاعدة قانونية أقوى للعمل والسير فعلياً نحو توحيد القوات المسلحة. إذا لم يحصلوا على ذلك، فالأمور قد تصير معقدة، حتى فيما يخص سحب المرتزقة الأجانب».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.