مبادرة «زمزم» تعمل على تشكيل جبهة وطنية لمحاربة الإرهاب في الأردن

تضم أطيافًا سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية وشعبية تكون احتياطًا داخليًا للدولة في مواجهة التطرف

مبادرة «زمزم» تعمل على تشكيل جبهة وطنية لمحاربة الإرهاب في الأردن
TT

مبادرة «زمزم» تعمل على تشكيل جبهة وطنية لمحاربة الإرهاب في الأردن

مبادرة «زمزم» تعمل على تشكيل جبهة وطنية لمحاربة الإرهاب في الأردن

أكد المنسق العام للمبادرة الوطنية للبناء (زمزم) رحيل الغرايبة أن المبادرة تعمل على تشكيل جبهة وطنية لمحاربة الإرهاب والتطرف، بهدف خلق حالة من الوعي الوطني وتقوية الجبهة الداخلية بعدما نشاهده من تطرف وعنف وإرهاب تمثل بالحدث الأخير الذي تعرض له الشهيد الطيار معاذ الكساسبة.
وقال الغرايبة في تصريحات للصحافيين، أمس، إن هذه الجبهة الوطنية العريضة ستضم أطيافا سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية وشعبية ستكون رديفا داخليا للدولة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، في مواجهة التطرف والعنف.
وأضاف أن من أسباب طرح هذه المبادرة كذلك توحيد الجهد وطني، لنكون صفا واحدا وموحدين في مواجهة هذا الخطر الداهم، بحيث نجعل من هذا الحدث سببا للوحدة وتماسك الجبهة الداخلية وزيادة الفاعلية في حماية الأجيال المقبلة والعقول من الأفكار المنحرفة التي تروج لها التنظيمات الإرهابية.
وأعلن الغرايبة عن اجتماع سيعقد خلال الأسبوع المقبل من أجل البدء بالخطوات العملية لتطوير وإنجاح الفكرة، حيث سيتم دعوة مجموعة من الشخصيات الوطنية والمؤسسات للاتفاق على منهجية العمل في هذه المبادرة. وأشار الغرايبة إلى أن المبادرة ستسعى لتشكيل هذه الجبهة من العلماء والفقهاء وأساتذة الجامعات والقوى السياسية والاجتماعية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الحكم المحلي ومراكز الدراسات والأبحاث، ومن مختلف القطاعات. وبين أن كل قطاع سيسهم حسب قدرته، سواء أكان ذلك على مستوى إنتاج الأفكار أو على مستوى الدعم اللوجستي، وذلك من أجل إحسان التنفيذ والإخراج وتعظيم القدرة على المواجهة. ولفت الغرايبة إلى أنه آن الأوان للالتفات إلى المناهج والكتب على صعيد المدارس والجامعات، بحيث تكون المناهج قادرة على حماية النشء والأجيال الشابة من الوقوع في براثن التطرف والأفكار المنحرفة، إضافة إلى الاهتمام بالوعاظ والخطباء، بحيث يكون عملهم مبنيا على منهجية مدروسة وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى، لتكون لديهم القدرة على الإقناع والتوضيح ومخاطبة العقول بطريقة علمية مقنعة. وكانت «زمزم» أصدرت يوم أول من أمس بيانا صحافيا استنكرت فيه الجريمة البشعة التي اقترفتها عصابة من القتلة الإرهابيين، والتي أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن هذه العصابة متجردة من المشاعر الإنسانية والصفات الآدمية، فضلا عن التجرد من معاني الدين والإسلام، والتمرد على القيم والمبادئ، لافتة إلى أن هذه المجموعات ألحقت ضررا بالغا بالإسلام والمسلمين بمثل هذه الأفعال المتوحشة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا، كما عمدت إلى هدم ما بناه المسلمون عبر تاريخهم الطويل من صروح حضارية مجيدة ومنظومة قيم إنسانية نبيلة.
يشار إلى أن المبادرة «زمزم» خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بهدف «تجميع الطاقات واستثمارها وتقديم البدائل والمبادرات لتحقيق الإصلاح الشامل على أساس المواطنة والكفاءة، وفق منهج تشاركي توافقي قيمي وإطار وطني جامع يعتمد منهجا سلميا علنيا يسعى إلى تمكين المجتمع الأردني وبناء دولته المدنية الحديثة بمرجعية قيمية إسلامية».
وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد أحالت مجموعة من قيادات المبادرة إلى محكمة داخلية، وما زالت عضوية بعض هذه القيادات معلقة.
على صعيد آخر، قام وفد من قيادة حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن بزيارة إلى بلدة عي في محافظة الكرك، لتقديم واجب العزاء بفقيدهم الطيار معاذ الكساسبة.
وقد ضم الوفد الأمين العام للحزب محمد عواد الزيود وعلي أبو السكر نائب الأمين العام، ومراد العضايلة وصباح الصباح عضوي المكتب التنفيذي، وعددا من قيادات الحزب من رؤساء الفروع وأعضاء مجلس الشورى، حيث قدم الوفد تعازيه الحارة لوالد الفقيد وأهله وعشيرة الكساسبة.
وكان الحزب قد استنكر في تصريح له الجريمة النكراء التي أودت بحياة الطيار معاذ الكساسبة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.